بعد كل مشكلة طائفية في مصر يظهر قانون دور العبادة الموحد وكأنه هو الحل السحري لهذه المشكلة.. ثم رويدا رويدا يدخل القانون أدراج المسئولين.. ويختفي القانون ليصبح في اختفائه مشكلة! أين المشكلة؟ هل في عدم استخدام القانون؟ أم أن بنوده صعبة التنفيذ؟ أم لأن هذه البنود ناقصة وقليلة؟ أم في الثغرات التي أضافها مجلس الوزراء عليه؟ القانون عليه تساؤلات كثيرة وعلامات استفهام واعتراضات نظرًا لأن هناك بعض البنود التي تتعلق بمساحة الكنيسة وعدد المصلين والمسافة بين كل دور عبادة والأخري والتي لاقت الرفض من جميع الطوائف، الأمر الذي أدي إلي الهجوم علي القانون بل واعتباره وسيلة من الحكومة للمراوغة والمماطلة في إصدار قانون بحل مشكلة بناء الكنائس والتي دائمًا ما تكون السبب لمشكلة طائفية. القانون الذي وضعه المجلس القومي لحقوق الإنسان وقامت بتعديله اللجنة الوطنية للعدالة التي أسسها مجلس الوزراء لتشمل التعديلات مساحة دور العبادة من ألف متر إلي 300 متر مربع في القري و150 مترًا مربعًا في القري، وتتقلص المسافة بين دور عبادة وأخري من ألف متر لتصل إلي 500 متر في المدن و300 متر في القري، إلا أن هذه التعديلات مازالت محل رفض من الجهات المعنية. أوضح المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أن هناك عددًا من التعديلات التي يجب إدخالها علي القانون منها أنه لا يجب أن يتعدي رسم ترخيص بناء دور العبادة عن خسمة آلاف جنيه ولا يوجد ما يدعو إلي طلب ترخيص لإجراء ترميمات بالكنيسة طالما أنها لا تتضمن تغييرًا في الشكل الهندسي، بالإضافة إلي تخصيص مساحات مناسبة في المناطق العمرانية الجديدة لبناء دور العبادة، وتختص محكمة القضاء الإداري وحدها بالنظر في الطعون، ولا تخضع تراخيص إنشاء دور العبادة لأي موافقات أمنية. كما تصدر قرارات الترخيص لدور العبادة أو ترميمها من خلال الوحدة المحلية أو الحي المختص دون اللجوء لموافقة المحافظ مثلها مثل سائر قرارات ترخيص البناء، ولا يشترط مساحة معينة في طلب ترخيص بناء دور العبادة وإنما يكتفي بالرسومات التي تؤكد أن المطلوب ترخيصه دور عبادة، كما يجب أن تبعد المساحة عن أي دور عبادة مسيحية عندأقرب مسجد بما لا يقل عن مائتي متر مربع. وأيضًا يعاقب بعقوبة الجناية كل من اعتدي أو حرض أو ساهم أو اشترك في الاعتداء علي كنيسة أو أي دور عبادة أو ملحقاتها بالسجن من ثلاث سنوات إلي سبع سنوات مع إلزامه برد الشيء إلي أصله وتشدد العقوبة إلي عشر سنوات إذا كان المعتدي موظفًا عامًا أو من في حكمه. الدكتور القس إكرام لمعي قال: أنا لست مع القانون لأن الربط بين بناء المسجد والكنيسة يزيد من الاحتقان والمشاكل وبدلاً من ذلك يجب إصدار قانون خاص ببناء الكنائس يحتوي علي الشروط الهندسية الخاصة بالمبني مثله مثل أي مبني. كما أن مسودة القانون التي طرحها مجلس الوزراء بها العديد من الثغرات منها أن مساحة المبني لا تقل عن «1000» متر وهذه مساحة ضخمة جدًا من الصعب توفيرها، بالإضافة أيضًا إلي أن المساحة بين دار العبادة والأخري لا تقل عن ال1000 متر وهذه أيضًا مساحة كبيرة لا تتوافر في القري والنجوع. كذلك الربط بين عدد المسيحيين وبناء دور العبادة فأبسط حقوق المواطنة أن يستطيع الفرد الصلاة حتي وإن كان عدد المسيحيين لا يزيد علي بضعه أفراد. وأوضح بعد وضع الاشتراطات التي يتفق عليها جميع الأطراف المعنية يتم تطبيقها، مشيرًا إلي أنه لا يمكن لأي قانون أن يحل مشكلة مثل بناء الكنائس لأن الأمر يعتمد علي الثقافة العامة والتعلم والإعلام ولابد من وجود إرادة سياسية وفكرية لحل الفتنة من جذورها. فالأصل في مشكلة بناء الكنائس ليست مشكلة أمنية فقط وإنما اجتماعية لها علاقة بثقافة