بعد 500 يوم على بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، ورغم امتناع واشنطن مبدئيا عن إرسال قنابل عنقودية لتستخدمها كييف ضد القوات الروسية، إلا أنها وافقت على ذلك وسط انتقادات من منظمات إنسانية. وصف الرئيس الأمريكى جو بايدن تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية ب«القرار الصعب»، موضحًا أن قناعته تشكلت فى إرسال القنابل المثيرة للجدل، لأن كييف بحاجة إليها فى هجومها المضاد لروسيا، موضحًا أنه تشاور مع حلفاء للولايات المتحدة قبل اتخاذ هذا القرار. والذى يأتى قبل عقد قمة حلف شمال الأطلسى فى ليتوانيا الأسبوع المقبل. وأشار البيت الأبيض إلى أن هذه الخطوة تشكل عتبة مهمة فى نوع التسليح المقدم إلى كييف لمواجهة الغزو الروسي، وهى «الصواب» الذى يجب القيام به، وستصل أوكرانيا فى غضون أسبوعين.. ودافع الرئيس الأمريكى جو بايدن عن قراره بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، والتى لها سجل فى قتل المدنيين، موضحًا أنه اتخذ القرار لأن «ذخيرة الأوكرانيين تنفد». وأشاد الرئيس الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، بالخطوة التى جاءت «فى الوقت المناسب»، لكن جماعات حقوق الإنسان وبعض الديمقراطيين انتقدوا القرار. وانتقد السفير الروسى فى واشنطن هذا القرار بشدة، ووصفه بأنه يتسم «بالسخرية والاستهتار». ووصف عضو مجلس الدوما الروسى عن جمهورية القرم، ميخائيل شيريميت، قرار الولاياتالمتحدة بتسليم الأسلحة العنقودية لأوكرانيا بأنه قرار ضد الإنسانية، وأكد أن الأمريكيين سيدفعون ثمن رغبتهم فى «تدمير العالم».
ما الذخائر العنقودية؟
تسمى «القاتل الصامت» مثلت مشكلة ملحة طوال عقود، فهى أسلحة تتكون من حاوية تفتح فى الهواء وتنثر أعدادا كبيرة من «القنابل الصغيرة» أو الذخائر الصغيرة المتفجرة، وذلك على مساحة واسعة. وعلى حسب الطراز، يمكن أن يتراوح عدد الذخائر الصغيرة من عدة عشرات إلى ما يربو على 600. ويمكن إلقاء الذخائر العنقودية عن طريق الطائرات أو المدفعية أو القذائف. أما الجزء الأعظم من الذخائر الصغيرة فمعدٌّ للانفجار عند الاصطدام. ويتسم أغلبها بميزة السقوط الحر، بمعنى أنها لا توجه بصفة فردية نحو أى هدف ما. والذخائر العنقودية استخدمت للمرة الأولى فى الحرب العالمية الثانية، ونسبة كبيرة منها مخزنة فى الوقت الحالى صممت للاستخدام فى الحرب الباردة. وتمثل المقصد الأساسى منها فى تدمير الأهداف العسكرية المتعددة المنثورة على مساحة واسعة، مثل تشكيلات الدبابات أو المشاة، وفى قتل المحاربين أو إصابتهم. هناك 34 بلدًا أنتجت ما يقرب من 210 أنواع مختلف من الذخيرة العنقودية، ومن بين هذه الأنواع المقذوفات والقنابل والصواريخ والقذائف وأجهزة النثر. كما أن هناك ما لا يقل عن 87 بلدًا يخزن حالياً ذخائر عنقودية أو فعلت هذا فيما مضى، وتبلغ المخزونات الحالية ملايين الذخائر العنقودية، مشتملة على مليارات من الذخائر الصغيرة الفردية. من بين البلدان ال87 التى تمتلك مخزونات من الذخائر العنقودية أو كانت تمتلكها، ثمة 16 بلدًا استخدمتها بالفعل إبان نزاعات مسلحة. حتى فى حالة استخدام جزء من الذخائر العنقودية الموجودة فى المخزونات الحالية أو نقله إلى بلدان أخرى أو جماعات مسلحة أخرى من غير الدول، يمكن للعواقب أن تفوق إلى حد بعيد تلك المترتبة على الألغام المضادة للأفراد فى تسعينيات القرن العشرين.
حزمة مساعدات أمريكية جديدة
وستندرج الذخائر العنقودية ضمن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار، ما يرفع إجمالى المساعدات العسكرية التى قدمتها واشنطن إلى كييف منذ بدء الغزو الروسى إلى أكثر من 41 مليار دولار. وتشمل المساعدة مدرعات وذخائر مدفعية وأسلحة مضادة للدبابات وغيرها. واشنطن لن تزود أوكرانيا بذخائر ذات «معدل فشل» يتجاوز 2.35 بالمئة، مشيرًا إلى أن روسيا تستخدم، فى المقابل، ذخائر عنقودية يراوح «معدل فشلها» ما بين 30 و40 بالمئة. و«معدل الفشل» هو نسبة القنابل التى لا تنفجر لدى الارتطام بعد إطلاقها.
