ثالث شجون للخروج من المجون والفتون من رجل يُخرج كل ما يستطيع من مستتر مدفون .. كانت شجون تراثية من العقلية الزيدانية للوقوف على ركائز واقعية لحقائق تاريخية داخل الأطر التراثية كي نعي ماهية الهوية. كتاب به من الدسامة ما يوهم القارئ البسيط بالبساطة غير أنه في عمقه إشارات كمنارات ودليل للعليل وتنبيه لكل سفيه . ففي قسمه الأول المعنون بالمسألة المقدسية ومعضلة الإسراء والمعراج رأيت أنه تاريخ البشرية في الثلاث ألفيات ميلادية وبضع مئات قبل أول ألفية منهم ..أكثر من مناقشته لهذة المسألة المقدسية ومشكلاتها .. غير أنه أوضح من خلالها كيفية تسييس الدين وجعله ستار للأهواء الشخصية والأهداف السياسية والنزعة السلطوية الاستعمارية التي تسببت من وقتها إلى يومنا هذا في ذبح وقتل ملايين من البشرية أي كانت ديانتهم الإبراهيمية المُنزله من السماء برسالات ختامها رسالة خير البرية . ورغم وجهة نظره وتفنيده لها بالأسئلة السبعة وإجابته ورده عليها خاصة في مسألة المعراج موضح الدلالة اللغوية والمعنى الإصطلاحي له ولكلمة معجزة غير أنه يقول في رأية إحتمالية الصواب والخطأ .. فمعجزة المعجزات هي القرآن وهو النص الواجب الأخذ منه دون غيره من النصوص الثواني التي أودت إلى الهاوية كما فعل بأنفسهم بنو اسرائيل فيكفي اليوم أن نأخذ منها من يحث على الحب والأخلاق والفضيلة دون غيرها . ورأيي الشخصي في هذة المسألة بالاكمل هي من باب ( الإنسان الكامل وهو محمد ) وهي درجة لم ولن يصلها غيره.. ثم تلا المسألة المقدسية بنهج الأستاذ في تعليم تلاميذه وإخراج أجيال في مجال المخطوط التراثي في مشكلات المخطوطات وكيفية إحياء التراث المجهول للمشتغلين والعاملين بهذا المجال رغم الصعوبات التي تواجه هذا المجال اليوم وقبل .. مُشيرًا إلى كيفية إعادة الفهرسة والنشر لإكمال مشوار لم يسفعه الوقت ولم يُهيأ له المناخ إضافة إلى عدم توفير الإمكانيات ووضع الآليات لإكماله راجياً أن يُكمل أحد المشتغلين به ما بدأه من خلال عرضه للمشكلات وكيفية حلها .. وكأنه يأخذ برهه وهدأه بعد هاتين المعضلتين المؤرقتين في ذكره بعض فصوص النصوص لأناس كالألماس ( الحلاج والجيلي والجيلاني وإبن النفيس وإبن الهيثم وإبن سيناء والرازي ) وكيف هم باتوا على ما هم عليه من خلال فصوصهم التي توضح سموهم الروحي وعقلهم النقدي . ليكون القسم الثاني من الكتاب والذي رغم قلة عدد صفحاته إلا أن أسطر هذة الصفحات كأنها كبسولات إن فُرّغت مضمونها لا يحويها مجلدات .. وعنونه بالتقاليد الصوفية ودورها في المجتمع المعاصر وكفى بهذة الصفحات ذكر أقوال لكبار الصوفية مثل ( الشيخ الأكبر ونجم الدين كبرى ورابعة وذي النون المصري والعطار والجيلي انتهاء بمولانا كلمات من مقدمة المثنوي ) مُشيرا إلى أن الدين هو الحب هو الأخلاق وتقبل هؤلاء للآخر دون تعصب وإدعاء امتلاك الحقيقية والأحقية وأن التصوف هو حالة إنسانية ونزعة روحية ولا سبيل للحضارة الإنسانية بدونه مُظهر بعض جوانب التطبيق العملي له من خلال ما ذكرناهم من كبار الصوفية مؤكد على أن التصوف غير مشروط بملازمة شيخ واتخاذ مرشد كما يدعي البعض معطي مثل لصوفيا البسيطة التي وجدت طريقها بمواجهة عيوب نفسها ومجاهدتها فهذا أول الطريق . مُختتمًا كتابه بنصوص غير منشورة لإبن النفيس الذي أرى أنه مثل لزيدان في عقله النقدي .. وعبارته في أن رُب شنٍعٍ حق ومحمود مألوف كذب والحق حق في نفسه لا لقول الناس له هما دستور زيدان في منهجه البحثي وعقله النقدي .. فكان من هذة النصوص في منهج إبن النفيس وبرهانه العقلي والسمعي وحججه الدالة على وجوب الموت ليبرز للقارئ شخصية وفكر إبن النفيس خاصة لمن لا يعرفه أو لمن لا يستطيع أن يبحث ويقرأ مؤلفاته أو مخطوطاته . في هذا الكتاب حديث عن السيدة عائشة مع الرسول ( ص ) يوضح أن محمد هو النهر الكبير الذي شرب منه كبار الصوفية ويوضح حالة الفناء التام لأحمد ( ص ) في وجده ..وكذا قول زيدان عن القرآن أنه كل جمال وكمال في الدنيا وهو المنبع الذي استقى منه كبار الصوفية أعظم وأعمق وأجمل مفرادات ومعاني عباراتهم وكلماتهم .. وأختم مقالي بقول لأحد كبار الصوفية ( النفري ) ( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة )