ذهبت السكرة وجاءت الفكرة هكذا يقولون في الأمثال، فتفجيرات الإسكندرية وما أعقبها من سكرة تكلم فيها من تكلم وأدلي كل برأيه من شعبان عبدالرحيم إلي فضيلة الشيخ الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وسمعنا صراخًا وعويلاً ورأينا دموعًا كما استمعنا إلي كلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب أما عن المتناقضات فحدث ولا حرج فكانت هي السكرة ثم جاءت الفكرة وهي التي بدأها فضيلة الشيخ الإمام الأكبر للجامع الأزهر في تعليق حكيم وفي نفس الوقت قاطع وحاسم بشأن ما صدر عن بابا الفاتيكان. كما لا يفوتني أن أقول إن الفكرة جاءت مع الكلام الموجه من بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية إلي جموع الغاضبين بالتحلي بالحكمة والهدوء ثم نرتفع إلي مقام أعلي حينما حسم إمام مصر ورئيسها وولي أمرها الرئيس مبارك فقال «إن أمن مصر القومي مسئوليتي الأولي..» وبناء علي ذلك لا ينبغي أن نفرط في العواطف ونلعب علي أوتار تهييج المشاعر فتصرف عقولنا عن إدراك حقيقة الجرم الذي وقع وبالتالي نعجز أن نصعب علي أنفسنا معالجة الأمر من أساسه. إن المشاعر العفوية والتي عبر عنها الشعب المصري مسلموه وأقباطه لهي دليل دامغ لا يحتاج إلي بحث أن الجريمة الإرهابية التي وقعت لا علاقة لها بطائفية في مصر وكلنا يذكر كم تعرضت مصر لهذا الإرهاب بل خص المسلمين دون غيرهم مما يمثل أعلي المقام في مصر حينما نال الإرهاب من رأس النظام نفسه فاغتال قائد مصر الراحل قائد الحرب والسلام، ثم نال كذلك من قوات الأمن فكلنا يذكر أحداث أسيوط والتي أعقبت اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات - رحمه الله - حيث اغتال الإرهاب ما يقرب من 120: 150 ضابطًا وشرطيا أو أكثر. وكذلك أحداث الإرهاب في ميدان الأزهر والحسين ومحاولات اغتيال رجال الدولة وبعض رجال الصحافة وكلهم مسلمون، بل كلنا يذكر محاولة الإرهاب الآثم الفاجر لاغتيال رئيس مصر وإمامها الرئيس مبارك في إثيوبيا، فخلاصة القول لا داعي أن نكون مالكيين أشد من مالك، فمحاولة البعض اضفاء الطائفية علي أحداث الإسكندرية محاولة فيها شيء من الخبث، وإنما التحليل العقلاني أن الحادث حادث إرهابي موجه إلي مصر حكومة وشعبًا، وليس معني كلامي هذا أن مصر آمنة من الفتن الطائفية، بل القصد هو تحليل الحدث بدون افراط أو تفريط لنصل إلي الحقيقة المجردة، فمما لا شك فيه أننا نعيش مناخًا فيه طائفية من كل أطيافه لا نبرئ طائفة عن أخري وهذا إذا كنا نريد أن نحلل الموقف تحليلاً موضوعيا عقلانيا مجردًا بدون أهواء أو تعصب. فعنوان المقال «من الجاني»؟ لا أريد أن أشتت أذهان من بيدهم أمر التحقيق بل كنت أتمني أن أنتظر حتي تظهر الحقيقة الجنائية ليكون تحليل الواقعة مبنيا علي حقيقة جنائية واضحة فيكون التحليل أصوب وأحكم، ولكنني خشيت أن يتساءل قلة لماذا تأخرت عن ابداء موقف إزاء ما حدث في الإسكندرية؟ ويلاحظ القارئ أنني لم أذكر الكنيسة وقلت حادث الإسكندرية، وهذا ليتأكد القارئ ولا تهتز مشاعره أن العملية الإجرامية كانت موجهة لأمن مصر بأسرها، إن عين الجاني فردًا كان أم جماعة، في الداخل كان أو من الخارج لابد أن تحركه عقيدة ليقدم علي صنيعه هذا، ولا شك أن هذه العقيدة التي حركت الجاني هي في وجدانه حق مبين بل هي اليقين ذاته وإلا ما أقدم علي صنيعه وهو يعلم يقينًا أنه ميت لا محالة بل علي يقين أن ميتته ميتة بشعة ومع ذلك أقدم عليها واثق النفس هادئ البال فما هي تلكم العقيدة؟ إنني سأتكلم عن مجرد احتمال قد يكون راجحًا عند الكثير لأن القرائن والملابسات التي أحاطت تفجيرات الإسكندرية تشير الاتهامات فيها إلي متطرفين مسلمين، وسوف أتكلم عن هذا الاحتمال وهو عندي راجح، لكن ليس معني ذلك اهمال الاحتمالات الأخري وإن اعتبرها البعض ضعيفة والذي سيحسم هذا هو نتيجة التحقيق والبحث الجنائي، إذن فحديثي سيكون عن احتمالية قيام متطرفين منتسبين للإسلام بهذا الحادث الإجرامي وحينما أقول منتسبين ليس معني ذلك أنهم يستندون إلي شرعية صحيحة في صنيعهم الإجرامي فكلنا مصريون نسمع عبر وسائل الإعلام حديثاً نبوياً صحيحاً «دخلت امرأة النار في هرة» فكيف بنفس بشرية؟ فإذا كان رسول الإسلام والذي وصفه الله جل وعلا أنه رحمة للعالمين فهل من الرحمة أن يسن ما حدث في الإسكندرية؟! الإجابة القطعية التي لا تحتمل تأويلاً «لا» إذن فربط الإسلام بحادث الإسكندرية أو بغيره من الأحداث ربط ظالم يؤجج نار الفتنة ولا يخمدها لأنك تتهم الإسلام بما ليس فيه بل توسع دائرة الاتهام في كل المتدينين المسلمين وهذا ظلم وبهتان عظيم.. إن الإرهاب قد وصل علي مشارف أقدس البقاع عند المسلمين حيث وقعت تفجيرات علي مشارف مكة والمدينة بل في مكة ذاتها إذن الانصاف يقتضي والعقل السليم يقر بأن الإرهاب موجه للبشرية بصفة عامة سواء كان أصحابه يدينون بالإسلام أو بالنصرانية أو باليهودية. كتبت منذ سنوات ومازلت أقول: لابد من طرح الأفكار والمعتقدات الدينية المتطرفة سواء كانت خارجة من المسجد أو كانت خارجة من الكنيسة فعلماء المساجد عليهم برواد مساجدهم ليبينوا لهم بطلان المعتقدات والأفكار المتطرفة ليس برقة البيان وعذوبة الألفاظ وتسبيل العين وتصنع البكاء وإنما يكون ذلك بطرح الأفكار صراحة وطرح الأدلة المحكمة من الكتاب والسنة والتي تبطل وتهدم بنيان التطرف والإرهاب ولا طريق آخر لمعالجة الإرهاب إلا بصحيح الدين وصحيح الدين ما كان عليه الرسول - صلي الله عليه وسلم - وأصحابه وما دون ذلك فسيكون ترميماً في العلاج وتسكيناً له وليس استئصالاً لأصل الداء وعلي القساوسة في الكنائس أن يوجهوا روادهم إلي إعمال العقل والحكمة والتعايش مع الآخرين بدون تحريش بهم وتوجيه المشاكل إلي ولاة الأمر فهم الوحيدون الذين يملكون أدوات الحل ولكن ليس بعص سحرية بل كما قال بطريرك الكنيسة المصرية بالهدوء والعقل وإفساح الوقت. وللحديث بقية