ربما لم يتوقف كثيرون عند قرار الإدارة الأمريكية السابقة بإدراج حركتى «حسم» و«لواء الثورة» على قوائم الإرهاب، وكونهما قاعدتى ارتكاز الجناح العسكرى الإخوانى المسلح، الأولى هى «حسم» اختصارًا لمسمى «حركة سواعد مصر» ومؤسسها الإخوانى الهارب إلى تركيا «علاء على السماحى»، والثانية مؤسسها الإخوانى الهارب أيضا إلى تركيا «يحيى موسى»، وكلتاهما ارتكبتا سلسلة من الجرائم والعمليات الإرهابية التى كشف الأمن ملابساتها جميعًا وقدم مرتكبوها للمحاكمة باستثناء الهاربين منهم خارج البلاد. القاسم المشترك فى تكوين الهيكل التنظيمى لهاتين الحركتين هو أن جميع المنتمين لهما من العناصر التنظيمية لتنظيم الإخوان، أى أنهم جميعًا أعضاء أساسًا فى الأُسر والشُعب الإخوانية التى تطورت إرهابيًا لما يسمى بلجان العمل النوعى، وصولًا لجناح عسكرى متكامل.
وبرغم ذلك تظل المفارقة المدهشة للسلوك الأمريكى الذى لم يدرج التنظيم الإخوانى نفسه على قوائم الإرهاب، بينما أدرج هاتين الحركتين فى محاولة لإحداث تمايز وتمييز شكلى بين التنظيم وجناحه العسكرى، وهى سقطة جسيمة مقصودة بكل تأكيد لأن هذا الجناح قام بتكليف وتمويل من التنظيم الدولى الإخوانى!
■ ■ ■
التوقف عند قرار الإدراج الأمريكى يحيلنا بالضرورة إلى موقف الولاياتالمتحدة السابق من تنظيم القاعدة المصنف أمريكيًا فى المرتبة الأولى من الخطورة، ويدفعنا نحو البحث عن العلاقة بين تنظيمى «القاعدة» و«الإخوان» لنسوق الحقائق التالية:
- وقت دراسة أسامة بن لادن فى «الجامعة الإسلامية العالمية» بباكستان كان أن تأثر بشدة بفكر القيادى الإخوانى «عبدالله عزام» وهو أستاذه الأول الذى شغله بفكرة الجهاد، لكن مسمى «القاعدة» التقطه أسامة من على لسان القيادى الإخوانى الراحل وأحد رموز ما يسمى بالرعيل الأول الشيخ «أحمد العسال» رئيس الجامعة آنذاك وهو مصرى الجنسية، والذى نصح بن لادن بأن فكرة الجهاد لا يمكن أن تظل مطلقة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة من أجل تأسيس «قاعدة» الدولة الإسلامية، فكانت كلمة «العسال» إيذانًا بهجرة أسامة بن لادن إلى أفغانستان لتأسيس « قاعدة» الجهاد أسوة بالرسول من وجهة نظره!
-فى لقاء مسُجل لأيمن الظواهرى قيادى تنظيم القاعدة والمتاح على تطبيق اليوتيوب يتحدث صراحة عن اللقاء الذى جمع أسامة بن لادن والمرشد مصطفى مشهور فى مدينة بيشاورالباكستانية من أجل التنسيق.
- فِى كتابه «فرسان تحت راية النبى» يتحدث الظواهرى عن الإرهابى سيد قطب باعتباره أيقونة الجهاد والصمود ويدعو إلى الاقتداء به.
- فى مقدمته لملخص كتاب «شرح نظم الورقات فى أصول الفقة» يهدى الظواهرى كتابه لمن وصفهم ب«مؤسسى الصحوة الإسلامية المعاصرة»، وهم حسن البنّا، وسيد قطب، وصلاح أبوإسماعيل والد حازم صلاح أبوإسماعيل.
- عندما ظهر ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى برنامج 60 دقيقة بشبكة سى بى إس نيوز الأمريكية متوعدًا بالقضاء على فكرة الإخوان التى غزت مدارس المملكة، بادر الظواهرى بالرد عليه ووصف نفسه كونه أحد التلاميذ النجباء لسيد قطب الذى تمثل أفكاره نواة الحركة الجهادية المعاصر.
- القيادى الإخوانى الإرهابى عبدالمنعم أبوالفتوح له صور متاحة خلال لقائه بمقاتلى القاعدة فى أفغانستان.
- الاندماج المعلن بين تنظيمى القاعدة والإخوان فى ليبيا فى مواجهة الجيش الوطنى الليبى.
- التحالف الأيديولوجى والحركى الوثيق بين حزب الإصلاح الإخوانى فى اليمن وتنظيم القاعدة.
- الاتصال التليفونى بين المتخابر «محمد مرسى» عام 2012 وأيمن الظواهرى وهو مثبت فى اعترافات محمد رفاعة الطهطاوى الذى كان وسيط الاتصال.
- التكليف الإخوانى الذى صدر لجميع الشُعب والمكاتب الإدارية لأداء صلاة الغائب على أسامة بن لادن فى جميع المساجد المصرية عام 2011 وقت أن تم حل جهاز مباحث أمن الدولة وإخراجه تمامًا من الخدمة.
ما تقدم هى تفاصيل موثقة لها دلالات مباشرة شديدة الوضوح على الارتباط العضوى والايديولوجى بين تنظيمى الإخوان والقاعدة.
■ ■ ■
من المهم أن نتوقف هنا تحديدًا عند شخص «عبدالمنعم أبوالفتوح» الذى يتمتع بشخصية سياسية حربائية لها قدرة على التلون، حتى أنه استطاع خداع الكثيرين داخل وخارج مصر بكونه إسلاميًا بمسحة ليبرالية أو هكذا يقدمونه، حتى انضم لحملته الرئاسية عام 2012 عدد من مشاهير الإعلاميين لن نذكرهم حاليًا، الهدف ليس السجال معهم، ومن قبل استطاع خداع آخرين بأنه داعم لتيار الإصلاح داخل تنظيم الإخوان دون أن يفصح لنا عن ماهية المفاسد التى تحتاج لإصلاح داخل التنظيم؟!
استباقيًا نحذر من خطورة ذلك الرجل الذى سيكون «حصان طروادة» الأمريكى لإعادة إنتاج التنظيم الإخوانى مرة أخرى وإتاحة تسلله لجسد الدولة المصرية بإعادة إحياء وهم الإصلاح الذى تحدث عنه من قبل.
بالتوازى مع التنبؤ السياسى لمطالب أمريكية لدعم رجلها فى التنظيم عبدالمنعم أبوالفتوح، نعيد التذكير بأن القرار الأمريكى بإدراج الجناح العسكرى للإخوان برافديه «حسم» و«لواء الثورة» قد صدر قاصدًا التمييز بين التنظيم نفسه وجناحه العسكرى من أجل إتاحة الفرصة للتنصل من هذا الجناح كما فعل من قبل كبيرهم الذى علمهم الكذب حسن البنّا عندما قال: «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»! فإن «أبوالفتوح» سيعيد نفس المقولة ولن يكون غريبًا حديثه عن الإصلاح وهو الذى سوقه من قبل.
لذا انتظر مبادرة خداعية للمذكور قريبًا سيتحدث فيها عن نبذ العنف والتبرؤ من الجناح المسلح المشمول بالقرار الأمريكى، لنكتشف أن هذا القرار صدر لتبرئة التنظيم ومنحه فرصة العودة بقيادة أبوالفتوح!
■ ■ ■
عملية الخداع المرتكزة على حقيقة شخصية أبوالفتوح صانع ألعاب الأمريكان، تدفعنا لاستعراض ما تيسر من سيرته المتطرفة الإخوانية المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتوقف عند المحطات التالية:
- عام 1981 اعتلى منبر أحد المساجد فى الزاوية الحمراء وحرض تحريضًا صريحًا ضد المسيحيين فيما عُرف بأحداث الفتنة الطائفية فى الزاوية وقبض عليه آنذاك.
- عام 1985 غادر إلى باكستان برعاية أمريكية والتقى بمجاهدى القاعدة للتباحث بشأن سبل توفير الدعم المادى والأدوية لهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفييتى.
