يعد الرفض الحاسم من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي – الهيئة الجنائية الدولية الدائمة الوحيدة فى العالم – لسائر الدعاوى للجماعة الإرهابية، ضد عدد من كبار المسئولين المصريين, يزعمون ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، و انتهاكات أخري لحقوق الإنسان, بعد 30 يونيه عام 2013 م, قرارا كاشفا عن أمرين أثنين: الأول سياسي, حيث يكشف و يدلل من جديد مدى التخبط والمصير البائس الذى لا محالة ينتظر الجماعة فى سائر المحافل الدولية, و الثاني قانوني، حيث يدحض قرار المحكمة المتقدم كل هذه الادعاءات و الأباطيل ضد السلطة الشرعية الحالية فى مصر التى ارتضاها الشعب المصرى منذ ثورة 30 يونيه عام 2013 م. فلطالما حاولت الجماعة الإرهابية، أن تنازع فى سلطة تمثيل الدولة المصرية فى المحافل والمنظمات الدولية, ومن بينها المحكمة الجنائية الدولية, و ذلك حين تقدمت لمسجل المحكمة، و عن طريق فريقها القانوني في 13 ديسمبر عام 2013, ملتمسين قبول ممارسة المحكمة الاختصاص عملا بالمادة 12 ( 3) من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة في عام 1998 م، في ما يتصل بالجرائم المزعوم ارتكابها في إقليم دولة مصر منذ 1 يونيه 2013 م. حيث تتيح تلك المادة المشار إليها للدولة غير الطرف في النظام الأساسي للمحكمة بأن تعلن المحكمة صراحة، و بشكل رسمي عن قبولها ممارسة المحكمة لاختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث, و تعد هذه الآلية أحد الشروط القانونية المسبقة لممارسة المحكمة اختصاصها المقرر بموجب النظام الأساسي للمحكمة. لقد وضحت المحكمة الجنائية الدولية في الثامن من مايو الماضي كافة الإجراءات الشكلية و الأسانيد القانونية التي استند عليها مكتب المدعي العام للمحكمة – و هو هيئة مستقلة منفصلة عن سائر هيئات المحكمة – في رفضه الحاسم الجازم لإعلان الجماعية الإرهابية للمحكمة قبولها اختصاص المحكمة بملاحقة كبار المسئولين المصريين بعد 30 يونيه جنائيا. فقد أشارت المحكمة في بيانها الصحفي المتقدم إلي أن مسجل المحكمة بعد اجتماعه في مقر المحكمة بلاهاي بالفريق القانوني الممثل للجماعة الإرهابية, أحال هذه الوثائق إلى مكتب المدعي العام للمحكمة, وتلقى مكتب المدعي العام أيضا معلومات إضافية من محامي مقدمي الطلب وعقد اجتماعات معهم, حيث تسمح المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة للمدعي العام للمحكمة أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه علي أساس المعلومات المتلقاة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. إن المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا تزال يتم النظر إليها من الكثيرين من الفقهاء و الباحثين العرب علي إطلاقها, أي دون النظر و الاعتبار لماهية الدولة التي سيباشر فيها المدعي العام تحقيقاته و من تلقاء نفسه, أي هل هذه الدولة عضو في النظام الأساسي للمحكمة, أم دولة غير عضو في ذلك النظام, و هذه النظرة القانونية القاصرة مغايرة تماما للنظام الأساسي للمحكمة الذي لا يتبني الولاية القضائية العالمية, سواء من حيث أقاليم الدول, حيث يقتصر اختصاص المحكمة الولائي حصرا في إقليم الدول الأعضاء بالمحكمة – إلا في حالات استثنائية غير منطبقة في الحالة المصرية, فضلا عن أن اختصاص المحكمة أيضا يقتصر فقط علي الجرائم أشد الخطورة موضع الاهتمام الدولي بأسره, و هي جريمة العدوان, و جريمة الإبادة الجماعية, و جرائم الحرب, و الجرائم ضد الإنسانية. فالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يتقيد في استقلاليته بمباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه بضرورة التأكد من مدي توافر الشروط المسبقة للممارسة الاختصاص طبقا للمادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة: فيشترط أن يكون المتهم من مواطني دولة طرف, أو أن تكون الجريمة قيد البحث قد ارتكبت فوق إقليم دولة طرف, أو تصدر دولة غير طرف – مثل مصر الدولة – إعلانا تقبل بموجبه اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجريمة محل البحث, و هذا ما لم يصدر عي وجه الإطلاق من السلطات المصرية, بل أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أصدرت أيضا بيانا سابقا أعلنت فيه رفض جمهورية مصر العربية المطلق لممارسة المحكمة أية تحقيقات