سنوات من العمر قضاها مزارعو صحراء المراشدة على امتداد الطريق الصحراوى الغربى «قنا / نجع حمادى»، ينحتون الصخور من أجل تعمير الصحراء وتحويلها إلى جنة خضراء، حيث إنهم منذ أكثر من 15 عاما يحلمون بأن تصبح الأرض ملكا لهم، لذلك ضحوا بالغالى والنفيس فى سبيل زراعة وإعمار الأرض وتحويلها من أرض جرداء بلا زرع أو ماء إلى بساتين خضراء يجنون منها الخير، حتى جاء قرار الهيئة العامة لمشروع التعمير والتنمية الزراعية، بشأن الإزالات بالقوة الجبرية للتعديات على أملاك الدولة بالطريق الصحراوى الغربى بقنا، ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان التى أعلن رئيس الجمهورية عن استصلاحها. لكن ذلك المشروع جاء ليقصم ظهورهم ويقضى على أحلامهم، حيث نفذت الأجهزة الأمنية والتنفيذية بالمحافظة قرارات الإزالة وقامت بهدم المنشآت وطرد واضعى اليد من الأراضى تمهيدا لتسليمها لشركة الريف المصرى، ما تسبب فى تشريد 200 أسرة من واضعى اليد وأصبحوا فى العراء لا يجدون مأوى لهم. «روزاليوسف» التقت عددًا من المزارعين الذين يبحثون عن من يعيد لهم الحياة لعلى صوتهم يصل للمسؤلين. بداية يقول أحمد حسن، أحد واضعى اليد بالظهير الصحراوى: إنه اشترى منذ 4 سنوات 3 أفدنة بالظهير الصحراوى غير مستصلحة بمبلغ 40 ألف جنيه للفدان، قائلا: «حسبى الله ونعم الوكيل، ضحيت بالغالى والنفيس فى سبيل استصلاحها وبعت كل ما أملك من أرض حرة حتى دهب مراتى بعته واقترضت من البنوك عشان أعمر الأرض وزرعتها عشان أعيش منها أنا وأسرتى، وبعد 3 سنوات من الكد والتعب نستيقظ فى الصباح الباكر ونعود لمنازلنا ليلا نجمع الأحجار تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل تعميرها وفى الوقت الذى ننتظر فيه جنى ثمار ما قمنا به خلال السنوات السابقة جاءت الإزالات لتقضى على أحلامنا وتركتنا فى العراء بعد سنوات من العمل الشاق والتعب بحجة أننا لسنا أصحاب حق»، متسائلا: كيف ذلك ونحن من قمنا بالتعمير والاستصلاح ودفعنا كل ما نملك؟ من يعوضنا عن ذلك؟ «خراب ديار مستعجل».. بهذه الكلمات يوصف سعد ابراهيم، حاله هو وإخوته الذين قرروا ترك عملهم بالخليج وشراء مزرعة على مساحة 8 أفدنة بمبلغ 350 ألف جنيه لترحمهم من الغربة وذل العمل تحت رحمة الكفيل بالخارج، ولم يمض عاما على شرائهم الأرض وتحولت أحلامهم إلى سراب بعد طردهم من الأرض بالقوة الجبرية، منوها إلى أنهم دفعوا كل ما يملكون وأصبحوا على الحديدة، فى الوقت الذى لم ترحمهم الحكومة ولم يستفيدوا بأى شىء من الأرض علاوة على أنهم مستعدون لدفع مبالغ مالية لتقنين أوضاعهم حتى لا تتدمر حياتهم، خاصة أنهم لا يملكون سوى الأرض وهى مصدر رزقهم الوحيد، لذلك يجب على الحكومة مراعة مصلحة الغلابة والمطحونين من الشعب. ويتحسر أبوالحسن أحمد، أحد المضارين، على مزرعتهم المكونة من 50 فدانًا التى استصلحوها منذ أكثر من 10 سنوات حتى أصبحت جنة خضراء يجنون منها الثمار وتحيط بها الأشجار، وتم إزالتها