جمعة «العزة» ومصالح القوي الإقليمية عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، تلقي الرئيس السوري بشار الأسد رسالة أمريكية حول وجوب المضي قدما في الإصلاحات الداخلية.. جري هذا مساء الجمعة بعد مجموعة حاشدة من المظاهرات في عديد من المدن والمحافظات السورية المختلفة التي طالبت بالحرية.. ونادت علي قوات الحرس الجمهوري أن تذهب لكي تحرر الجولان.. بدلا من أن تقتل السوريين. إن أردوغان والأسد صديقان مقربان، ولابد أن بين دوافع رئيس الوزراء التركي في إجراء هذا الاتصال والإعلان بلسانه أنه يأمل أن تمضي سوريا في إصلاحاتها، له علاقة كذلك بأن أردوغان يواجه ضغوطا داخلية حول السبب الذي يجعله مصراً علي دعم نظام طاغ كذلك الذي في دمشق. الأرقام المعلنة تتحدث عما يزيد علي مائة قتيل قضتهم آلة العنف السورية.. أرقام أخري تتحدث عن 250 قتيلا.. أرقام رسمية تقول إنهم لايزيدون علي عشرين قتيلاً.. أيا ما كانت الأرقام فإن سوريا بعد 25 مارس، ذلك الذي وصفه المحتجون بأنه (جمعة العزة) لن تكون كما كانت قبل هذا التاريخ.. وهو يوم يشابه إلي حد كبير ما جري في مصر يوم 25 يناير.. خصوصاً أن يوم السبت شهد أحداثا أخري وإن لم تكن بنفس الزخم. لقد سبق الرئيس السوري التوترات المتصاعدة، تلك التي انطلقت فعلاً يوم 15 مارس، وتطورت إلي حد غير متوقع في محافظة درعا التي تمثل عشائر سنية تشكو الضيم الطائفي، سبق هذا بالإعلان عن مجموعة إصلاحات سوف يقوم بها علي التوالي.. منها الاتجاه إلي إلغاء قانون الطوارئ.. وتشريع قانون لتعددية الأحزاب.. والإفراج عن معتقلين.. وزيادة رواتب.. وغير ذلك من أمور. لكن باحثا في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني قدر أن هذه الأفكار الإصلاحية تم الإعلان عنها من قبل في المؤتمر العام لحزب البعث عام 2005 .. وتساءل إن كانت شبكات الفساد العائلية سوف تعطي لبشار الأسد فرصة في أن يمضي في هذا الاتجاه. أعتقد أن الأسد سوف يذهب إلي هذه الاتجاهات ولو شكليا، مستفيدا من دروس رؤوس طائرة في الإقليم، ولكنه ذهاب سوف يكون مجرد (مفتتحات) ولمحات لن تلبي الشوق إلي الحرية، في مجتمع ظل تحت القهر لمدة تزيد علي 47 عاما.. حيث يعاني من اختلال طائفي جعل الحكم في أيدي أقلية علوية.. ومن فساد مؤسسي وأسري.. ومن دولة بقيت تحافظ علي المواصفات الستيناوية والستالينية في عام 2011. إلي اللحظة، وبموجب الدستور، فإن حزب البعث الحاكم في سوريا، والذي لا يمكن مقارنته حتي بحالة الحزب الشيوعي في الصين بعد أن مر بمراحل تطور مهولة.. أي الصيني، حزب البعث منصوص علي أنه (الحزب القائد في المجتمع والدولة).. ما ينفي ضرورة الانتخابات من الأصل.. بل إن هذا الدستور يعطي للحزب مهمات علي مستوي الأمة العربية. حتي الوقت الحالي، لم تزل سوريا تتحدث عن خطط خارجية لتثويرها، ومن المثير أن موقعا إسرائيليا غير موثق قد نشر أن ما يحدث في سوريا هو من ترتيب الأمير بندر بن سلطان في السعودية، وقد نقلت وسائل الإعلام السورية الفكرة ذاتها وطورتها، وقالت إن بندر قد دبرها مع فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكي بل عاونهما في ذلك سعد الحريري!! ثلاث مسائل جوهرية يجب النظر إليها في تقييم التفاعلات السورية: أولاً: طاقة تحريك الشعب وقدرته علي الاستمرار في الانتفاض.. بنيويا، تعيش سوريا وضعا طائفيا مختلا، ما بين الغالبية السنية والأقلية العلوية المسيطرة، وإذا كان الجمهور قد تحمل هذا طيلة نصف القرن الماضي، فإن العنصر المستجد حاليا هو عدوي العواصف الثورية التي تضرب كل المنطقة العربية.. لاسيما أنه لا توجد حول سوريا دولة واحدة يمكن أن تتعاطف مع نظامها.. اللهم إلا إذا نظرنا بعيدا في اتجاه دولة إيران الحليف الأساسي لنظام عائلة الأسد.. وباستثناء تركيا.. فإن العراق غير مطمئن.. والأردن مستريب.. ولبنان مختنق من دمشق.. وإسرائيل في حالة عداء معلن.. علي الأقل. بخلاف طبقة متوسطة متعلمة، وأجيال جديدة تقارن نفسها بغيرها، ونفضت عن نفسها الأعباء البعثية