محارب ومقاتل سلاحه الفن والألوان، وعازف عود له طابع خاص، بجانب اللغة العربية يتحدث اللغة الأمازيغية، حاصل على العديد من الجوائز العالمية، إنه الفنان يوسف معتوق، الفنان التشكيلى الليبى ابن مدينة «نالوت» الأمازيغية، متعدد الاتجاهات الفنية، انتقل من الواقعية إلى التجريدية ومنها إلى الرمزية، يصبغ لوحاته برموز وإشارات وتشكيلات وعلامات ذات دلالات لها جذور فى المعتقدات الثقافية الليبية، مثل رموز وشم المرأة، وزخارف الجدار المحلية، قام بتوثيق الثورة الليبية ضد القذافى برسوم نقدية كاريكاتيرية، وبسببها تعرض للاضطهاد، وعقابه نظام القذافى بكسر أسنانه، تحدث عن مشواره الفنى وذكرياته مع نظام القذافى فى هذا الحوار: ■ حدثنا عن بدايتك الفنية ومراحلك الأولى؟
- بدأ عشقى للفن مبكرا كنت انتظر حصة التربية الفنية وأشارك برسوم وأجد تشجيعا من الجميع، والدى كان يعمل «نقاشا»، وكانت عينى ترى الألوان وأعرف تركيبتها قبل أن أتعامل معها كفنان، جذبتنى الألوان والرسوم وأصبحت طريقى ومشواري، عملت فى عدة مجالات منها «مجلة الأمل» للأطفال، وقدمت برنامج «جنة الأزهار» الذى كان يعرض فى التليفزيون الليبى فى الثمانينيات، لم أكمل تعليمى بسبب تعنت النظام الليبى السابق الذى كان يحارب العلم ويطلب الشباب للتجنيد مبكرا، لكنى أكملت دراسة الفن بمصر، عن طريق الدراسات الحرة، التى انطلقت منها إلى عالم الواقعية فى مسيرتى، انتسبت إلى رابطة الفنانين الليبيين بمدينتى «نالوت»، وشاركت فى العديد من المعارض الدولية، وحصدت جوائز عديدة.
■ ماذا تمثل لك فترة الواقعية فى بدايتك الفنية؟
- اكتشفت قدراتى الفنية فى الفترة الواقعية التى بدأت بها مسيرتي، من خلال تسجيل وتجسيد الأحداث والموضوعات التراثية بمعالجات وتقنية وتكوينات التوصل إلى الجوانب الفنية الخفية، التى ربما تكون كانت غائبة عند المتلقي، فرسمت الموضوعات التراثية مثل الأفراح الشعبية والفلكلور الشعبى بصورته البصرية، الجواد العربى والمناظر الطبيعية بكل ما فيها جبال والنهار وصحارى والنخيل والبيوت القديمة، الطبيعة هى الإبداع الأول والألعاب الشعبية، أنا رسمت كل هذه المواضيع لنفسى أولا، ثم للمجتمع ولقارئ اللوحة، وتعاملت مع كل الخامات الزيتية والألوان المائية الإكليريك وكل خامة لها طابعها لأن هناك موضوعات اختيار الخامة فيها مهم لإنجاح العمل الفنى.
■ ألم تشعر أن انتقالك من الواقعية إلى التجريدية عكس اتجاهك الفنى؟
- انتقلت إلى التجريد بعد شعورى أنى قطعت مسيرة فنية كافية تجعلنى أتعامل مع الأشكال والعناصر باختزال وتبسيط وتحليل، أصل بها إلى التجريد، كما قررت التغيير فى أسلوبى الفني، من خلال مشاركاتى فى معارض عالمية وجدت أن معظم الأعمال تتجه إلى التجريدية والسريالية والتكعيبية والانطباعية، كل هذه المذاهب فتحت لى أبوابًا فنية حداثية، قررت أن أغامر بخوضها، وهكذا الفن هو تجارب فنية متواصلة، وما أن بدأت فى التعبير بالاتجاه التجريدى شعرت أنى وجدت الاتجاه الفنى الذى كنت أبحث عنه دون أن أعرفه، فقطعت صلتى بالعمل التقليدى الواقعى، واعتمدت على إحساسى فى التعبير باللون وحركة اللون وكسرت النمطية الواقعية، ولكن الواقعية فترة ضرورية يجب أن يمر بها كل فنان قبل أن يتجه إلى مذهب آخر، وجدت فى التجريد روح الفن وصوفيته، وهى أن أبحث عن طريق الرمز عما وراء الطبيعة للوصول للمطلق، التجريد بحر واسع لا يستطيع أحد أن يبحر فيه بسهولة، التجريد والبحث عن جوهر وعمق العناصر الواقعية يعنى تعرية الطبيعة من حالتها العضوية لتكشف عن أسرارها الكامنة فى معانيها الغامضة، ومن هذا التجريد انتقلت إلى رسم وشم المرأة والنقوش التى على الجدران، لتكون مادة بحثى فى مسيرتى الفنية.
