عن عمر يناهز 83 عاما رحل يوم الجمعة الماضى الناقد الدكتور صبحى الشارونى بعد صراع طويل مع المرض أبقاه خلال عامه الأخير ملازما منزله، وكان «الشارونى» قد عانى فى سنوات عمره الأخيرة من «زهايمر» لم يستطع التمكن منه تماما، تارة ينتصر عليه وتارة يهزمه، كما جمع «الشارونى» بين الكثير من المجالات فمارس النقد والكتابة الصحفية والتأريخ والتصوير الفوتوغرافى والنشر والنحت ما جعل منه ذاكرة ومرجعا متكاملا للحركة الفنية فى مصر منذ نشأتها حتى الآن، ولعلى زاملت الناقد الكبير على مدار عدة سنوات فى لجان تحكيم معرض الطلائع السنوى الذى تقيمه جمعية محبى الفنون الجميلة وهو ما أعطانى نظرة قريبة عن تجربته الإنسانية ومدى بساطته ورغبته فى دعم وتشجيع الفنانين المشاركين من خلال انتقاء الجيد وحتى المتوسط من مستوى الأعمال مستبعدا فقط لتجارب الفنية الضعيفة ودفاعه الدائم عمن يبحث لنفسه عن أسلوب من الفنانين حتى إن تفاوتت مستوياتهم. «الشارونى» من مواليد عام 1933 وهو الأخ الأصغر للأديب يعقوب الشارونى وللكاتب والناقد يوسف الشارونى، وكانت مواهبه الفنية قد بدأت تظهر منذ شبابه المبكر فى مرحلة التعليم الثانوى فى منتصف خمسينيات القرن الماضى ما حدا به للالتحاق بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة فمارس فن النحت فى بداياته الفنية لكنه وبعد تخرجه فى الفنون الجميلة هجر النحت من أجل ممارسة النقد فى ستينيات القرن الماضى خاصة بعد أن عانى هو شخصيا أثناء ممارسته فن النحت من غياب حركة نقدية تلتفت لأعماله وأعمال غيره وتظهر جدوى نشاطه الإبداعى وكان دور الناقد فى نظره ليس تقييم ومحاكمة الأعمال الفنية وفنانيها فقط وإنما أن يقدم للمتلقى المعلومات الخاصة بالفنانين وبأخبارهم ومعارضهم وظروف نشأتهم، ومراحل تطورهم الإبداعي، فى وقت لم يتوافر بالساحة الفنية الكثير من النقاد خاصة أن النقد أصبح مهنته الأولى التى منذ أن مارسها حتى ظل مخلصا لها على خلاف غيره من النقاد. فى بداية حياته العملية أنشأ الناقد صبحى الشارونى دار نشر أنتج بها ما يزيد على أربعين عنوانًا على مدى خمس سنوات بين عامى 68 و73، انتقل بعدها إلى مرحلة التصوير للوحات بالمتاحف والمعارض، وكانت ممارسته النقد أثناء عمله صحفيا بجريدة المساء بدار الجمهورية للصحافة، وتخصص فى نقد الفنون الجميلة، والتأريخ للحركة الفنية فى مصر، ظهرت كتاباته النقدية مكمل لأقل القليل من النقاد المتواجدين على مدى فترات وحقب زمنية مختلفة من أمثال الناقد الفرنسى ايميه آزار، صدقى الجبانجي، الدكتور بدر الدين أبوغازي، الوزير ثروت عكاشة، حسين بيكار، ثم الناقد مختار العطار، كمال الجويلى، حسن عثمان، والفنان عزالدين نجيب، وغيرهم، على أنه واصل تطوير نفسه علميا فحصل على درجة الماجستير فى الفنون الجميلة (تخصص نحت) من جامعة حلوان عام 1971، ثم درجة دكتوراه الفلسفة فى الفنون الجميلة من جامعة حلوان أيضًا عام 1994. وثق الشارونى للحركة الفنية كل خطواتها، لم يترك عملاً فنياً إلا صوره ودونه ووصفه فأصبح لديه أرشيف منظم بالكلمة والصورة للفنانين المصريين ومعظم الفنانين العرب والعالميين، فأصبح المرجع الأول لأعمال العديد من الفنانين لراغبى اقتناء الأعمال الفنية الأصلية الأصيلة خاصة عن لوحات الفنانين حامد ندا وعبدالهادى الجزار، غلب على كتاباته الاهتمام بالجانب التاريخى بصياغة بسيطة واضحة حتى يسهل وصول المعنى بوضوح إلى القارئ كما كان يهتم بشرح المصطلحات التى يستخدمها فى مقالاته النقدية حتى يسهل على غير المتخصصين التعرف على رأيه، وقد نال عن مجهوداته النقدية جائزة الدولة للتفوق ونوط الامتياز من الطبقة الأولى. عمل «الشارونى» كأستاذ منتدب لتاريخ الحضارة وتاريخ الفن والتذوّق بكليات الفنون الجميلة والتربية بجامعات عدة، وقد أقام معارض عدة داخل مصر وخارجها، من بينها: روائع الفن القبطى بأكاديمية الفنون الجميلة المصرية فى روما 1987، ثم انتقل إلى المركز الثقافى المصرى بباريس فى السنة نفسها من 16 حتى 26 يوليو. كما أقام معرضه الرابع عن البناء بالطين فى واحة سيوة القديمة فى مقهى ومطعم «لى فيربلاي» ضمن مهرجان الفن الشعبى المصرى الذى نظمه بيت ثقافات العالم بباريس طوال فبراير 1988، ومن بين معارضه المهمة معرضه السادس عن مقابر «الهو» بقاعة أتيلييه القاهرة عام 1990. وقد تجاوزت مؤلفاته خمسة وعشرين كتابًا عن الفنانين التشكيليين والحركة التشكيلية فى مصر، من بينها مؤلفاته عن الفنانين التشكيليين: عبدالهادى الجزار، رمسيس يونان، صلاح عبدالكريم، صلاح طاهر، الأخوين سيف وأدهم وانلي، حسين بيكار، تحية حليم، مصطفى أحمد، السيد القماش، بجانب مؤلفاته فى التأريخ فى الفنون التشكيلية مثل: الفنون التشكيلية - 1981، الفن التأثيرى - 1982، 77 عاما مع الفنون الجميلة فى مصر - 1985، هؤلاء الفنانون العظماء ولوحاتهم الرائعة - 1986، 80 سنة من الفن بالاشتراك مع رشدى إسكندر وكمال الملاخ - 1991» موسوعة «الفنانون الشباب فى مصر من خلال معارض الصالون السنوى الخمسة الأولى، المركز القومى للفنون التشكيلية - 1994، فنون الحضارات الكبرى - 1995، متحف فى كتاب 1998، النحت فى مائة عام مع آخرين - 2005، كما صدر له عن الدار المصرية - اللبنانية «موسوعة الفنون الجميلة المصرية.. فى القرن العشرين» التى ضمت عددا تجاوز ال144 فناناً، بترتيب تاريخ الميلاد، وكانت تلك الموسوعة خلاصة جهد متواصل لتوثيق حركة الفنون الجميلة المصرية، استمر منه على مدى أكثر من ثلاثة عقود.