فرضت أزمة مباراة الزمالك والمقاصة، والتداعيات الكبيرة التي نتجت عنها، التوجه بتفكيرنا نحو الاستعانة بتقنية إعادة اللقطات المصورة للحالات التحكيمية، التي يدور حولها الجدل والاختلاف، ومنها لمس أحمد سامي، مدافع فريق المقاصة، للكرة بيده داخل منطقة الجزاء، وهي الواقعة التي أثارت ضجة وجدلا عنيفًا، وتصاعدت بسببها الأحداث للدرجة التي دفعت إدارة نادي الزمالك لإعلان الانسحاب من الدوري لو لم تتم إعادة المباراة وانعقدت الجمعية العمومية وفوضت مجلس الإدارة في اتخاذ اللازم بما يحفظ حقوق الزمالك، وكان من الوارد جدًا أن تنتهي هذه الأزمة في لحظتها لو تمكن الحكم من إعادة اللقطات الخاصة بلمسة اليد، والتي لم تكن لتحتاج أي جهد بالمعني المفهوم، نظرًا لوضوحها البيّن، الذي يصعب أن تخطئه العيون! بدا من نبرة الحديث عن اللجوء للقطات الفيديو أن الأمر عندنا مأخوذ بجدية ورغبة صادقة، وأن تطبيق التجربة صار قريبًا، إذ أعلن عصام عبدالفتاح المشرف علي لجنة الحكام، أن هذا سيتم فى غضون أسابيع قليلة وهنا يتعين السؤال: هل التطبيق المتعجل هكذا سيعود بفائدة حقيقية أم لا؟ هل سيكون الوقت المتاح كافيًا على كل المستويات لتكون التجربة فعالة وإيجابية؟ ألم يكن من الأفضل دراسة الأمر بشكل متعمق من خلال الوقوف على تجارب العالم بعد أن أصبحت التقنية مطروحة للمناقشة والتطبيق فى عدة دول؟ ما هى الآلية التى سيتم اللجوء إليها فى سبيل إخراج هذا النظام إلى أرض الواقع؟ هل الأجواء مهيأة لدينا من كل الجوانب للأخذ بهذه الوسيلة الجديدة؟ وهل ستكون كافية لإقناع اللاعبين والأجهزة الفنية والجمهور والإعلام بجدواها؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها باتت ضرورية بعد إقرار هذه التقنية قبل ما يقرب من عام، وموافقة الاتحاد الدولى لكرة القدم على تطبيقها، بما يعكس توجهًا جديدًا لرئيس الفيفا "جيانى إنفانتينو"، الذى يبدو أكثر ميلاً نحو إدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة فى كرة القدم، بعكس "جوزيف بلاتر"، الذى كان أكثر اقتناعًا بإبقاء كرة القدم كما عرفها العالم كل الوقت.. بلا تكنولوجيا، ولا وسائل تقنية حديثة، وكان يقول دائمًا إن أخطاء الحكام جزء من متعة اللعبة. ووسيلة للحفاظ على طبيعتها الإنسانية.. بكل ما فيها من فطرة، وعفوية، وتلقائية، والأمر صحيح إلى حد بعيد، وكان بلاتر محقًا حين وقف فى كل الأوقات مدافعًا عن كرة القدم كما هى، لأنها وبحالتها الطبيعية التى عرفها الناس بها، أوقعت الجميع فى شباك عشقها.. ربما اختلف الأمر الآن، أو ربما بات الواقع مختلفًا عن الماضى، بعد أن زادت حدة الصراع، وصار التنافس أكثر قوة وشراسة، إذ لم يعد فقط صراعًا من أجل الفوز، أو اقتناص نقاط هذه المباراة أو تلك، أو الحصول على بطولة أو لقب، بل أيضًا.. صراعًا على مليارات ضخمة فى صناعة باتت واحدة من أهم الأنشطة الإنسانية على وجه الأرض، ولذلك يسعى الغرب إلى الدقة المتناهية، التى تتيح كما قال "ماركو فان باستن" المدير الفنى للاتحاد الدولى لكرة القدم، أن تصبح القرارات أكثر عدلا، وأكثر تعبيرًا عن الحقيقة، وبالفعل قررت عدة دول البدء فى تطبيق تقنية الإعادة بالفيديو، أو ما تم وصفه اختصارًا حكم الفيديو المساعد، أو vedio assistant refree ويكتبونها اختصارًا "var"، ويأتى على رأس هذه الدول: الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى قررت تطبيقه فى دورى الدرجة الثالثة، بجانب هولندا، وإيطاليا، وألمانيا، وللتوضيح فإن هذه الوسيلة الجديدة ليست كما يتصور البعض مجرد إعادة للقطات تعرض لعبة، أو موقف جرى الاختلاف حوله، فيذهب الحكم لمشاهدتها من خلال مونيتور معلق المباراة، أو الشاشة الملحقة بكاميرا التليفزيون التى تنقل أحداث اللقاء، ولكن هذه التقنية تعتمد على نظام تقنى متكامل، عبر الكوادر البشرية المدربة، ولذلك قرر الاتحاد الألمانى لكرة القدم، ولجنة الدورى الألمانى البدء فى تطبيق هذا النظام مع انطلاق دورى الموسم الجديد فى أغسطس المقبل بحيث يشمل جميع المباريات التى يصل عددها إلى 306 مباريات، والمهم هنا هو أن من سيتولى هذه المهمة هم حكام سابقون سيصل عددهم إلى 4 حكام لكل مباراة، حيث سيتوافر لكل منهم شاشة وتجهيزات تسمح لهم بالحصول على اللقطات المطلوبة، وإبلاغ حكم اللقاء بها خلال ثوان معدودات، وقد بدأت عمليات التدريب المختلفة للكوادر المرتبطة بهذا العمل، وقضى عدد من الحكام بالفعل مرحلتين من التدريب، وهناك مرحلة ثالثة وأخيرة بنهايتها سيكتسب الجميع الخبرات والكفاءة المطلوبة لتنفيذ التجربة بمستوى الدقة والكفاءة الألمانية الشهيرة فى كل المجالات، المهم أن عملية التدريب تتم بالفعل على مباريات رسمية فى البطولات الألمانية المختلفة، ومنها الدورى الألمانى "البوندزليجا" ولكن كل هذه التفاصيل تتم فى الكواليس، ودون استخدام عملى على أرض الواقع، لأن الهدف هو الاستعداد للتجربة القادمة مع الموسم الكروى الجديد. الاتحاد الألمانى حدد 4 حالات فقط هى التى يتم الاحتكام فيها لحكم الفيديو وهى: الهدف المشكوك فى صحته، وضربة الجزاء.. التى تم احتسابها بقرار خاطئ، أو أغفل الحكم احتسابها، وحالات العقوبة بالكارت الأحمر التى قد يخطئ الحكم فى إشهاره للاعب غير من يستحقه، وأخيرًا.. التأكد من هوية لاعب ارتكب تصرفًا يستوجب الحصول على كارت أصفر، أو أحمر. أردت من هذه التفاصيل التأكيد على أن تطبيق التجربة فى العالم وبالتحديد فى ألمانيا يكشف لنا أن القرار الذى اتخذناه بتطبيق هذه التقنية، هو قرار متعجل، لم يراع أهمية وضرورة الاهتمام بكل الجوانب المتعلقة به، والإعداد بجدية، واهتمام، ومراعاة لكل كبيرة وصغيرة، حتى يتحقق الهدف المطلوب من اللجوء لمثل هذه التقنية، بحيث لا تتحول إلى مصدر جديد للصداع.. ونحن لدينا ما يكفينا منه فى كرة القدم!!