يوميا بعد أذان الظهر في شهر رمضان يعلن المصريون حالة التأهب القصوي استعدادًا لرحلة العودة إلي المنزل فالجميع حينها علي سفر والعالم بأكمله يعترض طريقك ليمنعك من الوصول إلي أي مكان علي الأرض يقيك حرارة الجو، فضول زملاء العمل، زحام المرور وأبواق السيارات وعادمها.. السائق أيضًا له نفس الحلم إلا أنه لا يتحقق إلا أياماً معدودة خلال الشهر يحظي فيها بوجبة إفطار في رحاب الأسرة ودفئها أما باقي الشهر فهو صائم علي الطريق. يقول محمد أبوالهول 57 سنة سائق أتوبيس إن في رمضان الوردية الأولي تبدأ الساعة 4 صباحًا ويستلم السائق عمله في تمام الساعة 5.30 صباحًا والوردية الثانية تبدأ في الساعة 3.30 بعد الظهر وتنتهي في الساعة الواحدة من صباح اليوم التالي، وهي أصعب فترة في اليوم كله حيث يخوض السائق معركة للوصول في موعده إلي الموقف وقد يكون من المقرر له ألا تستغرق رحلته في الخط 80 دقيقة أي ساعة وثلث الساعة ولكن بسبب الزحام الشديد في ذلك التوقيت قد تستغرق رحلته 4 ساعات كاملة فالإشارة الواحدة قد تستمر لأكثر من نصف ساعة، خلال ذلك الوقت يكون احتكاك السائق بالجماهير ضربًا من الجنون خاصة المدخنين منهم حيث يزيد الصيام من توترهم ومشاحناتهم مع بعضهم ومع الكمسري.. أما لعناتهم فهي من نصيب السائق وحده. وعن وجبة إفطاره في رمضان يقول محمد: من المعروف أن إفطار سائق الأتوبيس يجب أن يكون علي نفقة هيئة النقل العام، وبالفعل تنظم الهيئة مائدة إفطار جماعي في العشر الأوائل من شهر رمضان في ميدان عبدالمنعم رياض ويحضرها سائقو الموقف أما باقي سائقي القاهرة الكبري فموائد الرحمن في ضواحي القاهرة أولي بهم حيث يقف العمل نهائيا يركن العجل قبل أذان المغرب بنصف ساعة ويهبط السائق علي أي مائدة رحمن ليتناول وجبته الوحيدة بعد 8 ساعات عمل. أما أكثر المناطق ازدحامًا وتمثل أزمة لكل سائقي هيئة النقل فحدثنا عنها صبحي محمد 41 سنة فيقول إن الأزهر والموسكي والحسين هي أكثر المناطق التي تشهد اختناقًا مروريا وقت الذروة وذلك يرجع إلي أنها منطقة تجارية ولكن ما يثير الدهشة إشارة مرور مديرية الأمن التي تستمر لساعة فأكثر والطريق متوقف بها نهائيا. ولعل أغرب المواقف التي صادفته عندما طلبت منه سيدة من الركاب أن تنزل أمام مستشفي الحسين وتحمل طفلاً قدمه مكسورة وقمت بفتح الباب حتي تهبط من الأتوبيس فقام ضابط المرور بتسجيل مخالفة له لعدم وقوفه في المحطة والمضحك في الأمر أنه لا يوجد مكان للوقف داخل أو خارج المحطة فالطريق كله مغلق من بداية الشارع حتي نهايته. وعن حياة سائقي القطارات في رمضان يحدثنا فتحي رمضان 43 سنة فيقول: يحمل كل منا حقيبة صغيرة بها شاي وسكر وكوب وملعقة وسكينة وطبق ويحضر معه عمود الطعام من المنزل استعدادًا للإفطار داخل كابينة القيادة مع العطشجي مساعد السائق وتنقسم رحلات السائقين تبعًا لدرجة القطار وحلقاتهم.. فسائق الحلقة الخامسة يقود قطارات شرق ومنوف وايتاي البارود.. أما سائقو الرابعة والثالثة فيقودون قطارات خط بحري وقبلي.. وسائقو الدرجة الأولي التوربيني فيقودون قطارات النوم المكيفة والقطار الإسباني السريع وهو خط الأقصر وأسوان وهؤلاء يجب أن يصحبوا معهم حقيبة خاصة لأن كابينتهم مقفرة بالنسبة لباقي عربات القطار وتنفصل عنها تمامًا.. فلو تعطل القطار في رمضان من الصعب عليه الدخول إلي كافتيريا القطار وطلب وجبة كباقي الركاب. وفي حالة تخلف أحد السائقين لظرف مرضي أو عائلي مفاجئ يكون هناك سائقو الإمداد متشعبين من قبلي وبحري وسائقي الفروع وسائقي المحطة والروسبيد الاحتياطي.. وهم دائمًا في وضع الاستعداد لأي ظرف طارئ سائق تخلف جرار قطار معطل والعطل لا يستمر أكثر من نصف ساعة ويتم إصلاحه إذا ما وقع في الطريق. وعن الحوادث التي تقع له في رمضان يقول عبدالحميد رزق 53 سنة سائق قبلي - بحري توربيني إن سرعة القطار العادية 120 كيلو وكثيرًا ما يمر من أسفل كباري المشاة فيفاجأ بالأطفال يمطرونه بالحجارة التي تخترق الزجاج لأنه طبقة واحدة أرق من زجاج السيارات العادية مما تسبب له في فقدان بعض أسنانه وجرح غائر في رقبته ويحمد الله علي ذلك فهناك أحد زملائه فقد عينه والآخر فقد حياته فقد أصابت الحجارة جمجمته فهشمتها. أما إبراهيم 42 سنة فينطبق عليه قول هم يبكي وهم يضحك فعند إطلاق مدفع الإفطار نسي خفير المزلقان غلق البوابة فعبرت تريللا تنقل بلوكات حجر أبيض أثناء مرور القطار الذي يعمل عليه كمساعد للسائق فما كان منه إلا أن قبض علي يد السائق وركض إلي داخل جرار القطار الذي كان يسير بسرعة هادئة 70 كيلو فقط عندما اصطدم بالتريللا وكاد آلاف الأبرياء يصبحون ضحية خطأ الإهمال لولا أن عناية الله أدركتهم فتحطم الجرار فقط.