- التشكيلات التى استخدمتها فى عالمى التجريدى، فى بحثى عن الهوية الليبية هى وشم المرأة، ونقوش الجدار، وزخارف المنسوجات، ولكل منها تاريخ وتراث وتوظيف ومعالجة فنية، وبما أن التجريد هو مجموعة لونية بين الألوان القوية والهادئة، وضعت بداخلها رموزًا وإشارات تجذب قارئ العمل لقراءته وتفسيره، وحرصت على حضور المرأة فى أعمالى وإبراز مواضيع تتغنى بزينة المرأة وأنوثتها، حسب معتقدات بلدتى، وشم المرأة هى نقوش ترجع للمورث الثقافى والشعبى يرتبط بالمعتقدات الدينية القديمة.
وبلدتى «نالوت» مسقط رأسى تحمل ثروة تراثية من الرموز والدلالات والإشارات ذات المعاني، الوشم هو زينة المرأة، نجده يوضع على الجبين أو الخد أو الذقن أو المعصمين أو الرجلين هذه الأوشام المرأة الليبية تشعر فى وجودها بجمالها ونضجها وانتظارها للزواج، لهذا أدخلت الوشم فى التجريد لأنه خلاصة الهوية واختزاله لجمال المرأة، ويعطى مضمونًا ورسالة، ربما أجمل من رسم البورترية، بالإضافة إلى الزخاف المنسوجات النسائية والرجالية التى بها العديد من الأشكال الهندسية والمثلثات، الرموز مادة فنية فتحت أمامى أفاقا كبيرة وهما نتاج تفاعل مع ثقافتى اليومية.
■ ما تقيمك للحركة التشكيلية اليوم فى ليبيا؟
- انطلقت الحركة التشكيلية كثيرة وتشهد تطورا وتسير فى الطريق الصحيح من خلال إقامة المعارض والمشاركات الدولية، واستوعب الفنانون الليبيون الحداثة وتطورات العصر واستطاع أن يفلت من قيود التى تقييد الإبداع متخذا موقعا فى الحضارة العربية، وحقق وجوده يوماً بعد يوم وحتى أعلام الفن التشكيلى أصبحوا معروفين للكل، والبعثات الخارجية أثرت الفنانين إلى جانب دخولها البيناليات العالمية.
تفرغت أثناء الثورة الليبية لرسم الكاريكاتير لتأريخ الثورة .. حدثنا عن هذه الفترة والهجوم والتعذيب الذى تعرضت له بسبب هذه الرسوم.
أثناء الثورة كان لابد لى كمواطن، قبل أن أكون فنانا، أن أشارك ولكن ليس بالسلاح والعنف، فسلاحى هو خطوطى وألوانى، فأنشأت صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» بعنوان «يوسف معتوق فنان ثورة 17 فبراير»، واشتهرت الصفحة ودخلها أكثر من مليون فرد، وبدأت أوثق من خلالها للثورة الليبية، وأتابعها ساعة بساعة بالنقد والسخرية مما نتعرض له من خلال رسوم كاريكاتيرية بالأبيض والأسود، لذلك أوقفت فى هذه الفترة أعمالى التشكيلية التجريدية، قدمت 600 لوحة نقدية تناولت فيها من بداية الثورة وخطابات القذافى وصولا بمقتل القذافى.
