الحلقة الثالثة إدوين بيتر ويلسون كان أول من دفع ثمن كراهية جورج بوش الابن لمبارك فقد أدخله بوش السجن متورطا في قضية شحنات متفجرات ولم تقف بجانبه المخابرات الأمريكية كما كانت تفعل دائما مع مجموعة الضباط الفاسدين ومنهم مبارك وكان ذلك أول رد لبوش علي مبارك فها هو شريكك وشريك سالم في السجن في تهديد واضح لهما، وفي الواقع فقد اعتبر مبارك عام 2004 من أسوأ فترات الصداقة بينه وبين المخابرات الأمريكية فعندما صدر قانون (باتريوت أكت) عقب أحداث سبتمبر وفي محاولة منها علي حد تعبيرها لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال حول العالم قالت المخابرات الأمريكية: إن القانون منحها حق الكشف عن أصول الحسابات البنكية المشكوك فيها خاصة الحسابات المتضخمة المودعة بالبنوك الكبيرة حول العالم. وهنا كانت المفاجأة وطبقا للمعلومات الأكثر سرية في هذا الموضوع ففي أثناء بحث المخابرات الأمريكية في بنوك 125 بنكًا حددتها السي آي إيه بالبنوك الحمراء وكان منها بنك (ريجز بنك) وجدت المباحث الفيدرالية الأمريكية حسابات ضخمة للديكتاتور المخلوع "بينوشيه" ورجالات حكمه الفاسد وبالصدفة البحتة وجدت المخابرات الأمريكية ملايين الدولارات في حساب سري باسم حسني مبارك وحساب آخر باسم حسين سالم غير أن المخابرات الأمريكية كانت تعرف أنها حسابات أصدقاء وبالقطع كان الوقت لا يستلزم اتخاذ إجراء ما من الإدارة الأمريكية لكن الوثائق تشهد بأن الرئيس جورج بوش الابن جن جنونه وزاد حنقه بشكل ملحوظ علي مبارك حتي أنه لو تتذكرون يومها رفض زيارات عدة لمبارك ولمدة أشهر طويلة بعدها. أما الشريك الرابع فقد كان "أوليفر لورانس نورث" المولود في 7 أكتوبر 1943 بسان أنطونيو بولاية تكساس الأمريكية وهو ضابط سابق بالبحرية الأمريكية الفيلق الأول الملحق بالأسطول الأمريكي الثالث شارك في حرب فيتنام وحاصل علي العديد من الأوسمة العسكرية وقد بدأ شراكته مع مبارك وسالم منذ عام 1981 عقب حصوله علي درجة كوماندر من أكاديمية نيوبورت في رودي إيلاند بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وسرعان ما تتابعت أعماله في المخابرات البحرية الأمريكية التي التحق بها وكان من أهمها عملية قصف ليبيا الأولي. في عام 1983 وإلي عام 1986 يشهد نورث مع مبارك وسالم أكثر الأعوام زخما وأرباحا فقد باعوا السلاح علي حد تعبيره حتي علي المقاهي في إشارة ساخرة منه، وفي 23 أغسطس 1986 وبسبب رسالة بريد إلكتروني وصلت إليه دون علمه وكان ساعتها قد أصبح في لجنة الأمن القومي والدفاع بالولاياتالمتحدةالأمريكية كشفت المباحث الفيدرالية تورط نورث في فضيحة إيران كونترا وسجلت شهادته وفيها حكي عن مبارك وحسين سالم ودورهما بالقضية فقدمت المباحث الفيدرالية الملف معداً لتقديم الاتهام للمخابرات الأمريكية التي لم تجد أمامها بدا سوي تقديم أوليفر نورث للمحاكمة واستبعاد اسم مبارك لأنه رئيس جمهورية دولة صديقة للولايات المتحدة وبالتبعية كان لا يمكنهم تقديم حسين سالم للمحاكمة لأنه معروف عنه الوشاية ولو كان مضطرا علي حد تقدير المخابرات الأمريكية لكان وشي بمبارك نفسه. الشريك الإيراني "ألبرت حكيم" ولد في طهران عام 1936 وتوفي عام 2003 وهو الشخصية الرئيسية وشريك سالم ومبارك في توريد السلاح لعدة دول بالعالم حتي 2003 وقد درس حكيم الإلكترونيات بجامعة كاليفورنيا وتخرج فيها عام 1955 وجندته المخابرات الأمريكية لحسابها حتي عام 1980 حيث مولته بملايين الدولارات لينشئ أكبر شركات أمريكا للتجارة وهي المعروفة باسم (ستانفورد تكنولوجي تريدنج إنترناشيونال جروب) وهي متخصصة في توريد الأسلحة الأكثر تطورا للدول المختلفة وفي 1983 يتورط ألبرت حكيم ويضطر للتصديق علي أقوال سالم التي فضحت كل أطراف القضية ويوافق علي الشهادة أمام المحكمة لينجو مع سالم من العقاب ويقر عندما سمع هو وحسين سالم القاضي يقول سائلا المتهمين بقولة: "مذنب أم غير مذنب" فيرد الإثنان تقريبا معا "مذنب سيدي القاضي" وتكون هي كلمة السر التي سيمنحهما القاضي بها العفو ويحكم علي حكيم بجزء من الغرامة المالية المقررة لخيانة الأمانة الفيدرالية في مثل تلك القضايا وهي 8 ملايين دولار متضامنين. ثم نأتي لأخطر الضباط الفاسدين علي الإطلاق وهو "تيودور شيكلي" المولود في 16 يوليو 1927 وتوفي في 9 ديسمبر 2002 وقد كان شيكلي هو مدير عمليات المخابرات الأمريكية