آمن مراد ماهر بدور المثقف في قيادة الشعب، وعندما رأي أن الملايين خرجوا للشارع في أحداث "25 يناير"، اطمأن وعاد إلي أوراقه ليقوم بدوره ككاتب، يرصد ويؤرخ أحداث الثورة أدبيا، في كتابه "ثورة الغضب..صنع في مصر"، الذي طرحه عن دار "اكتب". لماذا أصدرت كتاب "ثورة الغضب..صنع في مصر"؟ - بعد جمعة الغضب، وفي يوم 29 يناير، كنا نخرج للشارع تشجيعا للناس أن تقول "لا"، وألا يخافوا، ولتكون هناك مصداقية لنا حين نكتب، فكان لابد أن نكون في طليعة الموجودين بالشارع، لكن بعد خروج الملايين للشارع وجدت أن دور المثقف الحقيقي لم يعد في الشارع الآن، بل مع قلمه وأوراقه، ليجسد هذه اللحظات أدبيا وليس تأريخيا، فعكفت علي الكتابة من غير انفصال عن الشارع، واستمرت الكتابة لأكثر من 15 يوما. استعانتك بمقولة محفوظ في افتتاحية كتابك عن دعوته للثورة منذ كان في السابعة، هل تعني بها أن مصر مشاكلها ثابتة منذ فجر القرن العشرين؟ - ليس هذا هو السبب، فعجلة الزمان تدور وتقف عند نفس النقطة، ولأن المجتمع المصري قد يكون شعوره بثورة "19" شبيها بشعوره بثورة "25 يناير"، فاعتبرت ما كتبه محفوظ هو إهداء لثورة 25 يناير. كتابك بمثابة دفتر لخواطر الثورة، هل تعمدت فيه التمرد علي القوالب الأدبية؟ - هو ليس خواطر ولا كتابة سردية، إنما نصوص مقتربة من القصص القصيرة، فأنا أحب التجديد في القالب، ولي عامان أعمل علي قالب جديد هو "الدوائر"، وكونت نصوصا عديدة بهذا الشكل، لكن بحدوث الثورة وجدتني أستعين بالبعض منها، فحوالي 30% منه مكتوب قبل الثورة، وهم "الخوف"، و"الدموع"، و"النبي محروس" في بداية الكتاب، فأنا أعمل علي تجديد البنية التحتية لقالب القصة القصيرة. هل تقصد في تجديدك للبنية التحتية في قالب القصة القصيرة، أنك تحاول تحريك العناصر المكونة للقالب، بحيث تمنح دور البطولة لأي منها؟ - دعيني أؤكد أنني بصدد "محاولة" للتجديد وليس التجديد، ثانيا: الموضوع بالنسبة لي هو محاولة لكسر جمود القوالب المتعارف عليها، ولانقف عند الثوابت والأكاديمية، فالبطل عندي ينقسم بالتوازي وبنسب متقاربة ما بين اللغة والقالب التجديدي في النص وفكرة النص، أعتقد أن أي تقصير -في وجهة نظري- يوقع النص لدي، بحيث لا يكون القالب متجمدا أو لغة مستهلكة، فالتجديد علي جميع المستويات. صورت "الدموع" وكأنها "طبخة" يتذوقها المصريون بشكل أساسي، لماذا؟ - هناك تقابل بين نصي "الدموع" و"الفرحة"، فهما نفس الطريقة في الكتابة، ولم أتعمد أن أجعل منها "طبخة"، فالفكرة واتتني بكيفية تكون الدموع عند البشر، فالدموع لها أنواع أخري مثل" دموع القهر، والظلم، فلم أقصد دموع الحزن البشري الطبيعي، بل هي دموع فرضت علينا قهرا، وأوضحت مصادرها المختلفة كالتفتيش...إلخ، وحتي في الفرحة فإن "الدموع" كانت هي الأخري لها وضع خاص، فهي كما ذكرت " دموع صنع في مصر"، وأري أن نصوص "الدموع" و"النبي محروس" و"الخوف"، كانت العوامل المهيئة للثورة، أما "خطبة جمعة الغضب" فهي النقلة للمرحلة التالية، ثم ما جاء بعد ذلك من نصوص هو تأريخ بحت للثورة. لماذا بدأت المرحلة الجديدة بدموع "الفرحة"؟ - أول شيء حدث كان مساء جمعة الغضب، كل الناس كانوا يبكون محتضنين بعضهم البعض، فالنظام سقط فعليا هذا اليوم بانسحاب الشرطة من الميدان وكل مصر، لذا أول شيء بعد خطبة جمعة الغضب هو دموع فرحة كبيرة ببذور الحرية الحقيقية. لماذا كتبت نص "الخيانة" بقالب السيناريو الذي يتحدث عن أشياء مستقبلية أو متوقعة بينما الخيانة حدثت بالفعل؟ - أولا اختلف معك حول وصف الأسلوب في نص "الخيانة" بالسيناريو، فهذا النص تحديدا أعتبره أكثر نصوص الكتاب تأريخا أدبيا لهذه اللحظات الفارقة في تاريخ مصر، فهذه من أقوي الخيانات التي مر بها الوطن، فهذه الخيانة هي سبب لكل ما نعيشه من توابع الفوضي الحادثة الآن في مصر، والتي تتطلب القصاص العاجل لكل مرتكبيها، والتي تسببت في موت العديد من الشهداء أكثر من شهداء جمعة الغضب، فالبنت في (ممثل الادعاء) تطلب ثأرين الأول عند النظام ككل، والثاني منفرد ومنفصل مع جهاز الشرطة ومن ورائهم المتسببون في هذه الخيانة. نص "محاكمة جيل" استخدمت أسلوب المرايا وتكرار الحدث الشكلي مع الاختلاف الضمني، فهل هذه رؤية لشكل وأداء جيل المستقبل؟ - هنا الرمزية بأن الواقع مختلف، فما نمجده ليس أشياء إنما أشخاص صنعوا واقعا مختلفا، فالاستئذان من والدي لكي أتصور مع ابني أحد الثوار، هو رمز لمحاكمة جيل آبائنا الذين ربونا علي الخوف، وأن مصر ليست لنا إنما هي لزائريها، إقناعنا أيضا أننا جيل بلا هدف، وغير قادر علي الاهتمام بمصر، ولكن هذا غير حقيقي، فمن قاموا بالثورة هم أبناء هذا الجيل وهم صناع الحرية. وما دلالة استخدام الحروف والأرقام والألوان في نص "التعددية"؟ - تحدثت عن هذا "الثالوث" بوصفه العناصر الحياتية الرئيسية التي نلتف حولها ويتكون منها كل شيء، إضافة إلي أنه شيء تخيلي، فالحروف والألوان والأرقام هي أمم موازية ولها نبض وحياة مختلفة، ويشكلون ما يشكلونه من وظائف مختلفة، فالألوان قد تضفي البهجة وقد تضفي الحزن، فهي تشكل حياتنا بشكل أو بآخر. هل يمكن اعتبار الكتاب بمثابة وثيقة لحياة الأمة المصرية بعد الثورة؟ - أنا أقدم وصفة لما يجب أن نكون عليه بعد الثورة، فالتعددية هي احترام الآراء والمذاهب المختلفة والأيديولوجيات المختلفة، والابتعاد عن تقديس حرف بذاته كما كانت تفعل أمة الحروف مع حرف "الألف" أي الابتعاد عن التأليه والتقديس للحاكم، والإيمان بأن المجتمع يمتلك من البذور الصالحة لقيادات واعية، فقط نحتاج لمزيد من الوعي والتعددية الحقيقية، التي تؤدي لأساس ديمقراطي سليم في المجتمع. ختمت كتابك ببيان حمل توقيع "عاشت مصر حرة"، هل هذا هو شعارنا الواجب في الفترة القادمة؟ - البيان أدبي بحت، وليس إعلانا ثوريا، وإنما موجه لشعب مصر، وعندما نخاطب مصر نبرر لها لماذا قامت الثورة، وهو ببساطة شديدة أننا عشنا علي أرضها التي لم نرها قبلا انما اختبأت عنا كرها أو طوعا أو بفعل فاعل، فهو بيان تخيلي كدعوة أن تهبط إلينا لنراها ونحيا في أحضانها، لنبدأ معها صفحة جديدة، من الحرية والمساواة والعدالة والكرامة، نستشعر فيها بمصريتا وانتمائنا الحقيقي لمصر، وفي النهاية تذكير لنا ووعد لها بأنه لا ردة عن طريق الحرية، وأن هدفنا الأساسي ليس إقصاء شخص أو رحيل آخر، وإنما رفعة مصر والمصريين. تنوعت أصوات اللغة ما بين الحماسية والزاعقة وبين الهادئة والمتأملة في النص الواحد، فلماذا؟ - أنصحك نصيحة، لا تأتي بثائر يكتب كتابا، فأي إنسان عاش هذه اللحظات والأحداث المتلاحقة وأجواء الثورة الحقيقة، لايمتلك أدواته كاملة، أي مساحة من التأمل والتفكير، فالثورة ليس فيها تفكير أو الكتابة عن الثورة دائما ما تكون زاعقة مليئة بالجمل الحماسية والكلمات الرنانة، وهو ما يبتعد بنا تماما عن الخطاب الأدبي، لهذا يجد القارئ صراعا داخليا واضحا ما بين اللغة الثورية والأدبية، فطوال الوقت كنت مهتما ومركزا علي ألا تكون النصوص تندرج تحت أدب المناسبة، بحيث بعد انتهاء الأحداث يموت الكتاب، فلابد أن يكون متزنا وراجعا للخطاب الأدبي فكلما جنح نحو اللغة الثورية أعيده مرة أخري للخطاب الأدبي، فاللغة الثورية قصيرة العمر، مرتبطة بشكل كبير بزمن الثورة، إنما الأدبي باق وأكثر تأثيرا علي المدي البعيد، فطالما أعدت قراءة ما كتبته بعين القارئ بعد عشر سنوات من الآن، وآخر ربما ليس مصريان فالأدب الحقيقي موجه ل" الإنسان" كافة بغض النظر عن عقيدته أو جنسيته، أعتقد أنه كان أمرا صعبا لكن أعتقد أيضا أنني قمت بعمل خليط متوازن ما بين كلتا الأبجديتين الثورية والأدبية. كمثقف وككاتب ماذا تريد أو تنتظر من وزارة الثقافة ووزيرها الدكتور عماد أبوغازي؟ - دكتور أبو غازي هو شخصية موثوق فيها إلي حد كبير، وأتصور أنه سيصلح العديد من النواقص علي المشهد المصري، لكن أعتقد ان حجم الفساد والقصور يحتاج لأكثر من تغيير وزير الثقافة، فالمؤسسة الثقافية كمثل كل مؤسسات الدولة، استشري فيها الفساد علي كل المستويات، فلا بد من مشروع يعيد هيكلة النشر الثقافي في مصر، وانتقاء قيادات الوسط الثقافي، ويعيد الثقة بين المثقف والمؤسسة الحكومية، فالمثقف هو حزب في ذاته ولابد من أن يكون له دور في توعية المجتمع، فهو منزه عن الانحياز لتوجه بعينه.