أعد أحد الباحثين اليهود «ميخائيل باراك» التابع لأحد مراكز البحث الإسرائيلية دراسة حول أحوال السلفيين في مصر عقب ثورة «25» يناير التي وصفتها الدراسة بنقطة التحول المحورية في تاريخ التيار السلفي، ورصدت الدراسة أحوال السلفيين في مصر قبل الثورة، واشتغالهم فقط بمسائل الدعوي والتعليم والأنشطة الاجتماعية الأخري، وابتعادهم كل البعد عن معترك السياسة، خوفا من أن يؤدي إلي جرف جهودهم عن بناء مجتمع إسلامي، ولكن في اليوم الذي تنحي فيه مبارك عن الحكم استيقظ السلفيون من "الغيبوبة"، حيث أيقنوا أنهم باتوا علي حافة طريق، وأن أمامهم طريق من اثنين: إما مواصلة طريقهم الإرشادي والبعد عن التطورات الدرامية التي يشهدها المجتمع المصري، أو أخذ خطوة للمشاركة والمحاولة في التأثير علي الحياة السياسية في الدولة وعلي المجتمع . ولم يتردد السلفيين في اتخاذ الطريق الثاني، وشرعوا في المضي قدما في هذا الطريق الجديد في تاريخ التيار السلفي في مصر . وأوضح معد الدراسة "ميخائيل باراك" أن السلفيين لم يشاركوا في موجة الاحتجاجات التي شهدتها مصر للإطاحة برئيسها حسني مبارك ذ عدا أعداد محدودة وبشكل فردي، بل وقفوا في محاولة لمنعها محذرين من المخاطر التي قد تؤول إليها البلاد بسبب الثورة . ووفقا للدراسة فإن أكبر جماعات التيار السلفي في مصر " الجمعية الشرعية" و"أنصار السنة المحمدية" قد منعوا أتباعهم من الخروج في تلك المظاهرات والاحتجاجات ضد النظام، محرمين الخروج علي الحاكم ومحذرين من تبعات تلك الموجة علي المجتمع المصري. أيضا جماعة "الدعوة السفلية" التي وقفت ضد الثورة في بدايتها، حيث أكدت تلك الجماعة في الأول من فبراير 2011 ضرورة العودة وبسرعة لما كانت عليه قبل الثورة، واستشهد "باراك" بتصريحات الشيخ السلفي "مصطفي العدوي" الذي بث التليفزيون المصري دعواته للمتظاهرين بضرورة العودة مرة أخري لبيوتهم وإنهاء تلك الاحتجاجات. كذلك الشيخ "أسامة القوصي " الذي فضل هو وآخرون النزول لميدان التحرير محاولين إقناع المتظاهرين بفض المظاهرات والعودة لمنازلهم، لكن دعواتهم قوبلت بالرفض الشديد وطردهم المتظاهرون بشكل مخزٍ، أيضا أوردت الدراسة دعوات بعض شيوخ السلفية وعلي رأسهم "محمود المصري" للنظام المصري باستخدام القوة في قمع هذه المظاهرات. وعن موقف السلفيين أوضحت الدراسة أن السلفيين فضلوا الوقوف بجانب النظام خوفا من تدهور العلاقات معه، مستندين إلي تفاسير دينية بتحريم الخروج علي الحاكم، ولكن الدراسة نوهت أن هناك شيء آخر اثر في توجه تلك الجماعات، ألا وهو علاقتها الجيدة مع النظام السابق، خاصة في الخمس سنوات الأخيرة . وأشارت إلي أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية كانت أركانا للتقارب بين التيار السلفي ونظام مبارك : الأول : رغبة النظام في استخدام التيار السلفي كقوة مؤثرة يمكن استخدامها لمواجهة القاعدة الإجتماعية الكبيرة للإخوان المسلمين، فقد تميز الإخوان بالنشاط السياسي، وهددوا هيبة واستقرار النظام المصري، وتجلي هذا خلال انتخابات البرلمان لعام 2005 حين نجح الإخوان في الحصول علي 88 مقعدا في البرلمان. الثاني: رغبة نظام مبارك في استغلال هذا العنصر السلفي الذي يستخدم المصطلحات الدينية في وقف تسرب الأفكار المتطرفة للتيارات الجهادية وعلي رأسها تنظيم القاعدة . الثالث : إن التيار السلفي في مصر لم يظهر أبدا رغبته في المشاركة في العمل السياسي، لذلك بدا كقوة يمكن للنظام استغلالها. وقد جني السلفيون ثمار هذه التوافق مع النظام المصري، الذي أتاح لهم حرية التعبير، وهذا ما ظهر