- عام 1988 تبنى حملة فى نقابة الأطباء لتسفير أعضائها إلى أفغانستان.
- عام 1989 أسس لجنة فى نقابة الأطباء وتولى مسئوليتها لتسفير الأطباء إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان بهدف التحايل أمنيًا.
خطوات موثقة تكشف عن اتصال تاريخى للإخوانى عبدالمنعم أبوالفتوح بكوادر تنظيم القاعدة ودوره فى الدعم ونقل التمويلات وحشد المقاتلين، واستغلال موقعه فى نقابة الأطباء لدعم مقاتلى القاعدة، ثم تجد من يصدق فى مصر وخارجها مزاعمه بقيادة تيار إصلاحى داخل التنظيم، إلا إذا كان هدفه إعادة هيكلة الإرهاب!.
■ ■ ■
لم يتوقف أبوالفتوح عند ذلك بل واصل إخلاصه للتنظيم الذى ادعى من قبل انفصاله التام عنه، فعاود الحركة لاستخدام حزب «مصر القوية» مطية لإعادة التنظيم الإخوانى للمشهد بعد عزل المتخابر محمد مرسى، والتقى أوائل شهر أغسطس من العام 2013 وقبل بدء عملية الفض بمرشد الإخوان محمد بديع داخل مقر الاعتصام بمستشفى مسجد رابعة العدوية فى محاولة لإنقاذ التنظيم، بعدها بدأ فى جمع كل فلول الإخوان وروافدها للانضمام لحزبه، فبادر الإرهابى عاصم عبدالماجد بإصدار بيان لحركة مستحدثة باسم «الأنصار» دعا خلاله للانضمام لحزب أبوالفتوح.
استمر أبوالفتوح فى محاولاته لإنقاذ التنظيم الإخوانى فى مصر بعد تعرضه لضربات أمنية وشعبية شديدة الوطأة، فغادر البلاد متجهًا إلى العاصمة البريطانية لندن خلال شهر أبريل عام 2017 والتقى قيادى التنظيم الدولى الإخوانى التونسى «راشد الغنوشى» بفندق «ستراند بلس هوتيل» لبحث خطة إنقاذ التنظيم فى مصر، من خلال استخدام حزب «مصر القوية» كجسم سياسى يسمح بتمترس الإخوان خلفه من أجل العودة إلى المشهد مرة أخرى، أى أن أبوالفتوح استخدم السياسة كوسيلة لممارسة الإرهاب الإخوانى.
وخلال شهر يوليو من العام 2017 سافر المذكور إلى إسطنبول لحضور اللقاء الذى عقده التنظيم الدولى وبحضور مؤسسى الجناح العسكرى الإخوانى «حسم» و«لواء الثورة»، علاء السماحى ويحيى موسى، عقب عودته من تركيا التقى بمنزله بالتجمع الخامس بنائب السفير الأمريكى آنذاك ولم يفصح عما دار باللقاء!
عام 2018 قامت أجهزة الأمن المصرية بضبط عبدالمنعم أبوالفتوح بموجب إذن من نيابة أمن الدولة العليا، عقب كشف معلومات يقينية عن نشاطه لصالح التنظيم الإخوانى، وهو الاتهام الذى تؤيده الوثائق والمستندات التى ضبطت بحوزته والمرفقة بأحراز القضية وبعد صدور قرار حبسه حدثت المفاجأة عندما تمكن الأمن المصرى من ضبط خلية إخوانية مسلحة داخل مزرعة مملوكة لعبدالمنعم أبوالفتوح بمنطقة وادى النطرون.
■ ■ ■
بهذه الحقائق نكون أمام الوجه الإخوانى الحقيقى لأبوالفتوح الذى تطور بتطور حركة التنظيم وصولًا للرصد الموثق لاتصالاته بالجناح المسلح الإخوانى وإيوائه لعناصر إرهابية فى مزرعة مملوكة له.
بالأمس كان أبوالفتوح مندوب التنظيم الإخوانى وسفيره لدى القاعدة، واليوم هو مبعوث العناية الإرهابية لإنقاذ التنظيم. «أبوالفتوح» أخطر رجل فى التنظيم.