يبدو الحديث عن التعديلات الدستورية المرتقبة يوم السبت المقبل، وكأنه الأبرز في مصر، رغم بعض التفريعات التي تأخذنا إلي بلاغات الفساد، أو شائعات التغييرات الصحفية، أو حتي الحديث الذي يجري تضخيمه عن الثورة المضادة.. وحكايات الفلول والبقايا والطابور الخامس والسادس وغيرهما من الطوابير الطويلة التي تنافس الباحثين عن زجاجة زيت علي بطاقة التموين. الفارق الرئيسي بين جدل التعديلات الدستورية وأحاديث الطوابير وغيرها، أن أي تعديل دستوري موضوع مهم يخص مستقبل الوطن وبذلك يتعلق بالأمل، أو حتي بمخاوف ما سيترتب عليه، بينما أي شيء آخر يشغل الإعلام والناس في هذه اللحظة هو محاولة لإغراقنا في ماض يجب علينا أن نتركه إلي النيابة والقضاء، ولجان الحقيقة والمصالحة التي قد تتشكل لمراجعة الحقبة الماضية. ولدي بعض النخب السياسية، ومن يقتنع بآرائهم تخوفات لها منطقها من أن التعديلات في عدد محدود من المواد الدستورية، لا تصلح كل عيوب الدستور الحالي، ثم إنها تمهد لانتخابات برلمانية يرون أن نتائجها ستصب في صالح التيارات الدينية أكثر من غيرها، وبالتالي فإن مجلس الشعب المقبل المنوط به اختيار جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد قد يكون من لون واحد يفرض رأيه، ومعتقداته علي الآخرين في دستور يفترض فيه التعبير عن القواعد الأساسية الحاكمة للشعب ومؤسساته. أعتقد أن منطق المعارضين له وجاهته، لكنه في ذات الوقت يكرس أمراض النخبة السياسية والثقافية الدائمة من أنها محصورة في دوائرها الضيقة وغير قادرة علي الفعل السياسي في الشارع ولا تملك رموزاً قادرة علي التصويت لها في أي انتخابات. نعم.. الإسلاميون هم القوة الأكثر تنظيماً وانتشاراً في الشارع، والديمقراطية الحقيقية ستجعلهم رقماً فاعلاً ومؤثراً في الحياة السياسية، لكن علي الآخرين ألا يلوموا سوي أنفسهم، فقد انفتحت الساحة الشعبية والسياسية، ولم تعد هناك أي قيود علي الحركة، وبينما يدعم الإسلاميون قواعدهم، يغرق الآخرون في مشاكلهم. أي انتخابات في مصر لا يحسمها المسيسون أو العقائديون، وإنما تكون فيها الغلبة للعائلات والقبائل في الصعيد، ومعظم المناطق الريفية في الوجه البحري، وقد كانت معظم هذه المناطق تصوت تقليدياً للحزب الحاكم، منذ الوفد قبل الثورة، ثم جميع التنظيمات السياسية الحاكمة بعدها، من هيئة التحرير حتي الحزب الوطني. وبينما تعاني هذه العائلات والقبائل من حالة تخبط، وعدم وضوح في توجهاتها التصويتية المقبلة، لم نسمع عن حزب سياسي قائم، أو من أحزاب الثورة التي تنتظر إشهار نفسها بعد التعديلات الدستورية، تحركت لعقد تحالفات مشروعة مع هذه العائلات والقبائل. حتي الآن أضاعت القوي السياسية القديمة والحديثة ما يقرب من شهرين في خلافات داخلية، ليس هذا وقتها أو أوانها.. لكن لا يزال علي انتخابات مجلس الشعب ستة أشهر، وهي كافية بالتأكيد لتحركات حزبية مفيدة ومهمة لتكوين تكتلات سياسية تواجه التيارات الدينية المنظمة. وإذا كانت الثورة قد قامت لإسقاط حكم الفرد والحزب وجماعة المصالح الواحدة، فإنه ليس من صالح الوطن أن نرهن إعادته من الحالة الثورية إلي الوضعية الطبيعية، بقدرة الأحزاب والقوي السياسية علي حسم خلافاتها الداخلية. عجلة التغيير يجب أن تدور، ومن ثم تنتقل إلي مرحلة الاستقرار المؤسساتي وعلي من يريد جني ثمار هذه المرحلة التحرك بأقصي سرعة قبل أن يفوته قطار التغيير، ويجد نفسه جالساً في محطة الثورة.. بينما القطار مضي إلي دولة مؤسسات جديدة علينا ألا نجعلها تسقط في أيدي تيار أو توجه سياسي أو ديني واحد لأنه إذا حدث ذلك فسنكون صنعناه بتخاذلنا.