عام 2006 عندما سمح لهم النظام بافتتاح العشرات من الفضائيات السلفية، وعن طريقها استطاع التيار السلفي التوغل لجميع البيوت المصرية وتوسيع دائرة نفوذهم علي المجتمع المصري. ولأول مرة بدا النظام المصري ككبش فداء لتلك التطورات، حيث أدت تلك القنوات الفضائية إلي زيادة شعبية شيوخ السلفية وتحولوا لنجوم المجتمع . وبدأت ظاهرة تعاظم قوي التيارات السلفية في إثارة مخاوف الأوساط الأمنية في القاهرة، مما أدي للتدخل لإغلاق معظم تلك القنوات في أكتوبر 2010. ورغم الغضب الذي أبداه السلفيون تجاه تلك الخطوة إلا أنها لم تؤثر علي علاقة السلفيين بالنظام، وحللت الدراسة ذلك بأن الطرفين كانا في حاجة إلي بعضهما البعض. وقد فتحت تنحية مبارك عن الحكم الأبواب لدخول العديد من القوي السياسية ذ القديمة والحديثة ذ لساحة العمل السياسي، كما أدت إلي تغيير نمط النشاط السلفي للمرة الأولي في تاريخه والذي قرر ترجمة هذا النشاط الاجتماعي ليحوله لقوة سياسية . ففي الحادي والعشرين من إبريل أعلنت "الدعوة السلفية " عن تأسيس حزبها تحت اسم "حزب النور" والذي كان بمثابة الإشارة لإنطلاق العديد من الأحزاب السلفية في مصر، كأحزاب "الفضيلة "، و"الأصالة" و"الإصلاح". وقد أفتت جماعة "الدعوة السلفية " بفتوي أن الانضمام للأحزاب السلفية هو إلزام شرعي، وأن الانضمام للأحزاب العلمانية ممنوع بحكم الشريعة. وأشارت تلك الأحزاب السلفية الجديدة وشيوخ السلفية ذ وعلي رأسهم الشيخ مصطفي القوصي ذ إلي أن قرارهم بتغيير رأيهم ودخولهم للساحة السياسية يأتي خوفا من جانبهم علي تبدد الهوية الإسلامية لمصر، ولمواجهة تعاظم القوي العلمانية ووقفها، كذلك سبب آخر أقروا به هو نيتهم لتحويل مصر لدولة إسلامية. وأعلنت طوائف أخري عن تشكيل "مجلس شوري الفقهاء" ذلك المجلس الذي يضم داخله عددًا من شيوخ السلفية البارزين، وذلك بهدف ممارسة ضغط سياسي علي صانعي القرار في مصر لعدم إلغاء المادة الثانية بالدستور التي تضمن العمل بالشريعة الإسلامية . كذلك دعت حركة أخري باسم "ائتلاف القوي الإسلامية " وأحزاب أخري وقوي إسلامية مثل الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بالحفاظ علي تلك المادة وعدم تغييرها. وتناول الباحث خروج القوي الإسلامية لميدان التحرير في التاسع والعشرين من يوليو الماضي، حيث خرج عشرات الآف من السلفيين والإخوان فيما عرف ب"جمعة الحفاظ علي الشريعة" مرددين شعارات دينية مثل "الشعب يريد تطبيق الشريعة" و"القرآن هو دستورنا". وبحسب الدراسة، فإن المعضلة الأساسية التي يواجهها السلفيون في مصر هي نقص الخطة السياسية المنظمة أو الرؤية السياسية الواضحة، مرجعة هذا الأمر إلي فشل السلفيين في الانخراط في الحياة السياسية خلال العقود الأخيرة، ولكن في أعقاب التغيير المفاجئ علي الساحة المصرية والخواء السياسي الذي بات موجودا، فقد وجدوا أنفسهم مضطرين لتقديم أجندتهم الإسلامية دون أن يكونوا مستعدين أو لديهم أي تجارب سياسية. فيبدو أن السلفيين يريدون تعويض هذا الحرمان من خلال إقامة تحالفات مع أصحاب القوي الذين لهم تجارب وخبرات سياسية جيدة، مثل الإخوان المسلمين . فحتي اندلاع الثورة المصرية كان الإخوان المسلمين يكنون الكراهية للسلفيين، لكن الآن فإنهم يسعون للتعاون من أجل تعزيز أهدافهم الإسلامية، وربما يحتاج الإخوان المسلمين للسلفيين من أجل شعبيتهم الواسعة التي يحظون بها في الشارع المصري . بالإضافة إلي رغبتهم في زيادة قوتهم الاجتماعية علي حساب السلفيين، والخلافات الناشبة بين الاثنين بالفعل تشير إلي التعسف وعدم الثبات.