غاب مسرح ميامى سنوات عجاف المقر الرئيسى للمسرح الكوميدى حيث تم وضعه تحت التجديد والتطوير؛ وظلت معه الفرقة أيضا غائبة عن الوعى بالزمن فى شكل محتواها الفنى الذى كان يعتمد على تقديم أنماط من الكوميديا منتهية الصلاحية غير جاذبة للجمهور؛ ثم بدأت الفرقة فى مرحلة إفاقة تدريجية مع دخول الفنان سامح حسين بعرض «حلم جميل» للمخرج إسلام إمام الذى استطاع استقطاب قطاع كبير من الجماهير ونجحت الفرقة فى البدء بتغيير جلدها ومن ثم طريقة إدراة آلية الإنتاج بالمسرح الكوميدى خاصة بعد تولى الفنان ياسر الطوبجى مؤخرا الإشراف على إدراة المكان. تزامن افتتاح مسرح ميامى بعد تطويره مع افتتاح الإنتاج الأول للمدير الجديد بالعرض المسرحى «طيب وأمير» إخراج محمد جبر؛ والذى يعتبر بداية مبشرة للمسرح ولمديره بالتأكيد الذى بدأ يلعب على تغيير نمط التفكير بإدارة المكان حتى يكون مواكبا لآليات الإنتاج المسرحية بالسوق؛ فهذا المسرح هو الأقدر على منافسة القطاع الخاص ومن هذا المبدأ يعيد الطوبجى هيكلة الشكل والمحتوى الفنى لعروض المسرح الكوميدى وكذلك آلية التسويق لها. نجح «طيب وأمير» فى استقطاب الجماهير منذ يوم عرضه الأول ثانى أيام عيد الفطر المبارك؛ ويبدو أن الطوبجى ومخرج العرض حققا مبتغاهما فى جذب قطاع كبير من الجمهور مع إطلاق صافرة الافتتاح؛ فى «طيب وأمير» يقدم جبر مع المؤلف أحمد الملوانى معالجة مسرحية لأحد أعمال بديع خير ونجيب الريحانى «سلامة فى خير»؛ لكن جنح المؤلف إلى الأخذ عن الأصل الفرنسى بشكل كبير عن مسرحية «الزائرون»؛ ينتمى هذا العمل إلى ما يعرف بالفودفيل وهو نوع من أنواع الكوميديا الناعمة البسيطة السهلة التى يقوم بناؤها الأساسى على اللبس وسوء الفهم بين الشخصيات تتولد عنه المواقف المثيرة للضحك ثم عنصر المفاجأة كما يعتمد على تنميط الشخصيات بشكل هزلى فكل شخصية لها نمط محدد؛ فى «طيب وأمير» يتناول العرض شخصية رجل طيب نبيل يسعى بكل جهده للحفاظ على عهدة الشركة التى تحمل مسئولية وضعها بالبنك مبلغ مليون جنيها؛ لكن لحدوث موقف مباغت بسرقة هاتفه المحمول يتعطل البطل وأحد العابرين فى الطريق يحاول تخفيف وطأة الصدمة عنه وفى مواقف مثيرة للضحك بينهما يسعى هذا الرجل المتطفل لمساعدته للحفاظ على عهدة الشركة بوضعها فى خزنة أحد الفنادق بعد أن يتسبب فى ضياع موعد البنك عليه؛ حتى لا يتعرض للسرقة من سكان حارته وبالفعل يذهب الرجل للفندق وتبدأ التحولات فى حياته عندما يقابل أمير دولة سرسستان «الغندور» ويطلب منه هذا الأمير ومساعده أن يبدل كل منهما موقعه فى مقابل أن يساعده فى الحفاظ على حقيبة العهدة لأن هذا الأمير مهدد بالاغتيال. تتصاعد الكوميديا بهدوء وتأنى بين الشخصيات حسب تصاعد المواقف والأحداث وبحسب ظهور كل شخصية؛ وكأن المخرج والمؤلف قررا معا رسم خريطة؛ أو إقامة رسم بيانى لضبط إيقاع الضحك وتوزيعه توزيع متقن بين الجميع؛ كل شخصية مع ظهورها رسمت خطوطا جديدة تتصاعد معها الفكاهة والضحك؛ ثم يصب هذا التصاعد فى الحدث الرئيسي؛ تسير الكوميديا فى شكل دائرى منغم محكم الصنع؛ وذلك بما يناسب النمط الهزلى الذى تقدمه كل شخصية داخل أحداث المسرحية؛ وبما يناسب قدرات كل منهم على ممارسة فعل الكوميديا؛ كل ممثل أدى دوره حسب الموقف والإطار الذى رسم له بخريطة العمل؛ صنع المؤلف هيكلا جغرافيا لسير الضحك بأحداث المسرحية الذى يتدفق مع المواقف ولقاء الشخصيات ببعضها البعض داخل الحدث؛ فكانت النتيجة تقديم عمل كوميدى شديد الانضباط والرقى لا يسعى لإكراه الجمهور على الضحك بافتعال أفيهات بينما سار الضحك فى هيكل فنى وبناء محكم بانسياب نال إعجاب وتقدير الكبار والصغار على حد سواء. لم يكتف المخرج والمؤلف برسم الضحك فى الكتابة وتصاعد الأحداث بينما كان لتصميم الملابس لأميرة صابر دورا كبيرا فى إضفاء جانبا آخر وشكل مختلف من الضحك فى تنميط الشخصيات وظهورها بملابس مثيرة للسخرية فهذه البلدة المتخيلة سرسستان لها شكل محدد فى الأزياء الرسمية الخاصة بأمرائها وطبقة الحكم بها حيث يرتدى الأمير وحاشيته جونلات قصيرة..!