رغم الانفراجة التي شهدتها التيارات الإسلامية في أعقاب ثورة 25 يناير وما ترتب عليها من امتيازات بدت مثلا في رفع الحظر السياسي عنها والقبول بشرعية تحركاتها والإفراج عن عدد من رموزها من داخل السجون إلا أن هناك أزمة قانونية تمنع كوادر من الإسلاميين بالإضافة إلي سياسيين صدرت بحقهم أحكام قضائية في السنوات الخمس الماضية من ممارسة السياسة في الترشيح والانتخاب وتأسيس أحزاب لعدم حصولهم علي رد اعتبار. وظهرت تلك الأزمة في اجراءات الاستفتاء الأخير علي التعديلات الدستورية حيث لم يستطع عدد من السياسيين والإسلاميين من الإدلاء بأصواتهم رغم تواجدهم اللافت علي الساحة السياسية مؤخرا، وهو الاستفتاء الذي حقق فيه التيار الإسلامي بحركاته المختلفة نصرا سياسيا بإقرار التعديلات المطروحة علي الدستور بنسبة 77.2% في مواجهة الأحزاب وغالبية القوي السياسية الأخري. ويعد التيار الإسلامي بتشكيلاته المختلفة أكثر المتضررين من ذلك المانع القانوني حيث أدين معظم قياداته وعناصر كثيرة منه في احكام قضائية منها ما صدر من القضاء العسكري ومنها ما حكم به القضاء العادي ، ولم يحصل اغلبهم علي رد الاعتبار القانوني الذي يسمح لهم بمباشرة حقوقهم السياسية والمدنية. يأتي ذلك في وقت تتغير فيه الخريطة السياسية في أعقاب ثورة يناير حيث عادت التيارات الجهادية والأصولية والسلفية للدخول في معترك السياسة واعلنت عن تأسيس أحزاب بجانب نشاطها الدعوي، هذا بالإضافة إلي زخم الافراجات التي اعلنها المجلس الأعلي للقوات المسلحة وفي مقدمتها القياديان بالإخوان خيرت الشاطر وحسن مالك والقياديان الجهاديان عبود وطارق "الزمر" بجانب نحو 58 من قيادات الجماعة الإسلامية والجهاد، وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام تلك العناصر لانجاز ما أعلنوا عنه سياسيا في الفترة الأخيرة. نص القانون تختلف اجراءات رد الاعتبار التي حددها القانون حسب صيغة قرار الإفراج الصادر للمحكوم عليه، فقد يكون إفراجا شرطيا أو صحياً دون اكتمال مدة العقوبة كما هو الحال مع خيرت الشاطر وحسن مالك، ومنها ما كانت ب"العفو"، وهناك من اطلق سراحه بعد انقضاء المدة، في حين لاينطبق ذلك الامر علي المعتقلين الذين لم تصدر ضدهم أحكام قضائية. وللتوضيح هناك سياسيون صدرت ضدهم أحكام عسكرية بالحبس بعد أن تمت محاكمتهم أمام القضاء العسكري مثلما حدث في قضية مقتل الرئيس الراحل أنور السادات والمدان فيها معظم قيادات الجماعة الإسلامية والجهاد وخاصة عبود وطارق الزمر المفرج عنهما مؤخرا بعد 30 عاما من الحبس، وأيضا قضية خيرت الشاطر في الإخوان وطلعت السادات الذي تم حبسه عاما بتهمة إهانة القوات المسلحة في عام 2007. في حين تأتي أحكام القضاء العادي سواء كانت جنائية أو جنح منها ما يصنف في خانة القضايا الماسة بالشرف مثل التي اتهم فيها أيمن نور مؤسس حزب الغد وصدر حكم ضده فيها بالحبس 5 سنوات ثم أفرج عنه صحيا في 2008 بتهمة تزوير توكيلات حزب الغد. وحسب نص قانون الاجراءات الجنائية في المواد 536 537 550 551 فإن رد الاعتبار للمحكوم عليه يصدر بحكم من محكمة الجنايات، ويشترط فيه أن تكون العقوبة قد نفذت كاملة أو صدر عنها عفو وسقطت بمضي الوقت، وأن يكون مر علي تاريخ تنفيذ العقوبة أو صدور العفو عنها 6 سنوات في القضايا الجنائية و3 سنوات في الجنحة. وفي حالة الجناية أو الجنحة الماسة بالشرف تضاعف فترة سقوط العقوبة ورد الاعتبار بحيث تكون 12 سنة في الجناية و6 سنوات في الجنحة.. وإذا كان المحكوم عليه قد صدرت ضده عدة أحكام فلا يرد اعتباره إليه بحكم القانون إلا إذا تحققت بالنسبة لكل منها الشروط السابقة. مأزق نور وتطبيقا لتلك النصوص يأتي أيمن نور في مقدمة الممنوعين من الترشيح في الانتخابات سواء كانت برلمانية أو رئاسية وليس له حق الادلاء بصوته أو تأسيس أحزاب ذلك أن قرار الإفراج عنه كان صحيا بعد ثلاث سنوات من حبسه في قضية تزوير توكيلات