أعاد مقتل الطالبة التركية بينار جولتكين مؤخرا من قبل صديقها السابق، قضية العنف الممارس ضد المرأة فى تركيا إلى الصدارة، التى تندرج تحت مسمى «جرائم الشرف» عميق الجذور فى تركيا، ففى دراسة تم نشرها عام 2009 تعرضت 42% من النساء التركيات من العنف الجسدى والجنسى من قبيل أزواجهن وشركائهن. وفى كل عام تزداد الأوضاع سوءا، وهو أعلى معدل فى العقد الماضى كله، وهو عقد شهد ارتفاعا مضطردا فى أرقام العنف، ومن المتوقع أن تكون الأرقام فى 2020 أكثر بكثير بسبب حالة الإغلاق التى تسبب بها فيروس كورونا. وبدأت مجموعة «سنوقف قتل النساء» فى تعقب هذه الجرائم عبر التقارير الإخبارية وشهادات أسر الضحايا، بعد أن اعترفت الحكومة بأنها لم تعد تحتفظ بمثل هذه السجلات، وإن الإحصاءات الحكومية المتعلقة بالعنف ضد المرأة الموجودة غير موثوقة. نظام الرئيس رجب طيب أردوغان هو المسئول الأول عن تزايد وتيرة العنف ضد المرأة فى البلاد، وعدم تفعيل آليات مواجهتها تحت ذريعة مواجهة تفشى فيروس كورونا المستجد، فقد ارتفع معدل العنف ضد المرأة فى ظل تفشى كورونا بنسبة 27.8%، مشيرة إلى أن 29 سيدة قتلن فى مارس الماضى ضحية للعنف. إن النظام التمييزى والاستبدادى لحزب العدالة والتنمية الذى لا يهتم إلا بنفسه وأنصاره يهدد الحياة الاجتماعية شأنه فى ذلك شان الوباء تمامًا، وكشف تقرير للمعارضة التركية، عن أن 15 ألفا و557 سيدة قتلت خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية التى امتدت ل18 عامًا امتدت من 2002 وحتى العام 2020. تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأوروبى حذر السلطات التركية من ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة، مطالباً باتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات الأكثر فاعلية، بهدف مكافحة الظاهرة، ويشار إلى أن مسألة حقوق الإنسان فى تركيا تتدهور بشكل عام منذ 2016 الماضي، الأمر الذى تسبب فى اعتقال الآلاف والفصل التعسفى وفرض حالة الطوارئ وأعمال عنف من قبل النظام التركي، بحجة الموالاة للداعية فتح الله جولن. وكانت تركيا أول دولة تتبنى اتفاقية مجلس أوروبا لعام 2011، وعرفت ب»اتفاقية إسطنبول»، وصممت خصيصا لمواجه العنف القائم على نوع الجنس والعنف المنزلي، وحماية الضحايا ومقاضاة الجناة بشكل فعال. لكن هذه الاتفاقية وغيرها من الحقوق التى انتزعتها المرأة فى تركيا أصبحت مهددة، بسبب سياسة حكومة أردوغان، حيث حاول حزبه التراجع عن تشريع الاتفاقية. وقال نواب عن الحزب الحاكم إن الاتفاقية تهدد القيم الأسرية التقليدية. فيما يناقش البرلمان حتى يومنا هذا تشريع الاتفاقية. لكن الأمر الأخطر، هو فى تصريحات أردوغان وقيادات حزبه التى تهين المرأة، على اعتبار أن الرجل والمرأة غير متساوين، وقال رئيس الوزراء الأسبق، بن على يلدريم، لأنصاره فى إحد الفعاليات إنه «عوضا عن التعرض جسديا للنساء، يجب مضايقتهن لفظيا». ولقد خرجت النساء فى المدن التركية إلى الشوارع للتعبير عن غضبهن من الوضع الراهن فى مسيرة احتجاجية جرت مؤخرا فى العاصمة الساحلية أزمير ، تدخلت الشرطة التركية واعتقلت العديد من النشطاء. تلا ذلك اشتباكات. وتقول العديد من الجماعات النسائية التركية الصحيحة إن الحملة القمعية تعكس مشكلة مجتمعية أوسع. يقولون إن العديد من النساء اللواتى يتعرضن لسوء المعاملة يلتمسن - لكن لا يتلقين - مساعدة مناسبة. وأضافوا أن الحكومة لم تفعل الكثير لتنفيذ الاتفاقية ، التى تهدف إلى معالجة العنف ضد النساء والإساءات المنزلية ، وكذلك تعزيز المساواة بين الجنسين. أطلق مجلس أوروبا المبادرة فى عام 2011 ، وكانت تركيا أول دولة تصدق على المعاهدة بعد ذلك بعام. ومنذ ذلك الحين ، اعتمدت تشريعات تعكس المعاهدة ولم تظهر الحكومة التركية أى تصميم حقيقى على معالجة المشكلة ، كما أنها فشلت فى الوقوف إلى جانب أولئك الذين ينتقدونها. وكان ردها على مظاهرات القضاء على العنف ضد المرأة ، هو استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى فقط. من جانبه، قال زعيم حزب الشعب الجمهورى التركي، كمال كيليتشدار أوغلو، أمس السبت، إن تركيا تعيش أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان. وأوضح أن «الأزمة التى تمر بها أنقرة هى أزمة حكم وديمقراطية، والشعب التركى يعيش حقبة تبعية القضاء للقصر الرئاسى، والاقتصاد يعيش وضعا صعبا حيث تواجه الدولة ديونا كبيرة جدا». واتهم كمال أوغلو، أردوغان بتدمير السياسة الخارجية التركية، مضيفا أن استقلال الاقتصاد التركى يواجه خطرا بسبب التحالف مع قطر. وشدد زعيم الحزب التركى المعارض على ضرورة كتابة دستور جديد للتخلص من سياسة أردوغان التى دمرت البلاد. يشار إلى أنه على وقع الأزمة الاقتصادية التى زادت حدتها جراء كورونا، شهدت شعبية الرئيس التركى تراجعا ملحوظا، بحسب ما أظهر آخر استطلاعات الرأى فى البلاد. ويأتى هذا التراجع بالتزامن مع انتقادات حادة شنها معارضون لسياسة أردوغان، وسط اتهامات له بقمع كل صوت يخالفه الرأي، فضلا عن ضرب النقابات، ومحاولة تكميم الأفواه عبر السيطرة أيضا على مواقع التواصل. كل ذلك، وحزبه يشهد موجات متتالية من الانشقاقات، كان آخرها مع استقالة 15 عضواً من أعضاء الحزب اعتراضا على سياسات الرئيس التركى تجاه عدد من القضايا. ولعل أبرز الوجوه ضمن مجموعة المستقيلين الأخيرة، أمينة جوكطاش، رئيسة أمانة المرأة فى فرع حزب العدالة والتنمية فى مقاطعة كيزيل تبه التابعة لولاية ماردين، جنوب شرقى البلاد، كما استقال 14 من الأعضاء من أمانة المرأة، معلنين انضمامهم إلى حزب «المستقبل» برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو.