«الشرابية» حي فقير يقع في شمال القاهرة، سمي بهذا الاسم نسبة إلي طائفة الشرابية التي كانت تتولي نقل المؤن لمعسكرات الجيش في عصر الفاطميين، وكانت قديما قرية من ضواحي القاهرة، ومن أهم معالمها ورش صيانة القطارات، واستقل الحي إداريا عن حي شبرا في الثمانينيات مع حي الزاوية الحمراء ليكونا حيا واحدا وهو حي الزاوية والشرابية إلي أن انفصلا مجددا في نهاية التسعينيات. ويعتبر موقع «الشرابية» من المواقع الاستراتيجية في مدينة القاهرة إذ يعتبر حاكمًا للطرق المؤدية من وإلي الأحياء المطلة علي النيل والأحياء الجديدة مثل مصر الجديدة ومدينة نصر، كما يعتبر الحي من المناطق الأهم اقتصاديا واستراتيجيا لوجود مصافي تكرير الغاز الواقعة علي خط سوميد، كما اختبأ بها السادات من أعين البوليس السياسي قبل الثورة 1952. المنطقة تمثل أهمية استراتيجية أخري، حيث تعتبر أراضي الشرابية امتدادا وظهيرا عمرانيا للتواجد اليهودي في القاهرة الذي كان يقع بالقرب من قنطرة غمرة التي تفتح الطريق إلي الوايلي والظاهر والعباسية، حيث يتواجدون، فوضع البعض منهم يده علي أراض هناك كما امتلك بعض الأرمن أجزاء من تلك الأراضي - تعاملت معها الدولة بحسب ما أقرته المراسيم بوصفها أراضي الرعايا الأجانب لتنظيم التعامل معها. المثير أن عددا كبيرا من اليهود الذين عاشوا بمصر في تلك المنطقة تحديدا ومواليد مستشفي غمرة الذي كان يعرف بالمستشفي الإسرائيلي يبحثون عن بعضهم البعض ويوجهون نداءات في شتي أنحاء العالم من خلال تقديم بعض البيانات لأصدقائهم وعناوينهم التي كانت في القاهرة بالإضافة إلي عناوينهم الحالية رغبة في الوصول إليهم والتواصل معهم، وكذلك البحث عن كل من ولد في هذا المستشفي اضافة إلي كل من ولدوا في القاهرة وانتقلوا لبلد آخر وتم تهجيرهم إليها دون أن يعلم هؤلاء بذلك لحداثة سنهم وقت التهجير. وفي محاولة منهم للتأكيد علي وجودهم جغرافيا لإثبات أن لهم تاريخًا في مصر انطلاقا من الشرابية تمكن ورثة المليونير اليهودي «فيليب ضاهر كفوري» من الاستيلاء علي أرض تقع في قلب الشرابية تمتلكها الشركة المصرية لتجارة السلع الغذائية بالجملة ومخصصة للمخزون من السلع الاستراتيجية لأهالي القاهرة، وقطع غيار خفيفة وثقيلة بكميات كبيرة جدا وسيارات نقل ثقيل وخفيف، كما تقع أرض أخري ملاصقة لنفس القطعة الأولي ملكا لشقيق زوجة كفوري. الغريب أن تلك المحاولات نجحت بالفعل وسط صمت حكومي ليس له تفسير وكأن الشركة ليس لديها ممثل قانوني وأن الدولة لا تسمع ولا تري، حيث تم تنفيذ حكم بالاستيلاء مع صدور حكم أول درجة دون استئناف وتم تسليمهم الأرض وسط تواجد كثيف من قوات الأمن المركزي ولا يحدث هذا الا إذا كان بمعاونة أصحاب النفوذ والسلطة. وقائع القضية بدأت بحصول ورثة روبير فيليب كفوري علي حكم قضائي بتمكينهم من دخول الأرض البالغة مساحتها 40 ألف متر في حيازتهم بما عليها نقلا من ملكية الشركة المصرية لتجارة السلع الغذائية بالجملة. وبحسب المستندات والوثيقة التي صدرت من قاضي محكمة مصر الجديدة الجزئية بناء علي طلب ريمون فيليب ضاهر كفوري للتحقق من وفاته تبين لقاضي المحكمة أحمد محمد مصطفي وفاة فيليب كفوري في يوم 5 أبريل 1955 وانحصار إرثه الشرعي في أولاده هنري وريمون وروبير وإيلي ورينيه فقط، أما إميل نقولا دياب بحسب المستندات فهو شقيق زوجة روبير بن فيليب ضاهر كفوري الذي صدر حكم بتمكينه من الأرض من محكمة شمال القاهرة الابتدائية. وبحسب رد إدارة العقود والملكية بالقطاع القانوني للشركة فإن العقار ملك لروبير كفوري مورث الصادر لصالحهم الحكم بموجب عقد مسجل وآلت إليه الأرض عن طريق الحراسة التي تم فرضها علي ممتلكات «كفوري» ومنها تلك القطعة وهي نفسها التي ذكرتها مذكرة الشركة، طلبت فيها من وزير التموين إصدار قرار بالاستيلاء عليها. ومن جانبها أيضًا تقدمت الشركة