وتجريفها وتشريد العمال الذين كانوا يعملون بها، ما تسبب فى ضياع مصدر رزقهم، مشيرا إلى أنهم على مدار السنوات السابقة قاموا بدفع مبالغ مالية لهيئة التعمير الصحارى لربط الأرض، وكثيرا ما طلبوا من هيئة الأملاك تقنين وضعهم وفتح باب التمليك، إلا أن طلباتهم كانت تقابل بالرفض، مطالبا بضرورة أن تقف الدولة إلى جانبهم وتعطيهم حقوقهم مثلما فعلت من قبل مع المتضررين من مشروع الشركة اليابانية أو تعويضهم عما دفعوه من أموال فى تعمير تلك الأراضى. وتساءل سعيد عبدالسميع، من أبناء قنا: لماذا تحارب الحكومة المواطن البسيط فى قوت يومه؟ ولماذا تركونا نستصلح تلك الأراضى ونبذل كل طاقتنا وتحويشة العمر وفى نهاية المطاف تدخلوا ليسلبوها منا؟ حيث إننا فى أمس الحاجة إلى هذه الأرض لأنها مصدر رزقنا الوحيد، وعلى الحكومة أن تراجع حساباتها قبل فوات الأوان، منوها إلى أنهم طرقوا جميع الأبواب وتظاهروا أمام ديوان عام محافظة قنا وتقدموا بطلبات وشكاوى للمهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، من أجل تقنين أوضاعهم أو تعويضهم عما دفعوه، لكن حتى هذه اللحظة لا أحد يستجيب، مناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالتدخل لحل الأزمة والوقوف بجانب المزارعين الفقراء. بينما طالب عدد من شباب الخريجين المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس لجنة استرداد الأراضى المنهوبة، بضرورة سحب الأراضى المنهوبة من مافيا الأراضى والحيتان الذين استولوا عليها لسنوات عدة وتاجروا بها وباعوها وهى ليست ملكا لهم، مشددين على ضرورة استكمال مشروع المليون ونصف المليون فدان وإزالة أى عوائق أمامه حتى يتم توزيع الأراضى بطريقة عادلة وبشكل قانون ولمن يستحقها من شباب الخريجين. وفى سياق متصل كشفت مصادر مطلعة عن أن اللجنة المشكلة من قبل على «عبدالعال» رئيس البرلمان، التى ضمت 14 نائباً من محافظة قنا باطلة، وذلك بسبب وجود بعض أعضاء اللجنة، مما يستولون على أراضى صحراوية على مساحات شاسعة بالظهير الصحراوى بطريق «قنا / نجع حمادى»، إلى جانب وجود نواب على صلة قرابة ببعض من واضعى اليد، ما يجعل شهادتهم مجروحة ويفقد التقارير الصادرة عن اللجنة الموضوعية. من جانبه قال اللواء عبدالحميد الهجان، محافظ قنا: إن عمليات الإزالة تمت بعد الاطلاع على القانون رقم 61 لسنة 1963 بإصدار قانون الهيئات العامة، وعلى القانون رقم 143 لسنة 1981 بشأن الأراضى الصحراوية، ووفقا للقانون رقم 47 لسنة 1978 الخاص بإصدار نظام العاملين المدنين بالدولة وتعديلاته، وعلى القرار الجمهورى رقم 269 لسنة 1975 بإنشاء الهيئة العامة لمشروع التعمير والتنمية الزراعية، وعلى الرأى القانونى للمستشار القانونى لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى فى 2 يونيه 2016، حيث تقررت الإزالة بالطريق الإدارى والقوة الجبرية لجميع مظاهر التعدى أيًا كان نوعها. وأشار الهجان إلى أنه تم إزالة التعديات على مساحة 28 ألفًا