ما يدهشني أن ّ الكثيرين من اللاهثين وراء الأقدار التي ساقت إلينا الحدث التونسي ومنهم قناة الجزيرة والدكتور عمرو حمزاوي وغيره علي القنوات المصرية، كلّهم مثلنا، لم يكونوا في انتظار ما حدث أو يتوقّعونه! وحين صار، فهم لا يختلفون عنّا في أن يتناوله الجميع تحليلا وتعليقا وتبريرا وتصويرا. كلّنا كتّاب وإعلاميون نفعل ذلك، لكنّنا نريد لمن يشعر بتميزه أن يكون له ناتج ثقافي، يحدث صدي يذكر، يفيد أبناء يعرب وبناته، يكون له تأثير إيجابي علي مجريات الأمور وأوساط الرأي العام ومعطيات القرار السياسي.. لا يمكن أن يظلّ مستقبلنا مجرّد حضور فعاليات نجومية علي الشاشات. الشعوب تعاني وتكافح وتناضل وتطاردها خراطيم المياه، والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطّاطي والحي، ليعيش علي دموع الناس وأنّاتهم وفقدهم لحياتهم، المتطفّلون والمتطفّلات في ملابسهم الأنيقة واستوديوهاتهم المرفّهة. يركّزون الانتباه علي مواهبهم أو مهارتهم في استثارة المشاهدين. ومن المؤسف والمخزي وغير الإنساني، أن يحاول البعض أن يجعل من الانتحار وحرق النفس حصانا رابحا! ولأنّهم يحسّون حلاوة الحياة، فإنّ أحدا من هؤلاء، لم يمتلك جسارة أن يحرق نفسه في الاستوديو! احتجاجا علي مايدفقه علي آذاننا وعيوننا من مشاهد بؤس الجماهير وقهرها، وبالنسبة للجميع فعلي الكاميرات والشاشات ألاّ يحوّلوا هذا العمل الفظيع إلي شيء بطولي! إنّني لا أريد الاستمرار في النقد،ولكن لأضع خطّا تحت اسم قناة الجزيرة وما شابهها، حين تدّعي الشفافية! فلا تفعل أكثر من استضافة من يشرح النتائج الافتراضية للأحداث. تقحم اللحظة التلقائية لبوعزيزي والذي لم يكن يفكّر إلاّ في أنّه ظلم وقهر وأهين. تدفعها إلي متاهات وجهة نظرها عن النظام العالمي الجديد، وصدّ الهجوم علي الإسلام، وحول مشاعرنا حول النظم المحلية التي تتعامل معها بلا حيادية.غير مجد، أن نغرق في بحث أن يكون تأييد أمريكا لانتفاضة تونس مخلصا أم خدمة لمصالح جديدة لها، وعن صمت الرئيس الفرنسي وعن رفض استقبال الرئيس التونسي وعن التأثير علي دول الجيران، وعمّا إذا كانت طائرة بن علي هبطت في شرم الشيخ.. معلومات يتمّ توظيفها وإثارتنا وتسليتنا بها، دون غاية مساعدتنا، علي معرفة الاتّجاه الحقيقي للأمور والرهان الصحيح علي المستقبل. بإمكاننا أن نتيقّن أنّ زماننا في المنطقة العربية، سيكون قفزات تغير وجه الأرض. الشعوب ظلمت بما فيه الكفاية والحكّام ليس أمامهم مهرب من التغيير كواقع لا يمكن الفكاك منه. تجري المحاولة في أكثر من بلد وفي مصر علي وجه التحديد أكبر هذه البلدان ومنذ سنين! ومن مصر إلي تونس إلي لبنان، إلي السودان إلي اليمن. من الطبيعي أن نخاف من القفزات في فراغ المجهول. وأي مخلص للشعب التونسي أمسك قلبه ولا يزال يمسكه عندما كانت تهاجم وتنهب المتاجر والمساكن، لا ندري من يقفز علي السلطة باسم نشر القانون والنظام! نخاف من دعاوي النكوص إلي الوراء وإقامة دولة الخلافة الإسلامية. ولوكنّا قد تعلّمنا من تجاربنا السابقة، فلقد حفظنا الجماهير المعذورة، كم هي متذبذبة في عواطفها السياسية! وبالنظر إلي ما حدث في مصر يوم 25 يناير، يوم عيد الشرطة، قامت الحركات الاحتجاجية وانضم إليهم الإخوان، بما أسموه يوم الغضب! هنا سنري أنفسنا غالبا في مفترق الطرق! وأوّل مانختبره، كيف كانت مشاعرنا مع عيد الشرطة وتمجيدنا لما قام به رجالها ضدّ الاستعمار، ومابين قيامها بواجباتها في يوم محتقن بالتهييج. فهل ستستمرّ خطّة البعض هي " هيج الشارع أوّلا، ثمّ حلّل بعد ذلك!" هكذا نترك حركة الناس للنزوات، يبدو هذا الكلام مألوفا هذه الأيام، أليس كذلك؟ مقصدي ألاّ نأخذ الاحتجاج وحركاته بجرعات غير محدّدة، ولامفرّ من أن يمر علينا مايؤكّد أنّنا لاننتظر غدنا القريب أو البعيد، بل نصنعه. نكافح من أجل إصلاح سياسي واقتصادي، وأضعف الإيمان أن نطالب بحقوقنا، وفي أقلّ تقدير نعرف إذا لم نفلح أن نكون من الغانمين، فلدينا الحذر ألاّ نتحوّل إلي غنائم لطامعين جدد!