بدأت النشر على هذه الصفحة يوم 20 فبراير من ليبيا، ثم أغلق الإنترنت فى ليبيا، فانتقلت إلى تونس لمتابعة الصفحة ورسمت بشكل متواصل، ولكن حضر إلى الفندق الذى كنت أقيم فيه مجموعة من رجال القذافى، ضربونى وعذبونى وكسروا لى أسنانى، فتكسير الأسنان أسلوب معتاد من أساليب التعذيب عند القذافى، عن طريق خلعها بالعنف، وهذا طبعًا مؤلم جدًا، وقف بجانبى الكثيرون إلى أن حضرت إلى مصر، وتعرفت على الثوار، وعلى مجموعة ائتلاف الفنانين التشكيليين، وشاركت معهم فى التحرير، وشاركت فى مسيرات السفارة الليبية أثناء الثورة، ثم رجعت إلى ليبيا وحضرت مقتل القذافى، وبعدها عرضت كل رسوماتى التى نشرتها على الموقع فى ميدان الشهداء بطرابلس، وأقمنا مهرجانا فى بنى غازى، وعدت إلى بلدتى «نالوت»، لكن فى هذه الفترة اخترقت ميليشيات القذافى الإلكتنرونية الموقع، وأغلقوه ولكنى كنت قد وثقت كل الأحداث على اليوتيوب، ومعى كل الأعمال التى نشرت، وأحاول البحث عن طريقة لإرجاع الموقع.
■ فى رأيك ما أوجه الاختلاف والتشابه بين الثورة الليبية والثورة المصرية؟
الثورة المصرية تختلف عن الثورة الليبية فى أمور كثيرة، الثورة المصرية أطاحت برئيس وجاء بعده برئيس، لكن الحقيقة أن مصر أطاحت بالرأس فقط ومازال الجسد موجودا، أما الثورة الليبية فكانت حربا كبيرة ضد الاستعمار القذافى، من جديد مفيش عندنا نظام سابق ولا فلول، الكل جديد، لأن الشعب اتحد على رأى واحد ويؤسس دولة مؤسسات مستقله، الإعلام مستقل صحافة مستقله حرة غير تابعة لرئيس الدولة، واستعنا بالدستور الإنجليزى والكندى مع الدستور الليبى للوصول إلى دولة مدنية 100%، نفس مطالب الثورات حرية ومدنية.
الشعب الليبى رفض وجود تيارات إسلامية ولم يعطهم فرصة، ولم يحصدوا أى مناصب، فنحن أساساً شعب متدين ويعرف الأصول والتقاليد، وشعارنا اليوم «ليبيين بحق»، اليوم نشعر اننا نعيش فى بلدنا لدينا انتماء كامل بعد سقوط استعمار القذافى، ليبيا رجعت لشعبها، نحن أيام القذافى صدر لنا الثقافات الوافدة مثل الجريمة المنظمة والمخدرات.
كل الثورات العربية بركان انفجر ومازال ينفجر، وربما تستمر الثورات لسنوات أخرى، الاختلاف الموجود الآن فى ليبيا بين الشعب والحكومة بسبب رغبتنا أن يكون أعضاء الحكومة الليبية بعد الثورة، من الذين عاشوا فى ليبيا وتألموا وتعذبوا وشاركوا فى الثورة، وليس من الليبيين المعارضين الذين عاشوا سنوات عمرهم خارج ليبيا، ثم عادوا إليها بعد الثورة، الثوار رافضون هؤلاء المعارضين الذين لم يتألموا مثل الشعب، وسوف تقوم بثورة تصحيح المسار فى ليبيا فى 17 فبراير القادم.
■ صف لنا كيف كان نظام القذافى يتعامل مع المثقفين والفنانين؟
- كان هناك مكتب اسمه «مكتب مكافحة المواطن» كان يراقب أى فنان أو مثقف يعلو نجمه وينتشر، وكان يتم القبض عليهم وتعذيبهم، لأن النجومية يجب أن تكون للقذافى فقط، ففى عام 73 ألقى القذافى القبض على عدد من الرموز الثقافية وسجنها وهرب بعضهم للخارج.
وأتمنى فى النهاية أن أعود إلى ليبيا، وأقوم بدور سياسى وأتواصل مع الشعب، حتى يكون للمثقف والفنان دور فاعل، وربما أرشح نفسى فى البرلمان، لأننا استبعدنا من المشاركة من قبل النظام عن قصد.