«حقق أحلامك» مبادرة جديدة خرجت من وزارة المالية علي لسان الوزير النشط يوسف بطرس غالي، المبادرة تستهدف تقديم قروض ميسرة تصل إلي 15 مليار جنيه خلال عامين لعدد ستة ملايين مواطن مصري من موظفي الحكومة وذلك بشروط وضوابط محددة ومعلنة، حيث قامت وزارة المالية بتوقيع بروتوكول مع البنوك المشاركة في هذا المشروع، ويأتي هذا المشروع بعد مبادرة «موازنة المواطن» ومن قبله مشروع «إحلال تاكسي العاصمة» بالإضافة إلي مشروع «تحويل المقطورات إلي تريلات». كل هذه المشروعات التي تصب في خانة المبادرات الخلاقة للوزير الناجح يوسف بطرس غالي وكذلك التفاعلات المباشرة مع قضايا المجتمع المختلفة. وبصرف النظر عن جدوي الفكرة من الناحية الاقتصادية فإنني شخصيا قلت وأقول دائما إننا في أمس الحاجة إلي أفكار جديدة ورؤي خلاقة، إننا كثيرا ما نشكو من السكون والكمون والتجمد في العديد من المؤسسات الحكومية لذلك أجدني أنظر بإعجاب إلي مبادرات وزير المالية بصرف النظر عن رأيي الفني من الناحية الاقتصادية، حيث أنظر إلي الموضوع بشكل شامل ومن أعلي نقطة، لأننا في حاجة إلي أناس يفكرون ويبدعون وقد يحالفهم النجاح أو يجانبهم الصواب ولهم الشكر والتقدير في كل الأحوال. أشكر الدكتور يوسف ومساعديه الاكفاء الدكتور منال حسين والدكتور نبيل رشدان وجميع فريق العمل بوزارة المالية، وليسمح لي السيد الوزير أن أبدي بعض الملاحظات وأبوح ببعض المخاوف التي تساورني بخصوص مشروع «حقق أحلامك»، فالمشروع يستهدف شريحة الموظفين وكما نعلم جميعا فإن الموظف لا يملك إلا مرتبه الذي ينفقه بالكامل علي احتياجاته اليومية من مأكل ومشرب وملبس، بالإضافة إلي تكاليف التعليم والعلاج وخلافه. بيد أن مستوي الدخول هو الذي يخلق السلوك الاتفاقي للمواطنين، ولأن دخول الموظفين تعتبر ضعيفة فإنها تتوجه بالكامل إلي جانب النفقات الاستهلاكية، وكما يقول الاقتصاديون ارتفاع معدل الميل إلي الاستهلاك ولسنا في حاجة إلي القول بأن الميل إلي الادخار متراجع علي مستوي المجتمع المصري. الخلاصة أن سلوك الموظفين يميل إلي الاستهلاك علي حساب الادخار، وبالطبع فإن المليارات العشرة ستتسرب إلي الأسواق عبر الرغبات الاستهلاكية المكبوتة للموظف المصري، وقد تكون هذه النفقات الاستهلاكية غير ضرورية. إننا نتوقع أن تكون نفقات علي سلع كمالية، المواطن الموظف سيقع فريسة لرغباته الإنفاقية الاستهلاكية المكبوتة، ولا ننكر أن الأسواق ستشهد حالة من الرواج بفعل الطلب الفعال الذي تولد من الدخول التي تولدت بدورها من القروض، وستنعكس حالة الرواج في الأسواق علي حالة الصناعة ولكن السؤال الذي يحتاج إلي جواب وتحليل، أي صناعة ستشهد حالة من الرواج، هل هي الصناعات المحلية أم الصناعات المستوردة؟ إن أذواق المستهلك المصري وثقافته ستميل إلي البضائع المستوردة لا شك في ذلك. تعالوا نتخيل سلوك بعض الموظفين في الإنفاق.. أحدهم سيقوم بشراء أجهزة كهربائية وبالطبع ستكون أجهزة مستوردة، والآخر سيقوم بشراء أثاث ولوازم الزواج لأبنائه ومن الأرجح أن يكون الاثاث مستوراًَ، وثالث سيقوم بشراء سيارة بالقسط وبالطبع فإن السيارة لم تنل شرف تصنيعها في مصر بعد، وعلي هذا الأساس يمكن قياس سلوك الموظفين المتوقع حصولهم علي القروض. إنني كنت أتمني أن تخرج علينا وزارة المالية بمشروع للصناعات الصغيرة يستوعب ودائع معطلة في البنوك ويعمل علي تشغيل الشباب وخلق فرص عمل جديدة وحقيقية داخل المجتمع، فلو تخيلنا رصد مبلغ 30 مليار لعدد 30 ألف مشروع صغير كل مشروع يمكن أن يستوعب عدداً من الشباب لا يقل عن عشرة شباب مع تصميم خريطة استثمارية ارشادية وإنشاء شركات متخصصة في عمل دراسات الجدوي وشركات متخصصة في التسويق وأخري في التصدير، أعتقد أن مشروعا كهذا يمكن أن يفيد المجتمع بشكل أكبر من دفع المجتمع إلي الاقتراض من أجل الاستهلاك. وللحديث بقية