بأوراق ومستندت لخبراء شرق القاهرة تشمل أصل عقد الإيجار المحرر بين الشركة والحارس العام علي ممتلكات الخاضع للحراسة إميل نقولا دياب بما يفيد عدم ملكيتهم لها، وكذلك عقد البيع الصادر من فيليب كفوري مورث المدعين للحكومة المصرية، وكذلك صورة من محضر حجز مأمورية إيرادات القاهرة يبين تاريخ وضع يد الشركة علي الأرض محل النزاع وعدم ظهور أو وجود مورث للمدعين الصادر لهم حكم بتمكينهم من الأرض بما عليها من منشآت. الأوراق تثبت أيضًا أن فيليب ضاهر كفوري المالك الأصلي للأرض لديه من الأبناء كما جاء في شهادة وفاته من المحكمة 5 أبناء ورغم ذلك لم يتم الاعتداد بهذا، وتم الاستناد إلي مطالبة أحد الأبناء فقط دون ظهور الباقين ودون اشتمال المستندات علي توكيل منهم له. كما تتضمن عملية البيع شخصين هما محمد أشرف حامد الشيتي وحمدي محمد محمد زيادي. وبمحاولة مستميتة لتغيير المركز القانوني للأرض كوسيلة أخري لإثبات ملكيتها بما ينعكس علي تاريخهم بها، عرض ورثة كفوري الأرض للبيع من خلال وسيط بتقديم عروض لبعض أصحاب رءوس الأموال بالشرابية لشرائها بسعر يتراوح ما بين 10 و12 مليون جنيه في حين قدر الخبراء العقاريون قيمتها ب12 مليار جنيه، فيما تثار المخاوف من توثيق الحكم بالخارج علي أنهم أجانب والدخول في دائرة التحكيم الدولي في الوقت الذي تؤكد فيه المستندات أن نقولا شقيق زوجة كفوري باع جزءًا من الأرض للحكومة وحصل علي تعويض مقابل الجزء الآخر الذي انتزع للمنفعة العامة وأن أرض «كفوري» ملاصقة لأرض الشركة واشترتها الحكومة أيضًا من «كفوري» قبل وفاته بعام واحد و4 أشهر، بموجب العقد المشهر برقم 5644 في 4 يناير 1954 القاهرة بتوكيل المحامي منصور ميخائيل. وفي تقرير للإدارة القانونية لمحافظة القاهرة أوصت الإدارة بإصدار التعليمات لرئيس حي الشرابية بعدم التعامل علي هذه الأرض سواء بإصدار تراخيص هدم أو بناء بشأنها وكذلك الإدارة العامة للتخطيط والتنمية العمرانية بعدم اعتماد قرار تقسيم الأرض لحين انتهاء أعمال اللجنة التي تم تشكيلها برئاسة السكرتير العام المساعد للمحافظة لدراسة الوضع ومعرفة ملكية الأرض وما إذا كانت تدخل في أملاك الدولة أم المحافظة. وقالت إدارة الشئون القانونية في المذكرة التي تم تقديمها للمحافظ أن الأرض محل النزاع أصبحت في حيازة ورثة كفوري بناءً علي الحكم ومحضر التسليم حيث إن الشركة لم تقدم في الدعوي ما يثبت ملكيتها للأرض بل قدمت دفاعًا مبنيا علي الظن بتداخل المساحات المتنازع عليها بين أرض منفعة عامة وأخري حراسة، وأنها كانت تستأجر الأرض من القائم علي الحراسة، وأن الحكم لم يتم استئنافه من جانب الشركة فضلاً عن عدم اختصاص جهة الإدارة في الدعوي. وأشارت المذكرة إلي أن أرض النزاع تقع ضمن أملاك الدولة، وتبقي أن يتم حسم الأمر بتبعية تلك الأرض لأملاك المحافظة أو أملاك الدولة. ولم تكن أرض اليهودي ضاهر كفوري هي الوحيدة فمحاولات الاستيلاء علي أراضي الشرابية مستمرة، حيث توسط يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق والهارب حاليالتسليم أرض لشركة النصر للمقاولات المصرية لمجهولين وهي أرض مؤجرة من هنريت هنري وريثة السكاكيني باشا لصالح الشركة، وقيمتها 60 مليون جنيه، بحسب المصادر داخل الشركة التي أكدت التدليس للحصول علي الأرض حيث إن «غالي» رئيس مجلس إدارة الشركة قام بتسليمها إلي شخصين مجهولين هما أحمد حسام الدين سيف وشقيقته فتحية بعد أن رفض عمال الشركة تسليمها. البداية كانت بإرسال خطاب من مكتب الاستشارات القانونية المسند إليه الدفاع عن شركة النصر العامة للمقاولات حسن علام، والذي يشرح فيه للشركة حيثيات صدور حكم يقضي بعدم أحقية تجديد عقد الإيجار الصادر وعدم رغبة الملاك في تجديده وإبداء الشركة رغبتها في الشراء من عدمه، مع ترك الشركة للأرض المؤجرة فضاء. جاء في نص خطاب المستشار