عاش مجنوناً ولا شخصيات إسماعيل يس في مستشفي المجانين، يتصور نفسه هتلر ونابليون وعنتر وعبلة كمان، ويضع التاج علي رأسه باعتباره ملك ملوك إفريقيا، وعميد الحكام العرب، ويهتف علي طريقة علي الكسار.. أنا المناضل من الخيمة.. من البادية، ووقعتكم سودة منيلة، ومات مقتولاً مذهولاً وهو يهتف «نشنت يا فالح»، والثوار يصورونه بالموبايل، وكأنهم يصورون خُط الصعيد، عشان يحطوا صورته علي البيوت، مثل الفاسوخة، لتمنع العفاريت والأشباح، التي ستخاف من خلقته السو، مات الطاغية هو وأنجاله الكرام، وخدهم عزرائيل بالجملة، عشان هايقفوا عليه بالخسارة، ليصبح الوطن العربي حالة فريدة، يتفرج عليها العالم، وكأنه يتفرج علي أفلام شارلي شابلن، واحد مات هو وعياله، وزميله قاعد في المستشفي يلعب في مناخيره ويرقع مانجة، لحد ما يشرف في طرة، وأخوهم الثالث اتحرق ولابد في الدرة، لحد ما راجل جدع يطخه في نافوخه، أو يسحبوه من رقبته، ساحبة البهيمة لا مؤاخذة علي السلخانة، وفي انتظار تشريف الرئيس القفا إلي الشفخانة، مع أنه هاياخد وقت شوية، عشان رقبته طويلة، ومحتاجة سلم مطافي عشان يعكموه من زمارة رقبته. مات الطاغية وراح في ستين داهية، وخرجت الملايين إلي نفس الساحة، التي وقف فيها ذات يوم وقفة الجمل الحرنان، يدعو الشعب الليبي إلي الرقص والغناء، ما تفهمش علي إيه، جايز علي خيبته التقيلة، ونوادره التي تنافس نوادر جحا، خرجت الملايين لتغني وترقص فعلاً، لكن فوق جثته هذه المرة، وجثث عياله الذين ورثوا عنه الهبل.. والسادية في نفس الوقت، فهم أولاد ملك الملوك، يعني كل واحد فيهم أمير الأمراء، ولا الحاج حسن الهلالي في زمانه، راح القذافي في الوبا، وبعد أن كان التليفزيون الليبي، الذي يحضر العفاريت عشان تركب بتوع الناتو، وتشلهم وتكسحهم، ينقل صوره وهو يركب التوك توك، وكابس العمة فوق نافوخه عشان لطشة الهوا، ومخه مش ناقص لا مؤاخذه، بدأت تليفزيونات العالم كله تنشر صوره والثوار يسحبونه ويلطعونه علي قفاه، ويرموه في سيارة نص نقل، ولا زكيبة البطاطس البايظة، حتي فطس واتكوم في عربية الإسعاف، والعيال واقفة حواليه تنادي.. الصورة بخمسة جنيه لوحده، واللي عاوز يتصور جنب جتته بعشرة جنيه، ثم يلفون به شوارع مصراتة، عشان اللي ما يشتري.. يتفرج. مات الراجل اللي فضل يقول زنجة زنجة، لحد ما اتزنج زنجة الحرامية في المولد، وتحولت لحظة قتله إلي حكاية مثيرة ولا حكايات ألف ليلة وليلة، كل واحد يحكيها بطريقة مختلفة، وكأنهم قتلوه ألف مرة، البعض أكد أنهم أخرجوه من الحفرة، ولا خارجة صدام حسين، وما تعرفش يا أخي إيه حكاية الحفر، مع أصحاب الجلالة والفخامة العرب، مع أن الراجل بتاعنا ما طلعش من حفرة.. ولا حتي نقرة، جايز بيخاف من الضلمة، البعض الآخر.. يحلف علي المصحف، إنه كان يحاول الهرب هو وعياله في السيارات التي خرجت من سرت، وقد تم القبض عليه بعض ضرب هذه السيارات وتم تسليمه علي سركي - علي اعتباره أنه عهدة حكومية - إلي سيارة الإسعاف، التي ستنقله إلي مصراتة، عشان يعملوا عليه شوربة هناك، لكنه فطس في العربية لما عرف نيتهم السودة، وفي رواية ثالثة.. إنه حاول مقاومة عملية القبض عليه، فطخوه في دماغه وبطنه، واتشاهدوا عليه عشان يبقي القتل شرعي، مع أنه قعد يقولهم ما تقتلونيش يا أولادي.. أنا مش معمر الجدافي.. أنا بابا نويل ربنا يهدكم، وسواء كانت هذه الروايات قد اخترعها الوجدان الشعبي، الراغب في الانتقام من هذ الطاغية، أو مجرد أساطير زي أمنا الغولة، إلا أن الطاغية الذي ضرب شعبه بالطائرات والمدفعية، وهدد بإحراق ليبيا باللي فيها، قد تم قتله وشاهد العالم جثته، ويا أيها الطغاة العرب.. خلوا بالكم من الحفرة.