الفنان الراحل شاكر المعداوي «67 عامًا» هو صاحب البصمة المائية الخاصة والمميزة في الوطن العربي ضمن مجموعة من فناني مصر القديرين عبر عن الحياة المصرية بأشكالها المختلفة في مئات اللوحات، فلم يترك أي شيء في البيئة المصرية إلا وتناوله. قبل وفاته بأيام التقته «روزاليوسف» في مرسمه الكبير في «معدية المهدي» بمحافظة كفر الشيخ، حيث كان يصارع المرض، وكان لنا معه هذا الحوار: كيف تري أعمالك بعد كل هذه السنوات؟ - كأني لم أفعل شيئًا، فأنا أتعامل مع حياتي وبيئتي وظروفها طوال مشواري الفني بتلقائية. حدثنا عن بداياتك في مشوارك الفني؟ - كنت أدرس في روما علي يد الفنان العالمي فرانكو الذي أعطاني الدرجة النهائية مع مرتبة الشرف، وقال لي إنني الوحيد الذي حصل علي هذه الدرجة لطموحي، وأكد أنني أعيش كمصري وأنتج «حب»، وهذا كان له تأثير كبير علي. كما أنني درست الجسد الإنساني بإمكانيات لم تتوافر لأي فنان شرقي أو لم يستغلها جيدًا، فمن يجد رسم الجسد الإنساني يستغله باستمرار في عمله التشكيلي؛ ولذلك فأنا لم يعجبني أيا من خريجي التربية النوعية التي أدرس بها لأنهم لم يدرسوا جسد الإنسان، أو عملية التكوين، وهناك من يهتمون بالجسد الإنساني لكن بشكل تكنيكي محدود. لماذا تمسكت بالمصرية في أعمالك علي الرغم من أنك سافرت فترة طويلة إلي إيطاليا إلا أنك لم تعبر عنها؟ - أنا أقدم عملي بتلقائية لأنني في الأصل ريفي وفلاح، وعندما رجعت من روما عدت إلي قريتي وعملت فيما يخص بلدي. ما أكثر الأشياء التي أثرت علي إبداعك؟ - أساتذتي في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، كامل مصطفي، حامد عويس، فاطمة العرارجي، وسعيد العدوي رحمه الله. فذات مرة طلب منا العدوي أن نرسم العيد، ثم تنقل بلوحتي في الكلية بأكملها ليشاهدها الجميع وقال لهم «شفتوا المعداوي عمل إيه»، ومنذ ذلك اليوم تمسكت بالإبداع. وفي السنة الأولي من التخصص كنت أرسم ولدًا بالقلم الرصاص، فقال د. مصطفي عبدالمعطي «شوفوا إزاي رسم الحذاء بتعبيرية عالية جدًا». كما كنا نرسم وقتها الموديل العاري، فكان الجميع يرسمونه من الأمام لكنني رسمته من الخلف لأنه الأصعب، فطوال فترة دراستي وإعجاب أساتذتي بأعمالي أثر علي. وماذا عن رحلتك إلي إيطاليا؟ - سافرت إلي إيطاليا علي نفقتي الخاصة، وكان بحوزتي مائة جنيه استرليني فقط، صرفتها في أسبوع واحد علي الخامات، وكنت مقيما في الأكاديمية المصرية بروما، وكنت أعمل وقتها في وزارة الثقافة، وامتحنت هناك وقال لي أستاذي فرانكو «يا مصري أنت ستدرس عامين فقط للدبلومة»، فقلت له «أريد أن أدرس ثلاث سنوات كي تعادل الدكتوراه»، بعدها أرسلوا لي في الأكاديمية المصرية لطلب أجانب دارسين للفنون في روما، واشتروا مني بعض الأعمال، وكنت باستمرار أحصل علي الجوائز في المعارض التي أشارك فيها هناك. لماذا تفكر في إقامة متحف علي الرغم من أن مرسمك كبير ويصلح لذلك؟ - عندي مبني قديم مهجور بجانب المرسم وهو ما أنوي إقامته متحفًا ضخمًا، ليحدث نهضة سياحية في بلدي «معدية المهدي»؛ حيث سيخدم أهل البلد من الناحية الاقتصادية. لماذا لم تقم معرضا كبيرا لأعمالك في قاعة كبيرة من قاعات الدولة كقصر الفنون؟ - كنت سأقيم معرضا كبيرا في جميع قاعات مجمع الفنون بالزمالك، لكن الناقد الراحل أحمد فؤاد سليم كان يقول لي وقتها «د. نوار سيعرض في الدور الثاني»، ثم فنان آخر وغيره، وهذا ما صرفني عن العرض وقتها. وفي قصر الفنون عرض علي الفنان محمد طلعت مدير القصر السابق أن أعرض أعمالي فيه، لكنني لا أريد أن أعرض في مكان لا يوجد فيه شخص مسئول عن التسويق، فأنا لا أعرض «منظرة»، عكس ما كنت صغيرًا، حيث كنت أعرض كثيرا مع زملائي، وكنا نسخر من أنفسنا ونقول «نعرض 30 لوحة، ونرجع ب31»، لكن هذا لا يجوز حاليا. هل كان لوزارة الثقافة دور في علاجك بعد مرضك؟ - توجه أحد زملائي للفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق ليطلب منه شراء أعمال مني عندما مرضت، فطلب من محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق اختيار لوحتين من أعمالي لاقتنائهما، ثم كسل شعلان عن الحضور لمرسمي وقال لي «أرسل لنا لوحتين»، وأرسلتهما له واقتنوهما ب40 ألف جنيه وأشكرهما علي ذلك، لكن الجامعة هي من تصرف علي علاجي سواء الأدوية أو دفع تكلفة المستشفي. ما نصيحتك للفنانين الشباب؟ - الفنان لابد أن يفهم ماضيه جيدا، ويحلم بمستقبله وبالتالي الماضي والحاضر سيوجدان المستقبل، لكن أن تعيش في ثقافة المرحلة هذا خطأ كبير.