اختار مجلس الوزراء أن يطبق «فقه الأولويات» فيما يتعلق بضوابط التعامل مع الحج هذا العام، إذ اتخذ قبل أيام حزمة من القرارات التى تؤكد حرص الدولة على المال العام فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة يشهدها العالم وليس مصر فقط. وقرر المجلس عدم السماح بالحج على نفقة الدولة أو أى من الجهات التابعة لها هذا العام، وبالتالى فلا حج على نفقة وزارة الأوقاف هذا العام، وعن ذلك قال وزير الأوقاف د.محمد مختار جمعة: «يمكن تفهم أنه يكون هناك علاج على نفقة الدولة نظرًا للظروف التى نمر بها، ولكن الحج يكون لمن لديه قدرة مادية وعلى المستطيع»، متسائلا: «أيهما أولى الواجب العيني، أم الواجب الكفائى». وأضاف الوزير فى تصريحات له أن الحج ليس الباب الوحيد للحصول على المغفرة، فهناك وسائل عدة للحصول على الثواب، منوهًا بأن الحج هذا العام سيكون الأولوية لمن لم يؤد الفريضة من قبل، معلقا: «نساعد الدولة المستضيفة للحج بألا يكون هناك زحام ولا نجازف بأعداد كثيرة». أوضح الوزير أن الحج على نفقة الدولة تكلفته ل100 ألف حاج تصل إلى مليار دولار، معقبًا: «كيف يُعقل صرف هذا الرقم ونحن فى حاجة إلى توفير العملة الصعبة؟». وقال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، إنه هناك اتفاق بين جمهور العلماء على أن تلبية حاجة الفقراء أولى من تكرار الحج والعمرة، موضحا أن العمرة والحج تهذب النفس والمنفعة عائدة على صاحب العمرة فقط». وأكد مفتى الجمهورية أن مساعدة الفقراء تشمل عباد الله المسلمين من خلال مساعدة شباب فى الزواج أو غيره من أعمال الخير الأخرى»، مضيفًا: «إخراج المال جهاد للنفس وله فضل وأجر عظيم عند الله». وتابع: «لا يسوغ التشاغل بالعبادات القاصرة ذات النفع الخاص، وبذل الأوقات والأموال فيها، على حساب القيام بالعبادات المتعدية ذات المصلحة العامة، وعلى مريد التطوع بالحج والعمرة السعيُ فى بذل ماله فى كفاية الفقراء، وسد حاجات المساكين، وقضاء ديون الغارمين، قبل بذله فى تطوع العبادات». من جانبه أكد الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هذا قرار يوافق صحيح الشرع لأن الحج على المستطيع وهو واجب فى العمر مرة واحدة، ولم يفرضه الله فرضًا مطلقا بل جعله مرتبطًا بالاستطاعة. وتابع عضو مجمع البحوث الإسلامية فى تصريحاته ل»روزاليوسف»: تقدير الاستطاعة مرتبط بالحال الشخصى والعام، فى الحالة العامة لا يجوز للإنسان أن يذهب للحج وأهله وجيرانه بحاجة إلى الطعام والشراب فى ظل موجة من غلاء الأسعار تعصف بالعالم.. يعنى يروح يحج ويتفسح والناس هنا مش لاقية تاكل؟». وأضاف «النجار»: «من تعود الحج كل عام فإن خيرًا له أن ينفق هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين، أو أن يتبرع بها إلى صندوق تحيا مصر، أو أى من الصناديق القائمة على خدمة الأكثر احتياجًا من الناس». وأوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الله فرض العبادات كلها بهدف تحقيق التكافل الإنسانى والاجتماعى، والإنسان الذى يذهب لأداء الحج يبتغى تهذيب نفسه وتقويمها، وهذه الغاية يمكن تحقيقها هنا بمساعدة الفقراء. وتابع الدكتور عبدالله النجار: «حج النافلة استجابة للشوق إلى البيت الحرام ولكن فيه نوعًا من الرفاهية والتفاخر، لا تخلو من شائبة الرياء وبعض الناس يعتبرونها عادة تمحى ذنوب كل عام». وأكد عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الدولة ليست مكلفة على الإطلاق ب»تحجيج» الناس على نفقتها، فهذا خطاب تكليف فردى مرتبط باستطاعة الشخص وليس الدولة، متابعا: «بناء المشاريع خير من الحج 20 مرة، لأن هذا حق الأجيال القادمة علينا، وأساس بقاء الدولة والمجتمع والخلافة التى خلق الله الناس من أجلها، فبقاء الدولة مقصد دينى وشرعى». واختتم بقوله: «من حج مرة فإن المشاركة فى تخفيف حدة الغلاء على الناس خير له من الحج مرة أخرى، فحق العبد مُقدم على حق الرب، لأن العبد فقير محتاج والله غنى غير محتاج». فيما استنكرت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية، حرص الشعب المصرى على أداء الحج والعمرة أكثر من حرصه على المواظبة على الصلاة والصيام، متابعة: «لدى علامة استفهام كبيرة على شعب مصر فى حرصه على تكرار الحج والعمرة أكثر من مرة». وتابعت نصير ل «روزاليوسف»: «يجب تحريك البوصلة الإنسانية لدى الشعب المصرى تجاه عمل الخير، فهذا أفضل من تكرار الحج والعمرة عند الله عز وجل»، مشيرة إلى أنه يجب التركيز على توجيه الأموال فى علاج فقير، أو المساعدة فى تزويج يتيمة، أو المساهمة فى مصاريف أسرة لا تجد قوت يومها، أو حتى التبرع لمستشفى يعالج المرضى بالمجان». أما عن أولوية أداء الحج للمرة الأولى، فتؤكد الدكتورة آمنة نصير أن مساعدة الابن والابنة فى مصاريف الزواج أولى من الذهاب لأداء الحج، ولو كان للمرة الأولى، متابعة: «الحكمة الإلهية أن الحج خامس أركان الإسلام، لمن استطاع إليه سبيلا، وبهذه الاستطاعة أعطى الله مرونة ويسرًا على المسلم، وإذا وجدت لديه ضرورة أخرى فلا مانع من تأجيل الحج أو العمرة».