حالة من الإجماع علي قامة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش سادت الحاضرين في الاحتفالية التي أقامتها ورشة الزيتون الاثنين الماضي، والتي تحدث فيها كل من الكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين، والكاتبة سلوي بكر، والناقد محمود الضبع وأدارها الشاعر شعبان يوسف. في بداية الندوة تحدث الشاعر شعبان يوسف مقدماً لدرويش قائلا: درويش من مواليد 13 مارس 1941، وقد مر علي الثقافة العربية مبدعون كثيرون ولكنه مازال صاحب علامة كبيرة في الشعر العربي واطلق عليه «شاعر الأقصي» وقد دمج بين السياسة والفن، وتنطوي أعماله علي القيمة الجمالية العالية وكتب الشعر مبكراً وأصدر أول دواوينه سنة 1964 بعنوان «عاشق من فلسطين» واهتمت وسائل الإعلام بدرويش وسميح القاسم، وهو ما أثار بينهما نوع من الغيرة، التحق درويش وهو في العشرينيات من عمره بالحزب الشيوعي وتسربت أشعاره من الأرض المحتلة، وفي عام 1967 كتب عنه غسان كنفاني ونشر له في مجلة الآداب قصيدة وكانت تلك بدايته في مصر، ترك درويش القاهرة وسافر إلي بيروت وتعددت بعد ذلك رحلاته، وكتب في مجلة الآداب، وأسس مجلة الكرمل ومجلة اليوم السابع، وترك آلاف المقالات وعدداً كبيراً من الدواوين بالإضافة لأشعار لم تنشر أطلق عليه عدة ألقاب منها الشاعر الأكبر، الأعظم، متنبي العصر ونستلهم أشعاره فيما يحدث حالياً من حراك سياسي ثوري. وأكد شعبان يوسف أن درويش كان يكتب بروح شاعر واعية، ولكنه لم يكن يتورط سياسياً وكانت مؤسسة الرئاسة الفلسطينية تدعمه علي طول الخط وتعرف بأنشطته مثل مجلة «الكرمل». وكان يؤثر من موقع أعلي، ولم تكن أشعاره لسان حال عرفات ولكنه لم يكن يخالفه أيضاً، وكان شاعر نثر مهم وارتباطه بالسلطة الفلسطينية يشبه ارتباط صلاح عبد الصبور بالناصرية. وتحدث الكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين من واقع علاقته بدرويش قائلاً: غادرت أسرة درويش إلي لبنان أواخر عام 1947، وعادت في 1948 إلي فلسطين ، وكانت العصابات الصهيونية قد صادرت ممتلكات قريتهم. عمل رئيساً لتحرير الملحق الأدبي في مجلة الاتحاد، وقد تعرض للاعتقال أكثر من مرة. وقد دافع الحزب الشيوعي عن درويش وجعل من جرائده بوقاً له ومنها الغد الجديد والاتحاد وهي جرائد بالحزب الشيوعي والتي كانت منبره، وفي عام 1970 ارسله الحزب للدراسة في موسكو لعام ولم يعد لفلسطين وعاد بعدها للقاهرة عام 1971، وقال وقتها «غيرت موقعي ولم أغير موقفي» وهاجمته السيدة فريدة النقاش وذلك جعل في قلبه خصومة تجاهها طوال حياته. وعندما يشتغل درويش السياسة بوجدان الشاعر جعله ذلك يخطئ أحياناً، وعندما تعرض لهجوم بسبب هروبه إلي الحياة الناعمة سافر إلي فلسطين، نجد أن درويش يفوق الشاعر معين بسيس بالمكر والخبث، أيهما يكون شاعر البلاط «أبو عمار» واحتدمت الصراعات بينهما، وشن سميح القاسم عليه حرباً فرد عليها هو ومعين بهجوم شديد، وهناك واقعة أخري أن جريدة الاتحاد لم تسمح لسميح بالهجوم علي درويش فيها فكتب في جريدة