التي لم تعد تطعم العقول، فإن أسوارا عالية من قيود الطغيان تحيط بفئات الرأي العام القادرة علي أن تطور الفعل الثوري.. لاسيما أن نظام الأسد يفتقد محيطين به رفضوا ضرب مزيد من المتظاهرين كما جري في تونس.. أو وزير داخلية أربك أوضاع نظامه في لحظة حرجة كما جري في مصر يوم 28 يناير.. إن المحيطين ببشار يريدون الحفاظ علي النظام قبل أن يحافظوا علي بشار نفسه.. ببساطة لأنهم مربوطون من أعناقهم فيه.. وتلاحقهم اتهامات دولية.. ويواجهون أصلاً عقوبات أمريكية مفروضة علي الكثيرين منهم.. أضف إلي ذلك أن لدي النظام أنصاراً عقائديين في كل أنحاء سوريا من خلال حزب البعث والأجهزة المختلفة. ثم إن هناك قيوداً إعلامية مهولة تجعل من الصعب استغلال الوسائل المختلفة في أن تحدث مزيداً من التثوير في المجتمع.. وحتي الإنترنت يعاني من تضييق خانق.. وعدد مستخدميه ليس واسع النطاق كما هو الحال في بلدان أخري.. علي سبيل المثال لم يحظ تسجيل سري خطير علي شبكة اليوتيوب لماهر الأسد يقود عملية تدمير لسجن صيديانا أدت إلي مجزرة بين السجناء.. لم يحظ بنحو ثلاثة آلاف مشاهدة.. ناهيك عن ضمور كامل في حركة المجتمع المدني.. وقد كان لهذا الرافد أهميته في تثوير كل من مصر وتونس. ومن ثم فإن طاقة الفعل الثوري في سوريا تتوقف علي قدر اعتمال الغضب الداخلي فيما بين الناس، وقدرتهم علي احتمال الضغط، وإمكانية التغاضي عن تزايد عدد القتلي.. وهو أمر محل شك.. في الاتجاهين.. ويبقي جميع الاحتمالات مفتوحة.. إن الحشود لم تتحرك بعد بعشرات الألوف في شوارع سوريا.. وأغلبها تحركات مئوية خجلة كسرت حاجز الخوف لاشك. المسألة الثانية تتعلق بالأوضاع الإقليمية.. إذ تبدو السيناريوهات المتوقعة إذا ما مضي المجتمع السوري في اتجاه الفعل الثوري حتي نهايته، حاملة لنذر ذات أبعاد استراتيجية إقليمية كبري.. ومنها أن سقوط نظام بشار الأسد قد يؤدي إلي هز وضع حزب الله في لبنان (حليفه وربيبه) بحيث لن يعود هو أيضا كما كان حتي لو واصلت إيران دعمه.. ومن ثم نتفهم ما يتم تواتره عن إرسال عدد من عناصر حزب الله إلي سوريا لكي تشارك في عمليات السيطرة ولو كانت بملابس مدنية. كما قد يؤدي وضع سوريا إلي ارتباك مهول في معادلات حركة حماس التي تعتمد أيضا علي مساندة سورية قوية.. والأهم أن هذا قد يؤدي إلي خلخلة في موازين إيران إقليميا بعد أن تفقد حليفها الأهم في المنطقة.. وسيكون لتغيير في دمشق تأثير بالغ علي أوضاع كل من لبنان من جانب والعراق من جانب آخر. حين تجد القوي الدولية والإقليمية أن هذه السيناريوهات تحقق لها فائدة أكثر من بقاء نظام بشار الأسد.. فإن الفعل الثوري السوري سوف يجد تشجيعات إضافية وحوافز تطلق عنانه.. وهي فرضية لابد أن نقيمها في ضوء أن كثيراً من السياسيين العرب مقتنعون بأن إسرائيل تري في بقاء الوضع في سوريا كما هو مصلحة مستمرة لها.. ولهذا فإنها لم تتخذ ضده محاولات حقيقية لإزاحته.. وإنما تتعامل معه بحيث يبقي غير قادر علي أن يواجهها.. وأن يكون حاجزاً يعوق ظهور قوة تطالب بما لسوريا لدي إسرائيل. المسألة الثالثة تتعلق بطريقة إدارة بشار الأسد للموقف، وإلي أي مدي سوف يستفيد من تجارب من سبقوه.. أم أنه سوف يرتكب نفس الأخطاء الحماقات التي أطاحت برئيسي مصر وتونس استفادته سوف تتأكد من خلال الإيقاع في تلبية نداءات الشارع.. هل سيكون بطيئا أم ملاحقا؟.. وفي مضمون التلبية.. هل هي علي قدر الطموح أم تغازله من بعيد؟.. وفي طريقة التعامل الأمني.. هل سيمرر الجمهور العنف أم أنه سوف يزيدهم عناداً.. وهل سوف يواصل بشار وأجهزته العنف دون أن يعبأ بالضغوط الدولية؟ بالتأكيد لايريد بشار أن يفر كما فعل زين العابدين، ولا أن يواجه سيناريو مبارك، كما أنه لايريد لسوريا أن تخضع لعملية دولية كما هو جار في ليبيا، ولا يرغب في أن يتفاوض علي خروج مشرف كما يفعل علي صالح في اليمن، ذلك أن صفقة خروج بشار لا تحتاج فقط إلي تفاوض داخلي وإنما إلي صفقة دولية معقدة جداً.. إذا أتيحت أصلا. [email protected] www.abkamal.net