كتبت : نانيس البيلي يجلس بجوار أحد أرصفة «ميدان الجيزة»، وأمامه صندوق خشبي وضعت عليه أكياس «مناديل»، يمسك ببعض «البلونات» ويعمد إلى نفخها معلقًا ماانتهى من نفخه بسور الرصيف الحديدي خلفه، جسده نحيل، افترش «كرتونة» تحته لتحميه من خشونة الأسفلت، مرتديًا جاكيت مهتريء يقيه برد الليل، ظهره شديد التقوس، ذو انحنائه ملحوظة لم تخفيها ملابسه. الساعة تقترب من الثانية عشرة منتصف الليل، أصوات أقدام المارة تتسارع والسيارات تنطلق في الاتجاهين، لا أحد يكترث لأمره، يرمقونه بنظرة خاطفة ثم يمضون في طريقهم، قليلون من يتوقوفوا لشراء شيء منه، وعلى هذا الأمل مازال «أبو فاطمة» يجلس مكانه بوسط «ميدان الجيزة» أملاً في بيع علبة «مناديل» أو «بلونة» ليعود برزق أكثر قليلا من اليوم السابق إلى ابنته «فاطمة» بحجرتهما في حي المنيب. يبلغ من العمر 42 عامًا، يمشي على ساق واحدة وعكاز، بعد أن فقد ساقه الأخرى بسبب إصابته بتشوه «الكساح في العضم» مذ كان طفلاً عمره 4 أشهر، وهو ما أثر على حركته بشكل شبه كلي. تحدث «محمد علي منصور» الشهير ب«أبو فاطمة» و في ذاكرته تلوح خيالات ماض يكدر حاضره: «زمان كان الفلاحين معندهمش وعي، وكانت أمي بتشيلني على ضهرها وأنا لسه لحمة حمرا، فسلسلة ظهري اتشوهت، وممكن يكون بسبب الحمى الشوكية.. معرفش السبب»، يعود ليكمل نفخ البلالين، ويتمتم: «ربنا أراد كده، الحمد لله، ده عملي تشوهات في العضم بس، لو كان جالي شلل مكنتش اتجوزت، عندي رجل واحدة سليمة ممكن أمشي على عكاز، بس مخدتش على العكاز من صغري، بمشي على كرسي معوقين». منذ 25 عامًا جاء «أبو فاطمة» من مركز نبروه بمدينة المنصورة إلى قاهرة المعز، ويعمل «أرزقي على باب الله»: «بشتغل في أي حاجة، لو أي حاجة لاقيتها قدامي ممكن يطلع منها قرش حلو أشتريها وأبيعها.. بلالين، مناديل، لعب أطفال، طراطير بما إن رأس السنة جاية، ويعني حسب المناسبات، بشتغل من 9 الصبح وبروح 12 بليل».
«اتجوزت 4 مرات، الأولى كانت من كفر الشيخ والثانية من إسكندرية، والثالثة من المنوفية، والرابعة من العراق» يقولها «أبو فاطمة» بزهو، مؤكداً أن طلاقه من كل واحدة كانت له أسبابه، فإحداهن رفضت الإنجاب منه وكانت تجهض نفسها، والزوجة العراقية كانت اكتشف أنها تنتمي للطائفة الشيعية بينما هو سني و الزوجتان الآخرتان طلبتا الانفصال فاستجاب لهما، مشيراً إلى أن ابنته الوحيدة «فاطمة» صاحبة ال11 عام من زوجته الثالثة وتعيش معه بحجرته بالمنيب بعد أن تنازلت والدتها عن حضانتها له.
«لايعيق الإنسان إلا عقله بس، وأنا خدت على إني أشتغل وأجيب أكلي بعرقي» يقولها «أبو فاطمة» مؤكداً إصراره على العمل وعدم مد يده لأحد، ويضيف «عاوز موتوسيكل بثلاث عجلات لأني بتعب في المواصلات، ومعاش يعيشني حياة كريمة» هذا كل مايأمله «أبو فاطمة» ويقول: «مبعرفش أقول لواحد إديني، مخدتش على كده، أقول لحد إديني ليه، أنا زي زيه، اللي بيعدي ممكن يشتري كيس مناديل بجنيه لكن مقلوش إديني، لأن اللي بيدي العباد ربنا سبحانه وتعالى، ده اللي تسأليه..لو لاقي فرصة هشتغل وهبقى مية المية بس أنا مش لاقي فرص».
الالتحاق بالجيش حلم لم يتمكن «أبو فاطمة» من تحقيقه بسبب إعاقته، فيقول: «لو كنت سليم أتمنى إني أدخل الجيش وأحمي وطني»، ويؤكد دعمه للجيش في حربه على الإرهاب ويتابع بحماس كبير: «الجيش ماشي كويس أوي، وأنا مؤمن بالجيش المصري جداً، لأن الرسول دعا له، وحب الأوطان سنة عن النبي زي ماكان بيحب مكة وحزن لما خرجوه منها، وربنا حب مصر وذكرها في القرآن.. وربنا يقوي الرئيس السيسي ويعينه علينا، لأن مسؤلية رئيس الجمهورية مش حاجة سهلة».