ريتشارد هولينغهام صحفي علمي احتفل مؤخرا القائمون على مهمة فضائية تستهدف تتبع الانفجارات الأعنف من نوعها في الكون بمرور عشر سنوات على انطلاقها. في السطور التالية، يكشف الصحفي العلمي ريتشارد هولينغهام النقاب عن الكيفية التي غيرت من خلالها هذه المهمة، التي تحمل اسم "سويفت"، رؤيتنا للكون. لا يوجد منّا من يريد أن يعلق في طريق أحد الانفجارات المسببة لانبعاث آشعة غاما. فهذه الانفجارات، كما يقول نيل غرلِز، الباحث الرئيسي بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بخصوص مهمة "سويفت"، هي "الأكثر إضاءة وتألقا، والأعلى مستوى من حيث الطاقة أيضا، منذ حدوث الانفجار الكبير". لكن ما الذي قد يحدث إذا ما ضربت الأرض واحدة من إشعاعات الموت الكونية هذه، والتي تعرف بأنها ذات موجات كهرومغناطيسية عالية التردد؟ يقول غرلِز - بلهجة تعكس أن مثل هذه العواقب تشكل أمرا حتميا -: "بالنسبة لكوكب يقع على بعد 1000 سنة ضوئية، فسيدمر (انفجار من هذا النوع) طبقة الأوزون المحيطة به. أما إذا كان الكوكب على بعد 100 سنة ضوئية فحسب، فقد يؤدي ذلك إلى تفجير غلافه الجوي". ويضيف: "فرص حدوث ذلك لكوكب الأرض محدودة على نحو ما، فقد تحدث مرة واحدة كل مليار عام". ويشير إلى أن التهديد الذي تمثله انفجارات أشعة غاما بالنسبة للأرض لا يماثل في خطورته بالقطع "ذلك الذي يتمثل في (إمكانية) سقوط كويكبات عملاقة على كوكبنا". ولكن على الرغم من ذلك، فربما تستحق مثل هذه الانفجارات مواصلة إبداء الاهتمام بها. رصد على مدار الساعة ويقود نيل غرلِز فريقا دوليا من العلماء، يضم أعضاءً في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا. ويتولى الفريق تشغيل قمر صناعي يحمل بدوره اسم "سويفت"، ويستخدمه هؤلاء الباحثون لدراسة المنحى الذي تتخذه مثل هذه الأحداث الكونية، ومنشأ تلك الأحداث كذلك. وُوضع هذا القمر في مداره منذ نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2004، وقد أُطلق عليه اسم "سويفت"، ويعني "السريع" باللغة الانجليزية، نسبة إلى قدرته على الاستجابة الفورية لكل ومضة من تلك الومضات الإشعاعية العالية الطاقة، التي يصل عدد ما يرصده منها كل عام إلى نحو 90. فبمجرد أن يرصد القمر انفجارا لأشعة غاما في مكان ما في نطاق رؤيته، يبدل اتجاهاته لتوجيه الأشعة السينية التي يستخدمها، وكذلك تلسكوباته البصرية، صوب مكان وقوع الانفجار. وفي نفس الوقت، يتلقى فريق العلماء يعمل على الأرض رسالة نصية تُخطِره بحدوث الانفجار، وذلك في غضون ثوانٍ معدودات من وقوعه. وفي هذه الحالة، كما يقول غرلِز، يتوجه العلماء على الفور إلى حواسيبهم المحمولة ويسجلون الدخول على أنظمتها "حتى لو كنا (نقود سياراتنا) على الطريق أو ما شابه، ثم نستخدم هواتفنا لإجراء مشاورات عبر دائرة تليفزيونية مغلقة مع باقي أعضاء الفريق". وخلال 15 دقيقة من لحظة وقوع الانفجار، يصدر هؤلاء العلماء تنبيها يُمكِّنُ المراصد الأخرى على الأرض من توجيه تلسكوباتها تجاه مصدره. ويمكن استدعاؤهم في أي وقت، بالضبط كما لو كانوا أطباء طوارئ، وقد يُوقظ العلماء الموجودون في مناوبة عمل ما في إطار مهمة "سويفت" حتى في منتصف الليل للتعامل مع حدث فلكي وقع على الجانب الآخر من الكون. ويقول غرلِز في هذا الشأن: "إنه لأمر مثير حقا، إذ إنك تقوم باكتشافات، وتتعلم أشياء جديدة في مختلف ساعات الليل والنهار". الثقوب السوداء والاكتشافات ذات الصلة لكن هناك من لا يتفق مع مثل هذا التقييم، مثل زوجة غرلِز، التي يقول زوجها الباحث الرئيسي في المهمة إنها كانت مستمتعة بها في بادئ الأمر، ولكنها "سرعان ما بات (الأمر) بالنسبة لها مزعجا. وبمرور المزيد من الوقت، صارت لا تكترث بالأمر برمته". من ناحية أخرى، لم يكن هناك من يعلم على وجه التحديد قبل بدء