السرية منذ عام 1960 إلي نهاية السبعينيات رسميا وقد شغل منصب مستشار العمليات السرية الأمريكية بالسي آي إيه منذ 1981 وحتي وفاته، وفي أثناء حياته عاصر شيكلي كل عمليات سالم ومبارك القذرة بل أشرف هو بنفسه علي عدد كبير منها وخير دليل قضيتهم وقضية الضباط الفاسدين فقد شهدوا بالإجماع في تحقيقات القضية أنه هو من خطط للعمليات وجندهم كل بدوره لتنفيذ مخططات وضعتها لهم المخابرات الأمريكية ممثلة في شيكلي مدير عملياتها السرية وربما كان ذلك سببا آخر لاستبعادهم من القضية والاكتفاء بالغرامة درءًا للفضيحة. الرسمي أن شيكلي كان في عام 1976 (عام تكوين حسين سالم ومبارك شركتهما الأولي) قد صدق علي خطة إنشاء شركات متعددة عن طريق أسماء كبيرة بدول العالم وهي الخطة التي وافق عليها رئيس المخابرات الأمريكية وليم جي كيسي ووقع عليها جورج إتش دبليو بوش الأب وهو المثبت في موسوعة المخابرات غير أن الأمانة تحتم علينا انهم ذكروا فقط الخطة غير أنهم لم يحددوا إذا كانت قصة شركة حسين سالم ومبارك كانت جزءًا منها أم هو تشابه في التواريخ يمكن أن يحدث، غير أننا لا ننكر أن هناك شكوك كبيرة حيث إننا سنتعرف في الحلقة المقبلة علي أن شركة الموساد الإسرائيلي التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي يوسي مايمان هي الأخري تكونت عام 1976. إلا أن المؤكد طبقا للموسوعة هو الحقد الشديد الذي شعر به شيكلي ضد الرئيس الراحل أنور السادات والمخابرات المصرية لأن الكونجرس الأمريكي حقق معه مطولا في قضية اشتهرت وثائق التحقيق فيها باسم (مفاجأة أكتوبر) وكانت بسبب فشل جهاز السي آي إيه في تقدير خطورة الموقف في الشرق الأوسط وقيام الحرب بين مصر وإسرائيل. والواقع أن التسمية لم تكن بسبب «حرب أكتوبر» بل بسبب تصريح «لهنري كيسنجر» في 26 أكتوبر 1972 أمام الكونجرس الأمريكي في شهادة تقدير موقف وقد كان يومها مستشاراً للأمن القومي والمخابرات بالكونجرس، كيسنجر الذي حقق معه بعدها بسبب هذا التصريح كان قد قال: «إن السلام بيدي الآن» وكان قد شهد مطولاً بأن السادات لن يدخل الحرب وأن مصر في حالة استرخاء وعند التحقيق معه هو وشيكلي بعد الحرب قال كيسنجر: «هاتوا لي بمثل واحد لمخابرات أي دولة بالعالم أو معلومات دولة صديقة كشفت عن نية السادات أو أي خطأ حدث من أجهزة المخابرات المصرية كان يمكن منها كشف نيتهم لدخول الحرب أما شيكلي فكان قد رد علي اللجنة بقوله: «لن أضيف كثيراً فقد جاء كيسنجر بخلاصة الحقيقة». المهم في إيران كونترا وفي 12 ديسمبر 1986 تحديدا واجهت لجنة الكونجرس الأمريكية التي حققت في القضية شيكلي بأقوال الضباط الفاسدين كاشفة له عن أن كل من جندهم قد فقدت المخابرات الأمريكية السيطرة عليه حتي إن الضابط "توماس كلينز" علي حد تعبير اللجنة يومها لايزال يدير مخطط اغتيالات شخصيات عربية وأجنبية كبيرة وهو المشروع الذي أعددته له ولمجموعته في سي آي إيه والكلام موجه لشيكلي ويومها كان كلينز قد ترك الخدمة وكان يدير المشروع لحساب شركته الخاصة وهنا كانت الإشارة لأول مرة قاسية بعض الشيء فمعروف أن توماس كلينز كان يشارك حسين سالم ومبارك وفي نفس الجلسة كشفت الوثائق عن أنهم واجهوه بكل أفراد الفريق الذي أداره حول العالم لمساعدة السي آي إيه في عملياتها القذرة والذين سموا بالضباط الفاسدين وكان من بينهم حسين سالم ومبارك وألبرت حكيم وبقيتهم. معلوماتنا ليست سرا بل إن ريجان يومها كما تثبت الموسوعة السياسية العالمية في هذا الصدد قال: "في سعيه لكسب العديد من الأصوات اليهودية حرص ريجان علي تقوية الروابط مع المؤسسات اليهودية الصهيونية في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كان يعرفها منذ أمد فقد كان ريجان ناشطًا سياسيا أمريكيا يحضر جميع مظاهرات اليهود إبان حرب 1967 وهو الذي وضع في حملته الانتخابية الرسمية تعهده الرسمي الذي أدلي به في 15 أغسطس 1979 وهو في طريقه للرئاسة الأمريكية لصحيفة الواشنطن بوست وقال فيه بالحرف: (إن أي منظمة أو دولة إقليمية مؤيدة للغرب في الشرق الأوسط لن تكون لها أي قيمة عسكرية في المنطقة دون أن تشرك إسرائيل فيها بشكل أو بآخر" هؤلاء هم من أطلق عليهم مسمي الضباط الفاسدين والقصة هي سر إفلاتهم من فضيحة وفضائح أخري لم تكشف أسماؤهم فيها بطلب خاص من المخابرات الأمريكية - أما الثمن فلا بد أنه كان هناك ثمة ثمن فكروا فيه كما تشاءون.