و852 فدانًا من ضمن مساحة 34 ألفا و94 فدانا بمنطقة المراشدة الجديدة التابعة لمشروع مليون ونصف المليون فدان، والمساحة الواقعة بالناحية الغربية للطريق الصحراوى الغربى بقنا، فى اتجاه مراكز قنا، والوقف، ونجع حمادى، بإجمالى 22 ألفا و299 فدانا، وحدودها الحد الشرقى الطريق الصحراوى الغربى «قنا / نجع حمادى»، والغربى أرض أملاك دولة، ويليه جبل قرن الجير، والحد البحرى والقبلى أرض أملاك دولة، بالإضافة إلى المساحة الواقعة بالناحية الشرقية للطريق الصحراوى الغربى «قنا / نجع حمادي»، على مساحة 4 آلاف و725 فدانا، وحدودها الطريق الصحراوى من الجهة الغربية وخط سكك حديد أبوطرطور وبعض زراعات الأهالى، ومن الجهة البحرية مدخل قرية المراشدة، يليه المشروع اليابانى، ومن الاتجاه القبلى أرض أملاك دولة، والمساحة الواقعة شرق الطريق الصحراوى الغربى «نجع حمادى / قنا»، وحدودها من الجهة الشرقية زراعات وحدة عسكرية، ويمر بها سكك حديد «أبوطرطور / سفاجاط، والجهة الغربية الطريق الصحراوى الغربى «نجع حمادى / قنا»، والجهة البحرية أملاك دولة، يليها قرية بركة، على مساحة 3 آلاف و828 فدانًا. ولفت محافظ قنا إلى أن القرار نص على أن تتولى منطقة وسط الصعيد، التابعة للهيئة بالتنسيق مع المحافظة، وبمعاونة مديرية أمن قنا، تنفيذ القرار، وتسليم المساحات إلى شركة الريف المصرى، ويتم تنفيذ الإزالات بمعدات جهاز تحسين الأراضي، مؤكدا أن الأراضى تم التعدى عليها من أشخاص معدودة ولابد من مواجهتهم ومع ذلك نراعى ظروف الناس الغلابة لان عدد قليل من أهالى المراشدة دفع ألف جنيه للفدان وهناك تعديات كبيرة، بالإضافة إلى أن الفلاح الذى دفع آلاف الجنيهات تعدى على 50 فدانًا ولو هناك أشخاص تعدت على آلاف الأفدنة ومن غير المعقول أن نوقف مشروع قومى من أجل شخص أو اثنين من الحيتان، مشيرا إلى أن هذا الطريق سيشهد العديد من المشاريع التنموية، حيث يجرى حاليا ازدواج طريق «قنا – سوهاج» الصحراوى وجار استصدار قرار بتخصيص 9 آلاف فدان بالظهير الصحراوى لقرية الترامسة لإنشاء مجمع سكنى متكامل كامتداد لمدينة قنا. ولفت الهجان إلى أنه استقبل اللجنة المشكلة من قبل مجلس النواب لبحث أوضاع المتضررين من حملة إزالة التعديات بمشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان بالظهير الصحراوى لطريق «قنا/ نجع حمادى» الغربى، التى ضمت كلا من النواب هشام الشعينى، رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان، ومصطفى بكري، وسحر صدقي، ومحمود الضبع، وعبدالسلام الشيخ، ومحمد سعيد الدويك، عن مركز قنا، وعصام بركات عن مركز أبوتشت، وصبرى يوسف عن نقادة، وخالد خلف الله، وحسين فايز أبوالوفا عن دائرة دشنا، ومحمد عبدالعزيز الغول، عن نجع حمادى، وسيف النصر محمد، عن قوص، حيث اقترحت اللجنة دراسة إدخال المضارين من الإزالة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان وسيتم كتابة تقرير يشرح الأوضاع بشكل تفصيلى ويضمن حقوقهم.