وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إنها الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن في تقديره للأمور . الاستعلاء على قوى الأرض حين تحيد ، الاستعلاء على قوانين الأرض حين تضطرب ، الاستعلاء على نظم الأرض حين يأكل القوي فيها الضعيف . إنه الاستعلاء مع ضعف القوة ، وقلة العدد ، وفقر المال ....إنه الاستعلاء الذي لا يتهاوى أمام بطش الغاصب ، لا يتهاوى أمام عرف اجتماعي وتشريع باطل ، لا يتهاوى أمام انقلاب مفضوح لا سند له . إنه الاستعلاء القائم على الحق الثابت ، مع القلوب الموصولة برب الوجود . وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إنه الأمر ليس بالصبر فقط ولا بالثبات فقط ، ولكن بالاستعلاء ... استعلاء الإيمان على القوى الطاغية ... والقيم السائدة ... والتصورات الشائعة إنه الاستعلاء على إعلام كاذب مفضوح ... استعلاء على كل الإشاعات المغرضة ، والأكاذيب الممقوتة وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فأنتم الأعلون غاية وسنداً ومصدراً فالله غايتكم ... وشريعة الله سندكم ... والقرآن والسنة منهجكم ... * أنتم الأعلون إدراكاً وتصوراً .... فأنتم تدركون كل الإدراك أن في هذا الدين لكل داء دواء ، ولكل معضلة شفاء ، ولكل عقدة حلاً ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) * فأنتم تؤمنون أن الإسلام دين شامل كامل لكل نواحي الحياة عبادة وعقيدة أخلاقا وتربية ، اقتصاداً وسياسة ، اجتماعا وحكما . * وغيركم يتخبط بين نظم أرضية ، شرقية وغربية ، لم تقدم له قارورة الدواء ، ومضخات الإطفاء ( ومن كان دليله البوم كان مأواه الخراب ) * أنتم الأعلون تصوراً للقيم والموازين ، فتعاملتم بأخلاق الإسلام مع غيركم من أبناء جلدتكم ، لم تقصفوا قلما ، ولم تكمموا فما ، ولم تمنعوا صاحب رأي أن يعبر عن رأيه حتى ولو خالفكم . * أنتم الأعلون ضميرا وسلوكاً ، فلقد أثبت غيركم أن ضمائرهم قد ماتت وأهيل عليها التراب يوم قبلوا الظلم والضيم لمجرد خصومة سياسية ، فراحوا يستمرءون قتل النساء والطفال والشباب والشيوخ ، ويبررون سفك الدماء ... راحوا يكيلوا بمكاييل مختلفة مختلطة في نفس الأمور ... فاضطربت معاييرهم ، واختلت موازينهم .... فالبقاء لله في ضمائرهم . فتذكروا يا أهل الإيمان جميعاً أنكم أنتم الأعلون حين يضج الباطل ويصخب ... ويرفع صوته ... وينفش ريشه ... وتحيط به الهالات المصنعة التي تغشى على الأبصار والبصائر ، فلا ترى ما وراء الهالات من قبح شائه ذميم ... ووجه كالح لئيم . وبنظر المؤمن من علٍ إلى الباطل المنتفش ، وإلى الجموع المخدوعة ، فلا يهن ولا يحزن ، ولا ينتقص إصراره على الحق الذي معه ، ولا يتزعزع ثباته على المنهج الذي يتبعه ، ولا تضعف رغبته كذلك في هداية المخدوعين . فالمؤمن هو الأعلى يوم يقبض على دينه كالقابض على الجمر ، يوم يشعر بالغربة في دنيا الناس . *الدكتور أشرف طبل - نقيب المعلمين بجنوب القليوبية