القانوني للشركة د. محسن العبودي أن القانون وأحكام محكمة النقض صريحة في شأن تأجير الأراضي الفضاء والتي يطبق في شأنها القانون المدني أي ينتهي عقد الإيجار بنهاية المدة المحددة في العقد، إلا أن تجديد العقد لمدة أخري متوقف بحسب ما جاء بنص العقد، وأن الأمر متوقف علي إبداء الشركة رغبتها في شراء الأرض، ولم تبد الشركة رغبتها حتي الآن مما يجعل موقف الشركة ضعيفا في النزاع. أما الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية دائرة 32 إيجارات فجاء لصالح أحمد حسام الدين محمد سيف الدين وشقيقته فتحية ضد الممثل القانوني ورئيس مجلس إدارة شركة النصر العامة للمقاولات بعد أن قام حسن علام بتعيين عقد الإيجار إليهما بدلاً من هنريت السكاكيني، بإنهاء عقود الإيجار المؤرخة في 6 نوفمبر 1962 وكذا المؤرخ في 9 نوفمبر 1991 وتسليم الأرض للمدعين خالية وسليمة. وجاء في تفاصيل الدعوي أن الشركة المدعي عليها استأجرت من والدة المدعين المالكة السابقة للأرض - المقصود بها هنريت السكاكيني - بموجب عقد إيجار مؤرخ 6 نوفمبر 1962 والبالغ جملة مساحتها 22 قيراطًا وستين مترًا مربعًا، وجدد العقد في 6 نوفمبر 1996 وتضمن عقد الإيجار أنه في حالة عدم رغبة الشركة في الشراء بغير هذه المدة آخر مدة لتجديد العقد وأن الشركة لم تبد رغبتها فيه. وأكدت صحيفة حكم المحكمة أن المدعين استندا في دعواهما علي أصل عقد الإيجار من والدتهما بحسب المحكمة وأصل محضر ترسيم الأرض، فضلا عن أصل الإنذار المرسل للشركة، وأضافت الصحيفة أنه بموجب الإنذار المرسل للشركة ظلت شاغلة للعين بمخالفة نص البند الرابع من ملحق العقد في 1994 مما يجعل العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه. وفي محضر أعمال الشركة التي حضرها رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب ومجدي كارم مدير الشئون العقارية أكدت علي أن مهمة اللجنة معاينة الأرض ملك هنريت سكاكيني والمؤجرة للشركة بمنطقة ورشة غمرة ومطابقة حدودها علي الواقع ومدي تداخلها مع الأرض المملوكة للشركة. وأهابت اللجنة بأن يتم تسليم الأرض المحرر عنها عقد الإيجار بحضور مهندس المساحة المختص من مديرية المساحة حال التنفيذ عن طريق محضر التنفيذ وعلي نفقة المدعين، وأوضحت اللجنة عدم وجود تداخل بين الأرض محل الحكم وملك الشركة وبينهما سور يفصل كل مقامة قطعة منذ زمن بعيد. وحصلت «روزاليوسف» علي عقد الإيجار المحرر بين هنريت هنري سكاكيني وشركة النصر العامة للمقاولات حسن علام وكذلك محضر تسليم الأرض للشركة شاملاً التزام هنريت بإزالة العشش المنشأة وتسليمها للشركة خالية من كل ما يشغلها. وجاء بعقد الإيجار أنه تم الاتفاق علي تحديد القيمة الإيجارية للقطعة ب 500 جنيه سنويا، ويدفع هذا الأجر سنويا في اليوم العاشر من شهر نوفمبر من كل عام وأن هذه الأرض آلت إليها بموجب عقد قسمة تم تحريره بالشهر العقاري والتوثيق بالقاهرة، وتبدأ مدة الإيجار من اليوم العاشر من نوفمبر 1962 لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد لمدة مماثلة واحدة ما لم يحصل تنبيه من الطرف الثاني برغبته في الإخلاء بموجب خطاب بعلم الوصول قبل انتهاء المدة الأولي ب 3 أشهر علي الأقل وبعد انتهاء المدة الأولي المجددة، أي بعد مضي 10 سنوات علي مدة الإيجار، يصبح من حق كل من الطرفين إنهاء العقد قبل نهاية المدة، ويكون التنبيه بخطاب بعلم الوصول يرسله أي من الطرفين للطرف الآخر. وفي 27 يونيه 1979 أقر الطرفان بامتداد العقد بشروطه والتزاماته وتعديل القيمة الإيجارية إلي 1000 جنيه سنويا بنفس المواعيد السابقة ووقعت الشركة بتوكيل عام رقم 148 جنوبالقاهرة لسنة 1976 . الغريب أنه بحسب المصادر أن الثابت لم يكن هناك سوي ابن وحيد هو هنري المولود في القاهرة عام 1890 والذي انجب 6 أبناء منهم ثلاثة أولاد وثلاث بنات.