اختارت صحيفة الصنداي تايمز لتحليلها الرئيسي حول تطورات السياسة الليبية تجاه أوروبا يوم 16 أغسطس الماضي عنوان "الزعيم الليبي انتقل خلال أربع سنوات فقط من ممول للإرهاب إلي صديق لرؤساء الوزراء الأوروبيين" واستشهدت علي ذلك بدعوته (يوليو 9002) لحضور قمة الثماني في إيطاليا، بينما - في رأيها - لو كان قد فكر في القيام بهذه المغامرة قبل عقدين "فإن طائرته كانت ستقصف باعتباره خطرا أمنيا".. إعلاميا بدأ إنكار حكومة إسكتلندا لدور النفط في اطلاق سراح عبد الباسط المقرحي، ونفي الحكومة البريطانية لأي دور في هذا الخصوص، يشهد هجمات مركزة وموثقة.. لذلك يري غالبية المحللين أن مواصلة التخفي خلف التصريحات المبهمة لم يعد يجدي أمام الشفافية التي تتحكم إلي حد كبير في حركة الشارع السياسي البريطاني.. قالت صحيفتا الأوبزيرفر و الصنداي تايمز (30 اغسطس) إنهما اطلعتا علي وثائق تُبرهن علي عدم مصداقية حكومة جوردن براون عندما أنكرت أن " النفط الليبي ليس له دور في اطلاق سراح المقرحي".. الوثائق التي تتحدث عنها الصحيفتان حصلتا عليها عن طريق منظمة " بلاتفورم Platform / المنصة " غير الحكومية التي من حقها الاطلاع علي مثل هذه الوثائق بموجب قانون حرية المعلومات.. تقول صحيفة الأوبزيرفر إن وزير العدل البريطاني جاك سترو غير مَوقفه "خدمةً لمصالح البلاد القومية"!!.. وتعني الصحيفة بذلك أن وزير العدل كان متمسكاً طوال المباحثات التي سبقت توقع اتفاقية تبادل السجناء مع ليبيا باستبعاد عبد الباسط المقرحي من قائمة السجناء التي تتناولهم بنود الاتفاقية " لكن ليبيا استخدمت ورقته ( المقرحي ) لتعطيل إتمام اتفاقها مع شركة بي بي BP للتنقيب عن الغاز والنفط الذي اعلن عنه في مايو 2007 بقيمة 15 مليار دولار، لفترة ستة أشهر".. وجاء تغيير موقف سترو كما تقول الصحيفة ضمن رسالة بعث بها (ديسمبر 7002) إلي نظيره وزير العدل الإسكتلندي قال فيها " ليس هناك مجال لضمان استبعاده (المقرحي) بشكل صريح، لأن المحادثات الموسعة مع الليبيين وصلت لطريق مسدود.. لذلك وفي ضوء مصالح المملكة المتحدة وافقت علي ألا تستبعد اتفاقية تبادل السجناء في صيغتها النهائية أي فرد " !! وهذا يؤكد صحة ما جاء علي لسان سيف الإسلام القذافي الذي أكد لوسائل الإعلام البريطانية أن "المقرحي كان حاضراً في كل الأوقات عندما كنا نتحدث عن تبادل السجناء، لذلك وقعنا في نفس التوقيت علي عقود نفط واتفاقيات تجارية".. وبينما لا تنكر صحيفة صنداي تايمز الجانب الإنساني فيما يتعلق بالإفراج عن السجين الليبي وتشير إلي تصريحات وزير التجارة البريطاني لورد بيتر ماندلسون التي ينفي فيها وجود صلة بصفقات النفط، إلا أنها تُفرد مساحة واسعة لسبل التقرب من ليبيا عبر أكثر من مبعوث بريطاني مهم " من أجل إنجاز عقود الغاز والنفط " كان من بينهم ولي العهد الأمير تشارلز وعدد كبير من المسئولين.. هذه الوثائق التي لزمت حيالها حكومة براون الصمت حتي الآن، توضح بجلاء أن الجهد السياسي الذي بذله أقطابها لتأمين صفقات النفط " له صلة قوية ومباشرة بالإفراج عن المقرحي.. ومن هنا جاء الهجوم علي جوردن براون الذي أنكر أي دور لحكومته ضمن خطوات الإفراج عن السجين الليبي، بينما تشير الوثائق إلي ضغوط وتنسيق ودعم سياسي قدمته حكومته لمجالس إدارات شركات النفط.. رسمياً نفت ليبيا علي لسان محمد سيالا أمين التعاون الدولي بوزارة الخارجية أي ربط بين اتفاقية النفط مع الشركة البريطانية والإفراج عن المقرحي، ووصف ما أثارته وسائل الإعلام البريطانية بأنه يدعو للسخرية.. بينما نقلت صحيفة الاندبندنت عنه ( الأول من سبتمبر ) أن المفاوضات حول تعويضات عائلات ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الايرلندي، مستمرة "بعد ان تم التوصل حيالها إلي شكل من اشكال التوافق مع الحكومة البريطانية".. وجهة نظر الشارع السياسي التي تدعمها وسائل الإعلام تقول إن الحكومة البريطانية استثمرت القدر الأكبر من رأس مالها السياسي لضمان الحصول علي النفط الليبي واحتياطاته، علي حساب قضايا حقوق الإنسان والبيئة والديمقراطية.. بينما يجب - من وجهة نظرها - أن تكون الأولوية لمصالح المواطنين وليس لمصالح الشركات الكبري!!.. علي الجانب الآخر قالت صحيفة الاندبندنت ( 29 اغسطس ) أن بعض المحللين يعتقد أن ليبيا كانت ضحية حاجة الولاياتالمتحدة وبريطانيا لكل من سوريا وإيران في حربها (القادمة) في الخليج "لذلك عمدت إلي إلصاق تهمة لوكربي عام 1987 بليبيا".. في نفس اليوم قالت صحيفة التايمز إن قرار وزير العدل الاسكتلندي بإطلاق سراح المقرحي ربما يقف وراءه محاولة لتفادي "إحراج النظام القضائي في بلاده إذا ما أُعيدت محاكمة السجين الليبي بعد قبول استئنافه الثاني".. وكانت الصحيفة قد اشارت قبل ذلك بأسبوع إلي أن إعادة المقرحي "إلي بلد مؤلف الكتاب الأخضر ستُغلق الباب علي طوفان من المعلومات ذات السمعة السيئة التي يمكن أن يظهرها نظر الاستئناف الثاني" !!..