تقدم السيدة الفاضلة صفية زغلول زوجة الزعيم الجليل سعد زغلول ورفيقة عمره وكفاحه درسا عمليا بليغا للدور الذي يمكن أن تسهم به المرأة في العمل الوطني والاجتماعي البناء فلا شك أن الإنجاز الذي حققه سعد يدين لها بالكثير وليس أدل علي مكانتها وشعبيتها من اللقب الذي عرفت به واشتهرت ولم تتعرض فيه لمنازعة أو منافسة: أم المصريين. كان رحيلها في الثاني عشر من يناير سنة 1946 يوما حزينا لجموع المصريين بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية فهي رمز مضيء جميل يعود بهم إلي ما يزيد علي ربع قرن عندما اشتعلت ثورة 1919 وكشف المصريون عن معدنهم الأصيل المتوهج عندها تحول بيت سعد زغلول إلي «بيت الأمة» وتحولت زوجة الزعيم إلي أم المصريين جميعا فإذا بالمرأة التي حرمت من نعمة الأمومة هي الأم الخارقة التي يستحيل عليها أن تحصي أسماء وأعداد أبنائها في الشمال والجنوب منهم الطفل والكهل والمسيحي والمسلم. لم يكن مصطفي باشا فهمي والد صفية بالسياسي الشعبي المحبوب فقد تولي رئاسة الوزراء لفترة طويلة متصلة أظهر خلالها الولاء والخضوع للإنجليز فنفرت منه القوي الوطنية وأدانته وشنت ضده الحملات العاتية لكن زوجة الزعيم تختلف جذريا عن ابنة صديق الاحتلال فقد تحملت ببسالة وشجاعة نفي زوجها وهو علي مشارف الستين ودعمته وآزرته وشاركت بفاعلية وإخلاص في نهضة المرأة وتحريرها وانشغلت بالعمل السياسي بعد رحيل الزعيم فانحازت إلي فريق من أتباعه دون فريق لكن لحظة الموت وحدت الجميع ليس لأن الموت يمحو أسباب العداوة والفرقة فحسب بل لأن السيدة صفية قبل كل شيء زوجة الزعيم العظيم الذي يجتهد الجميع في الانتساب إليه والتأكيد علي التمسك بمبادئه وأفكاره. تاريخ مصر حي حافل لا يعرف الركود ومزدحم بعشرات الأسماء المؤثرة من الرجال والنساء الذين أعطوا بلا حساب وتمسكوا بالرهان الدائم علي مستقبل يليق بالوطن الذي يذوبون فيه عشقا قد تختلف الرؤي والاجتهادات وتشتد الاختلافات والصراعات لكنهم يقفون جميعا علي أرضية الانتماء الصلب لكل ما هو مضيء مشرق من المبادئ والقيم: وحدة الوطن، راية الاستقلال، حلم الحرية التي تصنع مناخ الإبداع والتقدم.