عدم قبول الآخر والتي غذاها النظام السابق وساعد علي انتشارها فضائيات الفتن الطائفية ودعاة التطرف إضافة إلي الجهل الديني الموجود لدي أغلبية المصريين بالرغم من وجود ملامح التدين الظاهري. ويكمل القس نصر الله زكريا الحديث قائلاً: دائمًا ما تختزل مشاكل الأقباط في إصدار ثلاثة قوانين.. الأول قانون دور العبادة الموحد والثاني قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين والثالث قانون منع وتجريم التمييز. بالرغم من أننا لدينا الحل الأمثل لكل المشاكل وهي تفعيل مبدأ المواطنة وإرساء مبادئ ثقافة قبول الآخر المختلف، فما الذي يضر أي طرف من بناء كنيسة أو جامع، كما أن كل القوانين بها ثغرات يمكن التحايل عليها، وبالتالي اصدار القانون لن يحل الأزمة وإنما سيشكل نوعًا مختلفًا من أشكال الاحتقان الطائفي. وأضاف: دور العبادة منشأة مثل أي منشأة لابد من وجود ضوابط تحكم بناءها والقانون الذي تم وضعه مجحف للمسيحيين والمسلمين معًا لأنه يحتوي علي اشتراطات خاصة بالمساحة لا يمكن أن تتوافر في القري، كما أن بناء كل هذه المساحة مكلف إضافة إلي أن هناك قري صغيرة لا تحتاج إلا مبني صغيرًا وليس ال«1000» متر كما نص القانون. وأضاف: بدلاً من أن نتحدث عن اشتراطات هندسية لابد أن نتحدث عن اشتراطات للقائمين علي الإشراف عليهم وأفكارهم وتوجهاتهم وأضاف: ظهور القانون مع كل مشكلة يتعرض لها الأقباط بهدف إزالة الاحتقان وانما في الواقع علينا أن نغير العقول والخطاب الإعلامي والديني ونصل به إلي القاعدة العريضة من الشعب الموجودة في القري والنجوع بدلاً من أن نتركهم للإعلام المضلل والثقافة التي تأتي إلينا من بعض الدول المجاورة والمناهج التعليمية التي لا تهتم بالتاريخ القبطي. وأضاف القمص «صليب متي ساويرس» أن إصدار القانون لن يحل المشكلة القائمة وخاصة مع وجود تيار من المتشددين والمتطرفين، فلدينا الكثير من الكنائس المرخصة المغلقة بسبب دواع أمنية وخوفًا من وقوع مواجهات بين المسيحيين والمسلمين ويتم إغلاقها حتي يسود الهدوء، وهو ما حدث في كنيسة المريناب فبالرغم من وجود تصاريح بأنها كنيسة إلا أن هذا لم يمنع حدوث مشكلة، والأهم من إصدار القانون أن يتضمن اشتراطات هندسية ولا بد من أن يصدر قانون حتي نستطيع الصلاة في كنائسنا بدون اضطرابات أو مشاكل. وقال: وإذا تم بناء كنيسة بدون ترخيص فلا بد أن تكون الدولة هي التي تأخذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين وليس الأفراد. وأضاف: الإصرار علي إصدار قانون لدور العبادة يفرض حوله جدلاً لا جدوي منه ويعطيه خصوصية مبالغًا فيها، في حين أن الحل هو نشر ثقافة قبول الآخر واحترام معتقداته وأماكن عبادته. وقال: كيف أمنع إنسانًا يحاول أن ينشئ مكانًا للصلاة والعبادة وأضع أمامه العقبات، فالقانون مليء بالعقبات مثل شكل الكنيسة فلدينا في مصر ثلاث طوائف أرثوذكسية، وكاثوليكية، وإنجيلية لكل منها الطابع الخاص في المبني، كذلك اشتراطات إنشاء مبني اجتماعي تابع للكنيسة يقدم خدمة لكل أهل المنطقة مسلمين ومسيحيين، بالإضافة إلي وجود عقوبة بالحبس والغرامة لمن يخالف هذه الاشتراطات والسؤال هنا: كيف تجرم شخصًا يقدم خدمة دينية مجتمعية؟ وأوضح: كرس النظام السابق ثقافة عدم قبول الآخر وكان دائمًا يستخدم عبارة «الوضع الأمني لا يسمح» عندما يتعلق الأمر ببناء الكنائس في حين أن المشكلة تحصل بانتشار ثقافة الحب والتسامح. بالإضافة إلي أن عملية ترميم كنيسة لا يحتاج إلي موافقات طالما أنه لن يتم التغيير في الشكل الهندسي أو المساحة المقام عليها المبني، كما أن ترك الأمر في يد المحافظين لن يحسن من الأوضاع الحالية وخاصة مع كثرة المسئوليات الملقاة علي عاتقهم.