مهمة "سويفت"، الأسباب التي تقف وراء حدوث انفجارات أشعة غاما. أما الآن، فقد بات علماء الفلك على يقين تام بأن أي انفجارات طويلة الأمد، مما يتمثل في أي انفجار يزيد مداه الزمني على ثانيتين، تنجم عن انهيار مراكز النجوم، كبيرة الكتلة، على نفسها، ويؤدي هذا إلى تشكل ثقوب سوداء. وعندما تنفجر هذه النجوم بعد ذلك، مُندثرةً في غياهب النسيان، ينبثق وميض من إشعاعات غاما عبر الفضاء. أما النوع الثاني من هذه الانفجارات، وهو ما يقل مداه الزمني عن ثانيتين، فيضم ما يُصنف على أنه انفجارات محدودة المدى. وخلص فريق العمل في مهمة "سويفت" إلى أن مثل هذه الانفجارات ناجمة عن تصادم اثنين من النجوم النيوترونية العالية الكثافة، وهي أجسام كونية لا تتجاوز بضعة كيلومترات عرضا، ولكن كتلتها تضاهي كتلة الشمس. وتساعد هذه المعلومات في تفسير الأسباب التي تجعل الانفجارات الناجمة عن ذلك التصادم ضخمة وهائلة للغاية. واكتشف فريق العمل في مهمة "سويفت" كذلك، إلى جانب ذلك، أن انفجارات أشعة غاما ذات أهمية حيوية فيما يتعلق بتطور الكون. وهنا يقول غرلِز: "عندما يقع انفجار لأشعة غاما قرب نجم يشكل جزءاً من نظام كوكبي (وهو نظام مؤلف من عدة أجرام تدور حول نجم)، يمكن أن يكون لمثل هذا الانفجار تأثير شديد الأهمية والتدمير" في آن واحد. تشوه الزمن بالإضافة إلى ذلك، فربما تكون الانفجارات التي تقود لحدوث الومضات المحتوية على إشعاعات غاما هي مصدر كل كميات الذهب الموجودة في الكون. وفي هذا السياق، يقول غرلِز: "كان هناك انفجار (من هذا النوع) ذو توهج غير عادي، أنبأنا بأن هناك الكثير من العناصر الثقيلة مثل الذهب قد تَوَلَدْت، ومنحنا ذلك بالقطع فكرة عن المصدر الذي أتى منه الذهب". ونظرا لأن الضوء القادم من الجانب الآخر من الكون يستغرق وقتا طويلا للغاية للوصول إلى الأرض، فإن بعض إشعاعات غاما التي رصدها قمر "سويفت" بدأت رحلتها في واقع الأمر صوب كوكبنا بعد وقت قصير من وقوع "الانفجار الكبير" قبل 13.7 مليار عام. وعندما يقع انفجار من هذا القبيل، فإنه يؤدي إلى إضاءة المنطقة التي وقع فيها من الفضاء، ويمنح هذا علماء الفلك فرصة لإلقاء نظرة إلى الوراء عبر الزمن، لرصد لحظة مولد النجوم المبكرة للغاية، التي نشأت قبل نحو 500 مليون عام من ظهور الكون إلى حيز الوجود. ويقول الباحث الرئيسي في تلك المهمة: "علمنا كيف كان يبدو الكون في مراحله المبكرة. عندما وُلِدَ الكون، كان لا يوجد سوى عنصريّ الهيدروجين والهيليوم، ولكن الانفجارات بدأت في تلقيح المجرة بعناصر أكثر كثافة مثل الكربون والنيتروجين والحديد - وهي العناصر التي تُكَوِن أجسامنا". ولا يقتصر الأمر على أننا ندين بوجودنا ذاته لهذه الانفجارات الكونية، إذ إن ثمة أدلة تشير إلى أن النظام البيئي للأرض يتأثر على نحو مباشر بهذه الومضات الانفجارية من الطاقة. وأشار بحث، نُشر عام 2013، إلى أن انفجارا إشعاعيا ضرب كوكبنا في القرن الثامن الميلادي، ربما كان ناجما عن انفجار لأشعة غاما، وذلك بالرغم من أن غرلِز يميل إلى اتخاذ موقف متحفظ في هذا الشأن. فبعد عشر سنوات من القيام بأنشطة المراقبة والملاحظة العلمية، يرى غرلِز أن القمر الصناعي "سويفت" صالح لأن يبقى قيد التشغيل لخمس سنوات أخرى على الأقل. ولكن هذا القمر غير بالفعل من الكيفية التي يرى بها علماء الفلك الكون. ويقول غرلِز إنه قبل إطلاق مهمة "سويفت" اعتاد علماء الفلك تبني اعتقاد مفاده أن الكون "هو مجموعة مستقرة من النجوم والمجرات". وقد اختلف الأمر الآن، بحسب ما يقول هذا الباحث، الذي يشير إلى أنه إذا ما "ارتدينا 'نظارات أشعة غاما‘ ونظرنا إلى السماء، فستكون حافلة بالانفجارات والفوران والتوهج. إنه نمط مختلف تماما من الكون المتقلب". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.