في بادرة ذكية وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما رسالة تهنئة إلي المسلمين في كل أنحاء العالم، بمناسبة حلول شهر رمضان، تحدث أوباما إلي المسلمين كأنه من المسلمين قائلاً باللغة العربية: رمضان كريم ، مؤكدًا في هذه المناسبة التزام الولاياتالمتحدة ببناء عالم أكثر سلامًا وأمنًا. قال أوباما، في كلمة تليفزيونية مسجلة أذيعة عشية بدء شهر رمضان إن طقوس شهر رمضان تذكرنا بالقيم والمبادئ المشتركة التي نتشاطرها ، وأضاف قوله إن طقوس هذا الشهر تذكرنا بدور الإسلام في نشر العدالة والتقدم والتسامح واحترام حقوق الإنسان . ذكر أوباما أن رمضان شهر القرآن الكريم، الذي أنزل علي النبي محمد ، وقال إنه يعلم أن رمضان شهر للاحتفال وتجمع الأسر وتشاطر وجبات الإفطار، بقدر ما هو شهر للتقوي والتأمل والصوم طوال النهار، وتأدية صلاة التراويح في الليل، وتلاوة القرآن والاستماع إليه طوال الشهر الكريم . هذه الكلمة تعيد إلي الأذهان الخطاب الذي وجهه أوباما، من القاهرة في شهر يونيو الماضي، للمسلمين في أنحاء العالم وأوضح فيه عزمه علي انتهاج سياسة أمريكية جديدة في الشرق الأوسط تتضمن خطوات ملموسة لاستعادة الثقة المفقودة بين الطرفين. قال أوباما إنه منذ ذلك الحين والسفارات الأمريكية في العالم العربي تجري مشاورات مع الحكومات والمواطنين هناك، وأنه الآن يركز علي القيام بالخطوات الملموسة في هذا الشأن. كما تعهد أوباما بدعم بلاده بقوة لحل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتوصل إلي نهاية معقولة للحرب في العراق، وأوضح أن أمريكا سوف تناصر دائمًا الحقوق العالمية لجميع لشعوب حتي تعبر عن نفسها وتمارس ديانتها وتساهم بشكل كامل في بناء المجتمع وترسيخ ثقتها في حكم القانون. كلام أوباما تمت صياغته بعناية لتجديد التزامه بإصلاح العلاقات مع العالم الإسلامي، واختار له مناسبة محببة لدي المسلمين اعتادوا أن يتبادلوا التهنئة فيها، لكن المراقبين قالوا في سياق الرد علي تهنئة أوباما إن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش كان يتوجه برسائل تهنئة مماثلة للمسلمين خلال شهر رمضان ومع ذلك لم يدخر وسعا في الإساءة إلي قضايا العالم الإسلامي، بما يعني أن التزام أوباما ينبغي عليه تجاوز الأطر النظرية مثل الكلام الحلو وتبادل التهنئة في المناسبات إلي تلك الخطوات الملموسة التي لاتزال في مرحلة الوعد ولم تصل بعد إلي مرحلة الفعل . نتيجة للميراث الثقيل من الأخطاء الأمريكية في حق العرب والمسلمين لا يصدق البعض كلمة مما يقوله أوباما ويقولون إنه يجيد الكلام بعكس سلفه ولكنه في الواقع لا يختلف عن بقية الرؤساء الأمريكان الذين سبقوه. التشاؤم الذي بلغ ذروته سببه في الواقع الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الذي يعيش في سجن كبير، وعمليات القتل بالجملة التي يتعرض لها الشعبان العراقي والأفغاني مع وجود القوات الأجنبية علي أرض البلدين. يري البعض أن الحل المقترح للدولتين في فلسطين قائم علي غير تكافؤ ويفتقر إلي العدالة - هذا إذا نجح - لأنه في حالة العيش المشترك بسلام يجب أن تتمتع الدولتان بالقدر نفسه من عناصر القوة وفرص البقاء بينما المطروح إقامة دولة فلسطينية خاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي مثلما حدث في قطاع غزة بعد الانسحاب أحادي الجانب من جانب إسرائيل. والملاحظ أنه حتي الآن لم تعلن إسرائيل ولا مرة واحدة عن قبولها حل الدولتين كما يفهمه المجتمع الدولي كله وإنما تتحدث عن كيان اقتصادي تابع وخاضع لسيطرة إسرائيل. الموقف في العراق صعب للغاية بعد إذكاء العصبيات والنزاعات الطائفية التي تودي بحياة المئات من المدنيين بصورة يومية، والملاحظ أن الأضرار التي أصابت الشعب العراقي من جراء الغزو الأمريكي تجاوزت الأضرار المادية بكثير إلي الشروخ العميقة التي أصابت مكونات الشعب العراقي وأدت إلي تزايد العنف الدموي بصورة غير مسبوقة. لا يختلف الأمر كثيرًا عن الحال في أفغانستان التي تعاني من تمزق شديد بسبب حركات التمرد المسلحة التي أصبحت تمثل مشكلة داخل أفغانستان وخارجها. إن اقتحام الولاياتالمتحدةلأفغانستان تجاهل كل دروس التاريخ رغم وجاهة السبب في شن العملية العسكرية من وجهة النظر الأمريكية، فقد اتجهت الولاياتالمتحدة إلي شن الحرب الوقائية لإجهاض قدرة تنظيم القاعدة علي شن عمليات داخل الولاياتالمتحدة ذاتها وبالفعل نجحت في تفكيك التنظيم ولكنها لم تنجح في القضاء عليه وعلي الأفكار التي يروج لها. الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الولاياتالمتحدة كان النظر إلي الموضوعات من الناحية المادية البحتة دون اعتبار كافٍ للعوامل الثقافية التي تتحكم في طبيعة الشعوب وتختلف باختلافها لذلك غامرت باحتلال كل من العراق وأفغانستان تحت وهم إقامة نموذج ديمقراطي لم ينبع من الشعبين ولا يتفق مع ظروفهما مما جعل الاحتلال يبدو هدفا في حد ذاته ويستدعي المقاومة والشجب من قطاعات شعبية مختلفة. يبدو السؤال المنطقي الآن بعد وعود أوباما بإصلاح ذات البين بين بلاده وبين دول العالم الإسلامي، المتهم من جانب الولاياتالمتحدة إما بالإرهاب أو تشجيع الإرهاب أو بالتخلف والافتقار إلي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، عن تلك الخطوات الملموسة التي يعتزم القيام بها، وهل تقتصر علي الخطب والكلمات والمجاملات والتهاني وتوزيع الابتسامة الساحرة العريضة في وسائل الإعلام أم ستتحول إلي سياسات عملية حازمة لعلاج الأضرار التي وقعت بالفعل. بصراحة حتي الآن لم تظهر مؤشرات إيجابية عملية، وتبدو المحاولات الإسرائيلية لإجهاض المبادرة الأمريكية بالنسبة للنزاع في الشرق الأوسط أعلي نبرة من المبادرة نفسها مما يثير المزيد من الشك في قدرة أوباما علي تجاوز عقبة رفض إسرائيل لأفكار السلام العادل في المنطقة والمقترحات المطروحة بهذا الشأن. نعلم أن المسائل أصعب بكثير من الكلام عنها وأنها تحتاج إلي جهود غير اعتيادية لتحقيق انفراجة حقيقية في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وبين العالم الإسلامي وقضاياه المشتعلة ولكن إذا توافرت إرادة مشتركة من الأطراف المعنية فإنه مع مرور الوقت قد تتحقق بعض النتائج المقبولة، ومع ذلك لا ينبغي رفع سقف التوقعات المهم أن الرئيس الأمريكي أنهي رسالته إلي المسلمين بقوله: اليوم أود أن أشارك 1.5 مليار مسلم حول العالم، وعائلاتهم، وأصدقائهم، الترحيب بشهر رمضان، وأتمني أن يكون شهرًا مباركًا، والسلام عليكم ورحمة الله .. منتهي الذكاء