تعد منظومة الطير للشاعر الصوفى الكبير فريد الدين العطّار (5) إحدى روائع الأدب الصوفى فى الشعر الفارسى ويرجع تاريخ نظمها إلى عام 583ه وقد نظمها العطّار فى فن المثنوى فى قالب الشعر القصصى وتقع فى حوالى أربعة آلاف وستمائة وخمسين بيتاً من الشعر وقد حظيت هذه المنظومة بشهرة واسعة فترجمت إلى اللغات العربية والتركية والهندية والفرنسية والإنجليزية وذلك لأهميتها وقد استمد العطّار اسم المنظومة من القرآن الكريم من تلك الآية الكريمة رقم (16) التى وردت فى سورة النمل إذ يقول المولى عزّ وجلّ : «وورثَ سليمانُ داوودَ وقال يا أيُّها النّاسُ علمنا منطقَ الطيرِ وأوتينا مِن كُلِّ شيء أنَّ هذا لهو الفضلُ المبينُ » . وقد اختار العطّار لمنظومة طيوراً حقيقية فيما عدا إله الطير حيث رَمَزَ له بطائر وهمى يعرف بالسيمرغ (6). والمنظومة عبارة عن مقدمة طويلة و 45 مقالة تتضمن سرد أحداث القصة ويتخلل بين كلّ مقالة وأخرى روايات عن مشايخ الصوفية ثم خاتمة. وإذا استعرضنا أحداث المنظومة نجد أن العطار قد استهلها بمقدمة طويلة فى حمد اللّه عزّ وجلّ ونعت الرسول عليه السلام والحث على عدم التعصب بين السنة والشيعة والحديث عن شفاعة النبى (صلى الله عليه وسلم) التى اختص بها دون سائر الأنبياء لمنزلته الكريمة. ثم انتقل إلى الحديث عن قصة معراج الطيور، فبدأ الحديث بذكر أن الطيور عقدت اجتماعاً كبيراً للتشاور فيما بينها من أجل معرفة إله لهم يهديهم ويرشدهم، فأقبل الهدهد لرئاسة هذا الاجتماع، فرحّب به سائر الطيور هادياً ومرشداً لهم، لكونه فريد الحضرة ورسول الغيب مزوداً من الحضرة بالعلم. ثم بدأ الهدهد فى الحديث إلى الطيور لحثهم على سلوك الطريق فأخبرهم بأن جميع الممالك لها ملك يدير أمورها ويمتثل الجميع لأمره ثم اطلعهم بأن لهم ملكاً يدعى السيمرغ يعيش خلف جبل قاف لكن الطريق إليه تكتنفه الصعاب والأهوال ولابد من التحلى بالشجاعة والتضحية بالأرواح حتى يمكن الوصول إليه. فتحمس الطيور بعد حديث الهدهد لخوض الطريق وإن كان هناك من الطيور من تملكها الخوف فراحت تقدم المعاذير الواهية لمرشدها الهدهد. ونذكر بعضاً من هذه المعاذير التى تمثل علل البشر لعدم سلوك الطريق الصوفي، فقد اعتذر البلبل بسبب عشقه للوردة فردّ عليه الهدهد بالحجج عن زيف هذا العشق. كما اعتذرت الببغاء عن المضى لأنها خضر الطيور وتكتفى برشفة واحدة من ينبوع الحياة وقد ردّ عليها الهدهد بأن هذا ليس ينبوع السعادة فلابد من نثر الروح من أجل الحبيب وطلب ماء الحياة منه. كما تقدمت الصعوة واعتذرت عن عدم المضى لاحساسها بضعفها، فلامها الهدهد لهذا العذر الواهي. ثم راح الهدهد يشد من أزر الطيور ويقنعها بضرورة السلوك حيث أن العشق أسمى مكانه من الإيمان والكفر ويبين لها رسومه وآدابه. فاستجابت الطيور للهدهد، وعقدت العزم على سلوك الطريق، وفى أثناء قطع الطريق تقاعس البعض وتخلف، وذلك لقلة إيمانهم وعدم صدقهم فى سلوك الطريق، أو لانشغال البعض بما فتن الطريق، كما هلك البعض. وقد استعرض العطّار هنا أودية الطريق التى تُعدّ هنا المقامات التى يسلكها السالك الصوفى كمراحل لتصفية روحه، حتى يحظى فى نهاية الطريق بالمشاهدة الإلهية، التى هى هدف كلّ سالك. وقد كانت أودية الطريق عند العطّار سبعة وهى : وادى الطلب، وادى العشق، وادى المعرفة، وادى الاستغناء، وادى التوحيد، وادى الحيرة، وأخيراً وادى الفقر والغناء. وإلى أن قطعت الطيور أودية الطريق السبعة كان قد فنى معظمها، فلم يصل منها غير ثلاثين طائراً إلى الحضرة الإلهيّة. وعندما نظر الثلاثون طائراً إلى السيمرغ، كان هو نفسه الثلاثين طيراً، وحينما نظروا إلى أنفسهم كانو هم أنفسهم السيمرغ، فغلبتهم الحيرة فجاءهم الخطاب من الحضرة قائلاً بلا لفظ: إن صاحب الحضرة مرآة ساطعة كالشمس، كلّ من يقدم إليها يرى نفسه فيها، ومن يقبل بالروح والجسد يرى الروح والجسد فيها، وحيث أنكم وصلتم ثلاثين طائراً فبدوتم فى هذه المرآة ثلاثين طائراً، فلا تدركنا عين، فكيف تدرك عين النملة نور الثريا؟! وكيف تحمل نملة سنداناً؟! وكيف تحمل بعوضة فيلاً بين فكيها؟! لقد سلكتم الأودية من أجلنا، فبقيتم فى وادى الذات والصفة فاقدى الأرواح ونحن الجوهر الحقيقى للسيمرغ، فامحوا أنفسكم فينا بعز وإجلال لتجدوا أنفسكم فينا فانمحوا فيه إلى الأبد مثلما ينمحى الظل فى الشمس. وهكذا تحققت وحدة الشهود بين السيمرغ والطيور التى بلغت الحضرة الإلهية. ب ملامح المعراج النبوى فى منطق الطير بعد أن استعرضنا قضية معراج الطيور فى منظومته «منطق الطير»، يتضح لنا أن الشاعر الصوفى الكبير العطّار كان مطلعاً بالثقافة الإسلامية حيث استمد اسم المنظومة من القرآن الكريم من سورة النمل.