؛ بالطبع أثار هذا الزى العجيب لهذه البلدة الريبة والخجل فى نفس البطل الذى قرر تقمص دور الأمير؛ شعر بالحرج من ارتداء هذه الأزياء التى يرى أنها تقلل من قيمته وقدره كرجل لا يليق به الخروج على الناس بهذا الزى الهزلى الساخر؛ هنا صنع المخرج بذكاء من الأزياء عنصر مفاجئ ومباغت باعث على السخرية والضحك؛ اتقنت أميرة صابر تصميم أزياء العمل بالكامل فى اختيار أشكالها وألوانها حيث خرجت هذه الشخصيات فى هيئة هزلية ساخرة وراقية فى نفس الوقت كما صنعت المصممة انسجام بين الأزياء المعاصرة والهزلية؛ وبالتالى خرج العرض فى صورة بصرية بديعة مع الإضاءة والديكور. توزع الضحك بإيقاع منضبط بين الأبطال؛ لعب كل منهم دوره بمهارة واقتدار بداية من البطل هشام إسماعيل فى دور الرجل الطيب موظف الشركة النبيل الذى سعى بجد وإخلاص للحفاظ على عهدة الشركة بأى ثمن حتى ولو خاطر بحياته؛ كعادته قدم هشام دوره بأسلوبه الهادىء الرزين فى لعب شخصياته التى عهد أن يقدمها باحتراف كبير دون أن يزيد على الشخصية أو يبخسها حقها دائما ما يلعب كوميديا بإيقاع متزن دقيق من صلبها؛ ثم شريف حسنى فى دور رجل الشارع المتطفل الذى يرشد البطل ويعينه على الذهاب للفندق بعد ضياع موعد البنك عليه؛ يعد شريف بهذا العرض اكتشافا ككوميديان له طابع ومذاق خاص استطاع بمهارة كبيرة أن يشعل إيقاع العرض بظهوره فى لعبه لهذه الشخصية البلهاء بخفة وأداء كوميديان قديم متمرس على لعب أنماط متنوعة من الكوميديا؛ وكانت مفاجأة العرض إعادة اكتشاف عمرو رمزى فى دور الأمير وتامر فرج مساعده ربما لن تتوقع أن تجد انسجاما بين خيارات العرض وبينهما لما اشتهرا به الاثنان من جدية فى لعب دوريهما بينما وفق المخرج فى اختيارهما ليعيد اكتشاف منطقة أخرى لم يطرقها كل منهما من قبل؛ ببساطة وخفة ظل وحركة لعبا الاثنان فى انسياب وتلاحم مع ابطال العرض؛ وقدما ثنائيا فنيا شديد الانسجام والاتساق مع حالة العمل بالكامل شكلا مفاجأة كبيرة وكسب جبر الرهان بجمعه بين أنماط وأشكال من الممثلين ربما لن تدرك حجم الإنسجام بينهم إلا بعد المشاهدة؛ كذلك شيماء عبد القادر العائدة بعد سنوات من مشاركتها بعرض «قهوة سادة» حيث كانت من بين العناصر النسائية المميزة هناك؛ لعبت شيماء دور الفتاة البلهاء ابنة الرجل الذى دبر حادث اغتيال الأمير تحيا هذه الفتاة فى عالم كرتونى منفصلة عن الواقع وعن المؤامرة التى أراد أن يستخدمها فيها ابوها لإحكام السيطرة على فريسته؛ قدمته بمهارة كبيرة تليق بعودتها للمسرح من جديد بدت وكأنها بالفعل أحد الشخصيات الخيالية القادمة من عالم الكرتون حتى أن الأطفال انسجموا معها بشكل كبير؛ وكذلك الفنان أحمد السلكاوى فى دور الأب الشرير شكل سلكاوى مع شيماء ثنائى كوميدى آخر فى خريطة العرض المسرحى لتكتمل اللوحة بمبدعيها وبأنماط وأشكال الكوميديا المتباينة التى جمعتهم معا فى قالب واحد؛ أتقن كل فنان فى موقعه بتلك الخريطة العامرة بأبطال شديدى الدأب والانضباط والمفعمين بالروح والحياة مثل محمد يوركا فى دور نادل المطعم؛ ونهى لطفى الموظفة بالفندق كان لهما حضورا خاصا وبصمة أخرى فى صناعة الضحك بالعرض؛ وكذلك وفاء عبد الله فى دور الأم؛ ورشا فؤاد فى دور الزوجة؛ ثم محمود فتحي؛ جلال الهجرسي؛ أحمد النمرسي؛ محمود الهنيدي؛ فهد سعيد؛ مجدى عبد الحليم؛ ورانيا النجار؛ كذلك لعب الديكور بإنسياب على نفس إيقاع العرض بتغيير مناظره وانتقال البطل حائرا بين الأماكن الشركة؛ الشارع؛ قسم الشرطة؛ البنك؛ المنزل ثم الفندق أثرى الديكور الأحداث وداعب خيالنا مع البطل فى رحلته وحيرته؛ «طيب وأمير» كوميديا «رايقة» صافية داعبت قلوب الجماهير بقضاء ساعتين من الفكاهة والمتعة؛ سار المؤلف فى غزلها وصناعتها على خطى الريحانى وبديع خيرى فى طريقة بنائهما وصياغتهما للكوميديا البسيطة الناعمة حتى ولو لم يتشابه العمل كليا مع أحداث الفيلم الأشهر؛ العرض إضاءة أبو بكر الشريف؛ موسيقى وألحان كريم عرفة؛ أشعار طارق علي. 2 3 4