حزب الغد بما يعني أن مدة العقوبة لم تنته. كما أن القضية المدان فيها جنائية وماسة بالشرف لأنها جريمة تزوير.. لكن لم يمنع ذلك أيمن نور من الظهور علي الساحة السياسية منذ الافراج عنه وتحديدا مع بداية احتجاجات شباب 25 يناير، كما لم يمنعه ذلك من إعلانه الاستعداد لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة بعد أن حصل علي ثاني نسبة أصوات في انتخابات الرئاسة 2005 أمام الرئيس السابق حسني مبارك، معتبرا أن القضية التي اتهم فيها سياسية. مصير الشاطر والزمر وفيما يتعلق بموقف القياديين بجماعة الإخوان خيرت الشاطر نائب المرشد وحسن مالك فقد صدر قرار من المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالإفراج الصحي عنهما أيضا في قضية ميليشيات الأزهر التي أدينوا فيها بالحبس 7 سنوات من القضاء العسكري في عام 2006 . وجاء قرار الافراج بعد مرور خمس سنوات من انقضاء مدة العقوبة، بما يترتب عليه المنع من ممارسة نشاطه السياسي أيضا، رغم الاستقبال الذي لاقاه الشاطر بعد الإفراج عنه خاصة من شباب الإخوان ليلعب دورا فيما تشهده الجماعة من نقلة سياسية. وبعد أيام من الإفراج لم يكن الشاطر بعيدا عما يحدث في جماعة الإخوان من تفاعلات وتطورات في إطار النقلة السياسية التي تشهدها خاصة بعد الإعلان عن تأسيس حزب سياسي، حيث كلف المرشد محمد بديع الشاطر لإعادة تطوير الجماعة في ظل الاحتجاجات الداخلية من الشباب المطالبة بتغيير القيادات وأعضاء مكتب الإرشاد. ورغم أن عبود وطارق "الزمر" أفرج عنهما بعد 10 سنوات من انتهاء العقوبة المقرر عليهما في قضية مقتل الرئيس السادات إلا أن قرار الإفراج عنهما من المجلس العسكري كان سنده تردي أوضاعهما الصحية، مع العلم أنهما نفذا عقوبة المؤبد الصادرة ضدهما في اغتيال السادات وحصلا علي أحكام قضائية بالافراج دون تنفيذ عقوبة الحبس 15 عاما في قضية تنظيم الجهاد عام 1984 . وقبل أن تنتهي اجراءات الإفراج عن آل الزمر يوم 12 مارس الجاري بعد 30 عاما من الحبس أعلنوا عن ملامح مشروع سياسي جديد لهما في شكل ائتلاف حزبي يضم الجماعة الإسلامية والجهاد والسلفيين لينافس الإخوان، وقال عبود في تصريحاته إن مسألة الترشيح للبرلمان أو الرئاسة أمر محل دراسة رغم مانع رد الاعتبار. واعتبر المحامي نزار أنه يمكن إنهاء جدل رد الاعتبار الخاص بعبود وطارق الزمر بحكم قضائي دون انتظار الفترة القانونية للحصول علي رد الاعتبار. حزب بلا رئيس وفي نفس السياق كشف القيادي بالجماعة الإسلامية عصام دربالة أن هناك مشكلة قانونية تواجهها الجماعة في حالة الموافقة نهائيا علي خطوة تأسيس حزب سياسي حيث هناك قيد قانوني لعدم رد اعتبار عدد كبير من كوادر الجماعة الصادر ضدها أحكام عسكرية وجنائية. وقال إن هذه المشكلة ستعوق اختيار وكيل للمؤسسين من قيادات مجلس الشوري أو القيادات التاريخية للتنظيم وهو ما قد يدفعهم للاستعانة بشخصيات من الخارج أو قيادات الصف الثاني أو الثالث، مشيرا إلي أنه رغم الإفراج عن معظم أعضاء الجماعة إلا أن الفترة القانونية لسقوط العقوبة لم تنته. وأشار دربالة إلي أنه لم يستطع التصويت في الاستفتاء بسبب قرار الإفراج الشرطي الصادر له في عام 2008 وقال إن نحو 300 قيادي من الجماعة ونحو 200 قيادي بالجهاد لا تنطبق عليهم شروط ممارسة السياسة في ظل استعدادات عناصر من التنظيم لخوض منافسة انتخابات البرلمان المقبلة. يشار في هذا السياق إلي أن القيادي الإخواني السابق مختار نوح سبق وأن تم حبسه بموجب حكم عسكري بالحبس 3 سنوات وعند تقديم اوراق ترشيحه في انتخابات نقابة المحامين عام 2009 علي منصب النقيب استبعدته اللجنة القضائية المشرفة علي الانتخابات، ورفضت وقتها محكمة القضاء الإداري اصدار حكم بترشيحه لعدم اختصاصها. ورغم أن المحكمة العسكرية لم تنظر في شأن رد الاعتبار له اعتبر نوح أنه لم يرتكب جريمة وان من حقه خوض الانتخابات بحجة أن قضيته سياسية.