الفجر وظل صراعه مع معين علي أشده، وكان «أبو عمار» ضيق الأفق فقد كان ساخطاً علي الشاعر أنيس صايغ لسخطه علي القومية العربية، سافر درويش إلي باريس وكتب فيها قصيدة شبه فيها بيروت بمصر، وله مواقف سياسية أخري منها أنه قد استقال من الأمانة العامة لمنظمة التحرير بسبب اتفاقية أوسلو وقد بقي حتي 1994 رئيساً للمجلس الأعلي للثقافة. ولفت إلي أن درويش له بعض المواقف التي غير فيها مواقفه سياسياً. أما الناقدة سلوي بكر فتحدثت عن درويش قائلة: هو شاعر استثنائي، ومهد له في 1968 رجاء النقاش وكان قد قدم في كتاباته سميح القاسم وتوفيق زياد ومحمود درويش. ونري أنهم ساهموا في اندلاع مظاهرات، 1972 بالإضافة إلي أشعار أحمد فؤاد نجم والتي غناها الشيخ إمام وأضافت: تعاملنا معه كأيقونة، رأينا فيه من جسد فكرة المقاومة الفلسطينية، ودرويش شخصية جدلية: هل هو شاعر صنعته الثورة أم شاعر ساهم في صنع الثورة الفلسطينية، كلاهما صحيح، وكان من أهم أسلحة المقاومة الفلسطينية الدعائية، وكان درويش الصوت المكرس دعائياً للثورة وخاصة من جانب «أبو عمار» وعندما كان يقول الشعر في بيروت يحتشد الشارع لسماعه كأيقونة وكذلك في باريس كانت تحتشد إليه الجاليات العربية وكذلك في أي بلد يذهب إليه. وعن طبيعة شخصيته قالت حصار بيروت كان الشعراء يذهبون إلي مواقع المقاتلين إلا هو، لم يذهب مرة واحدة إلي موقع قتالي وكان هذا الأمر يستفز البعض، وكان ينظر إليه كنوع من الفوقية والاستعلاء برغم ذلك ربما لن يؤثر فينا شعر يتعلق بالقضية الفلسطينية أكثر من شعره لأنه كان يستطيع أن يحل الكثير من إشكاليات الشعر الوطني الملتزم من حيث المباشرة، والذي كان معروفاً بأنه يفتقد إلي القيمة العالية ولذلك يتناساه العامة، وهذه المسألة حلها درويش نظراً لموهبته وثقافته وكتب أشعاراً قلما كتبت من قبل في حب الوطن والدفاع عن قضيته ونجح أن يكون شاعر الشعب الفلسطيني بامتياز وهو لم يكن سياسياً ولكنها امتطته أحياناً، وذلك ظرف تاريخي وكان الداعية الأول الذي يستطيع النفوذ إلي الملايين بأشعاره وعندما تقيمه كشاعر ترجح كفته، وعندما ننظر له كسياسي نجده أصاب حينا ولم يصب أحياناً أخري. وكان الطفل المدلل لأبو عمار، وكان الطفل الذي يباهي به الجميع ولا يمكن فصله عن سياقه التاريخي، وستظل أشعاره لفنه العالي وصياغتها. وتحدث الناقد محمود الضبع قائلاً: درويش إشكالية كبيرة في مشروعه ومشواره الإبداعي، فلا يمكن الإلمام بكل تفاصيله مهما فعلنا، يميل في أشعاره إلي السردية، يحكي بكلماته مشاعر متنوعة اعتمد في كتاباته علي المدخل الإنساني، واختلف مع من يطلق عليه «ظرف تاريخي »بل هو حالة إنسانية قائمة بذاتها، ولم تصنعها الحالة التاريخية، وقد استعار درويش بناء أشعاره من الموشحات الأندلسية، وهو شاعر سياسي إنسان في المقام الأول، فيمكن أخذ أعماله الشعرية بشكل شديد الخصوصية في الحالة الفلسطينية ولكن يمكن أيضاً تعميم أعماله الشعرية علي كل الحالات التي تعاني من القهر خاصة بالنسبة للمشهد العربي ككل وأيضاً العالمي.