لماذا يصر كثير من القائمين علي الإعلام علي تجاهل آراء القاعدة العريضة من الشعب المصري في كثير من الكوارث؟، ولماذا يفرض القائمون علي الإعلام فئة بعينها وأشخاص بأعينهم سواء من الموالين أو من المعارضين أو من المستقلين في كل حادث جلل يحدث في مصر ليتحدثوا هم وحدهم باسم جموع المصريين؟، ولماذا هم وحدهم من يحق لهم تشريح وتشخيص جراح وآلام وقضايا هذا الشعب؟، وكذلك وضع التوصيات والاقتراحات في غياب تام لرأي القاعدة العريضة من المصريين؟. ولماذا نفترض دائما أن غالبية الشعب المصري غير مؤهلين للمشاركة في إبداء آرائهم حول كثير من الأحداث المهمة والخطيرة التي تمس أول من تمس بنيرانها وعواقبها السيئة تلك القاعدة العريضة من المصريين الذين لا يأبه أحد لهم ولا لرأيهم، ثم كيف يستقيم في فكر أحد وفي منطق أحد أن يتحدث الغني المترف مثلا عن معاناة الفقير المدقع؟، وإن شخصوا وعالجوا فلن يفلح لهم تشخيص أو ينجح لهم علاج؟ ولنأخذ مثلا حوادث الفتنة الطائفية، فعند كل حادثة تحدث بين المسلمين والمسيحيين تقوم قيامة المثقفين المعروفين والمشهورين ورجال الدين الرسميين المعروفين والمشهورين وكذلك الإعلاميين، ثم يقوم الإعلام بحشد جميع قواته وضيوفه ومراسليه وبرامجه المرئية والمسموعة والمقروءة للتنديد بالحادث المروع الذي أحدث فتقا في النسيج الواحد، ويبدأ الحساب بترديد نفس المفردات القديمة الجديدة وهي: (سحقا للإرهاب والتطرف، نحن أبناء الوطن الواحد، مفيش مسلم ومسيحي، نحن عنصري الأمة، إحنا طول عمرنا عايشين مع بعض مفيش فرق، أنا زملائي وأصحابي مسيحيين، أنا جيراني مسيحيين)، وكذلك هي هي الأسباب عند كل حادثة، وهي: (التطرف، التعصب الأعمي، الإرهاب الأسود، الفكر الوهابي، التزمت، الطائفية)، وبعد ترديد نفس المفردات وتشخيص نفس الأسباب القديمة الجديدة، يقوم الإعلاميون مع نفس الضيوف الذين لا يتغيرون بوضع نفس التوصيات هي هي القديمة الجديدة ونفس الحلول هي هي القديمة الجديدة التي أصبحت تشبه النشيد الوطني الذي يردده تلاميذ الروضة كل صباح في طابور المدرسة دون وعي لما يرددون أو يقولون، أنا أستطيع أجزم أن من بين جموع المصريين الآلاف بل عشرات الآلاف من المفكرين والمبدعين الذين لا يؤبه لهم لديهم من الوعي والمسئولية والفكر والثقافة ما يجعلهم يدلون بآراء ومقترحات وحلول أكثر واقعية وعملية وجدية لكثير من مشاكلنا وكوارثنا. ومن الغريب كذلك أن الإعلاميين ومقدمي البرامج يستضيفون لتحليل ومناقشة مثل هذه الحوادث الطائفية بعض الصحفيين وبعض الكتاب وبعض أعضاء البرلمان من الطائفتين وبعض الفنانين وبعض رجال الأعمال، ولا أدري ماذا يملك الصحفيون وأعضاء البرلمان والفنانون ورجال الأعمال من معرفة علمية دينية لتحليل مشكلة هي في الأصل محض دينية عقيدية، ثم تستمر القيامة بضعة أيام ثم تخفت شيئا فشيئا حتي تهدأ ثم تضطجع لتغط في نوم عميق حتي يوقظها حادث جديد، أو يأتيها حدث جلل كالفوز بكأس الأمم الأفريقية فتجرفها فرحة النصر الكروي المقدس إلي حيث أودية النسيان. بل الأدهي والأمر والمضحك في الأمر كذلك أن المشكلة الطائفية تتحول بفعل السحر من أرض الواقع الحقيقي إلي ساحة المثقفين والإعلاميين والصحافيين ورجال الدين الرسميين من أبناء الدينين، فيقوم الإعلاميون والمثقفون والصحافيون ورجال الدين المسلمون بترضية الإعلاميين والمثقفين والصحافيين ورجال الدين المسيحي ويطيبون خواطرهم ببعض الكلمات المعزية وشيء من المواساة والمؤازرة مع بعض الهرولة بالكاميرات إلي الكنائس والمطرانيات لعمل بعض اللقاءات وبعض الأحاديث الصحفية مع بعض القساوسة والمطارنة من رجال الدين المسيحي حتي يكتمل المشهد المكرر الممل، وعقباها يرضي المسيحيون المثقفون وتطيب نفوسهم وينتهي الأمر إلي كأن شيئا لم يكن، مما يشعر المرء بأن الفتنة الحقيقية والمعركة الحقيقية كانت في الأساس بين الإعلاميين والصحافيين والمثقفين ورجال الدين الرسميين المسلمين والمسيحيين ولم تكن بين الجمهور الغائب المغيب من أبناء المسلمين والمسيحيين، في تجاهل تام بأن المعركة الحقيقية والفتنة الحقيقية هي في الأساس بين القاعدة العريضة من الشعب وليست بين النخبة من الطائفتين.