ردود فعل
قالت المتحدثة باسم مكتب الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، مارتا هورتادو، يوم الجمعة: «استخدام مثل هذه الذخائر يجب أن يتوقف على الفور وألا تستخدم فى أى مكان».. وانتقد سفير روسيا لدى الولاياتالمتحدة قرار بايدن. ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن أناتولى أنتونوف قوله: إن «القسوة والسخرية التى تعاملت بها واشنطن مع قضية نقل الأسلحة الفتاكة إلى كييف أمر غريب». واتهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى السابق، الولاياتالمتحدة وحلفاءها بخوض حرب موسعة بالوكالة فى أوكرانيا. من جانبه، شكر الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى نظيره الأمريكى على حزمة المساعدات العسكرية الواسعة، التى تبلغ قيمتها نحو 800 مليون دولار، ووصفها بأنها «مطلوبة بشدة وجاءت فى الوقت المناسب». وقال عبر موقع تويتر: إن ذلك «سيجعل أوكرانيا أقرب إلى النصر على العدو، والديمقراطية أقرب إلى النصر على الديكتاتورية».. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، كولين كال: إن تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية سيجعل «الروس يعرفون أن الأوكرانيين سيبقون فى اللعبة» عندما يتعلق الأمر بالحرب.. انتقدت جماعات حقوق الإنسان القرار، حيث قالت منظمة العفو الدولية: إن الذخائر العنقودية تشكل «تهديدا خطيرا لأرواح المدنيين، حتى بعد فترة طويلة من انتهاء النزاع». وقال تحالف «الذخائر العنقودية الأمريكية»، وهو جزء من حملة المجتمع المدنى الدولية التى تعمل على القضاء على هذا النواع الأسلحة، إنها ستسبب «معاناة أكبر اليوم، ولعدة عقود قادمة».. وكان رد فعل المشرعين الأمريكيين فى الكونجرس متباينا، حيث وصفه بعض الديمقراطيين بأنه «مقلق» و«خطأ فادح».. لكن آدم سميث، وهو عضو ديمقراطى فى لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، له وجهة نظر مختلفة إذ قال لبى بى سى: إن البيت الأبيض اتخذ «القرار الصحيح».. وفى بيان مشترك، قال زعماء جمهوريون فى لجنتى الشئون الخارجية فى مجلسى النواب والشيوخ: إن تحرك الرئيس بايدن سيسمح للقوات الأوكرانية «باستهداف القوات الروسية والقضاء عليها بشكل أكثر كفاءة». وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج: إن التحالف العسكرى لم يتخذ موقفًا بشأن الذخائر العنقودية. وقالت ألمانيا، التى وقعت على معاهدة الحظر، إنها لن تقدم مثل هذه القنابل لأوكرانيا، لكنها أعربت عن تفهمها للموقف الأمريكي.. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش، إن الجانبين استخدما بالفعل هذه الأسلحة فى الحرب، ما تسبب فى «سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ذوى الإصابات الخطيرة فى صفوف المدنيين».
نبذة عن معاهدة حظرها
دخلت اتفاقية حظر القنابل العنقودية المعروفة ب«اتفاقية أوسلو» حيز النفاذ فى الأول من أغسطس 2010. ويبلغ عدد الدول الأطراف فيها حتى اليوم نحو 107 دول. اعتمدت الاتفاقية فى دبلن فى 30 مايو 2008، ووافقت عليها فى بادىء الأمر 46 دولة بينها أفغانستان، ووُقّعت فى أوسلو فى 3 و4 ديسمبر 2008. كذلك وقّعت 22 دولة من الدول الأعضاء ال29 فى حلف شمال الأطلسى «الناتو» الاتفاقية، بينها المملكة المتحدةوألمانيا وفرنسا التى تملك كل منها مخزونات تقدر ب50 مليون قنبلة إنشطارية. ويقدّر التحالف ضد الأسلحة الإنشطارية المخزون العالمى بأكثر من مليار قنبلة، لكن قوى عسكرية عظمى، مثل الصينوروسياوالولاياتالمتحدة و«إسرائيل» التى تملك القسم الأكبر منها، رفضت حتى اليوم التوقيع على الاتفاقية. هذه المعاهدة أثارت أمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات غير الحكومية، التى تقوم بحملة ضد استخدام هذه الأسلحة الفتّاكة، بأن يرغم تطبيقها القوى العسكرية الكبرى على التخلى عن استخدامها. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة السابق حينها بان كى مون أنّ هذه الاتفاقية تشكّل «تقدّماً مهماً» لتخليص العالم من هذه الأسلحة «القذرة». استخدمت هذه الأسلحة خصوصاً خلال حرب فيتنام والبلقان وكذلك فى جنوبلبنان فى 2006، وما زالت تتسبّب بسقوط ضحايا مدنيين.
لماذا الآن بالتحديد؟
الذخائر العنقودية الأمريكية الصنع لديها معدل تفجير منخفض، مما يعنى أنه ستكون هناك قنابل غير منفجرة أقل بكثير والتى يمكن أن تسبب وفيات غير مقصودة بين المدنيين.. ولأكثر من عام، ظل مخزونها من الذخائر التقليدية التى يمكن إطلاقها من مدافع الهاوتزر من عيار 155 مليتمرا يتراجع.. وبوسع هذا المدفع أن يطلق قذائف يصل مداها إلى 32 كيلومترا، مما يجعله خيارا مفضلا للقوات البرية الأوكرانية التى تحاول ضرب روسيا من مسافة بعيدة.. وتستنزف المعارك يوميا آلاف القذائف المدفعية من مخزونات أوكرانيا الدفاعية.. وفى هذا السياق، تبدو الذخائر العنقودية حلا مناسبا، إذ إنها ستمكّن كييف من تدمير أهداف أكبر بعدد أقل من الذخائر، خاصة أن أمريكا لم تستخدمها منذ حرب العراق ولديها مخزون ضخم منها.