تتعلق بجريمة مدعاة في مصر, بعد أن استوضحت المحكمة الجنائية الدولية عن نية مصر في هذا الشأن. لقد أكدت المحكمة أيضا في بيانها المتقدم في الثامن من مايو الماضي, أنها قامت بإجراء تحليل وقائعي وقانوني دقيق للرسالة والمعلومات الإضافية المتلقاة من مقدمي الطلب, و أنه وفقا لهذا الإجراء فقد خلص و قرر مكتب المدعي العام, أن الإعلان المزعوم المقدم إلى مسجل المحكمة في 13 ديسمبر 2013 لم يقدمه, وفقا للقانون الدولي, أي شخص يتمتع بما يلزم من السلطة أو يحمل "وثيقة تفويض" لتمثيل دولة مصر لغرض التعبير عن موافقة هذه الدولة على ممارسة المحكمة الاختصاص. وباختصار, لم يكن لمقدمي الطلب حق التقاضي لمطالبة المحكمة بممارسة الاختصاص عملا بالمادة 12 (3) من نظام روما الأساسي. جلي, أن المحكمة أسست فقهها المتقدم بشأن الأشخاص الذين يتمتعون بالسلطة وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية عام 1969 م, و هم: رئيس الدولة, أو رئيس الوزراء, أو وزير الخارجية, و هؤلاء الأشخاص فضلا عن اعتراف القانون الدولي لصفتهم التمثيلية في التفاوض نيابة عن الدولة في ابرام المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و دون حاجة إلي تفويض رسمي لممارسة هذا الاختصاص, أما أي وزير أخر أو دبلوماسي أو موظف فني فلا يستطيع أن يمارس الاختصاص المشار إليه إلا بتفويض رسمي خاص بذلك. فحين زعم الفريق القانوني للجماعة الإرهابية للمحكمة أن الوثائق المقدمة, المؤرخة في 10 أغسطس 2013, موقعة نيابة عن الحكومة المصرية. أكد مكتب المدعي العام أنه وبعد دراسة متأنية لجميع الحقائق, استنتج ا أنه, وفقا للقانون الدولي, لم يتمتع مقدمي الطلب بما يلزم من السلطة ولم يحملوا "وثيقة تفويض نيابة عن دولة مصر, سواء في تاريخ التوقيع على الإعلان أو في تاريخ تقديمه لمسجل المحكمة. لقد قطعت المحكمة أيضا أية شكوك أو ريب تختلج في أفئدة غير الفاهمين للفارق القانوني الرئيس بين الثورة التي تتغيا تغيير كل السياسيات و العقائد و الأيديولوجيات البائدة و بين الانقلاب الذي يتغيا اغتصاب السلطة و حسب و إحلال حاكم بحاكم أخر, فقد أشارت المحكمة الموقرة إلي أن قائمة المراسم الخاصة بالأممالمتحدة إلى أن رئيسا جديدا للدولة (السيد عدلي منصور), ورئيسا للحكومة (السيد حازم الببلاوي), ووزيرا للخارجية (السيد نبيل فهمي) عينوا في يوليه 2013 وإضافة إلى ذلك, في 5 ديسمبر 2013, قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة من دون تصويت وثائق تفويض الوفد المصري برئاسة وزير الخارجية الحالي, السيد نبيل فهمي. ويدل ذلك دلالة واضحة على أن أيا من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة لم يعتبر ممثلي الدكتور محمد مرسي ممثلين لدولة مصر في الأممالمتحدة بدلا من الوفد الذي قبلت وثائق تفويضه. لقد أكد مكتب المدعي العام في البيان المتقدم أن المزاعم التي تحتويها الرسالة التي قدمها الفريق القانوني للجماعة الإرهابية خارجة عن الاختصاص الإقليمي والشخصي للمحكمة, كما وضحنا سابقا, و من ثم قرر أنه لا يستطيع المضي في إجراءات شكوى مقدمي الطلب أو فحص الجرائم المزعوم ارتكابها في الدولة أي مصر. و في معرض تقدير المحكمة للسلطة الفعلية القائمة في البلاد و التي تمارس سيطرتها علي إقليم الدولة استندت المحكمة الي المعيار القانوني الخاص "بالسيطرة الفعلية", حيث تدلل قواعد القانون الدولي علي أن الكيان الذي يسيطر فعليا على إقليم دولة ما, ويتمتع بالطاعة المعتادة من معظم السكان , وتتوقع استمرار يته على نحو معقول, يعترف به كحكومة لتلك الدولة بموجب القانون الدولي. وبتطبيق هذا المعيار على كل من تاريخ التوقيع على الإعلان المزعوم وتاريخ تقديمه, يستنتج أن الدكتور مرسي لم يعد حائزا على السلطة الحكومية ولم يكن متمتعا بالصفة القانونية التي تخوله تحمل التزامات قانونية دولية جديدة بالنيابة عن دولة مصر. وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنه, في جميع الأوقات المتصلة بالقضية, لم يمارس مقدمو الطلب السيطرة الفعلية على أي جزء من إقليم مصر, بما في ذلك في تاريخ التوقيع على الإعلان. كما أنه لا يتفق مع معيار "السيطرة الفعلية" أن توجد سلطة معروفة تمارس السيطرة الفعلية على إقليم دولة ما, وتحتفظ السلطة الأخرى المنافسة بالصفة اللازمة للانضمام إلى المعاهدات الدولية. و ردا علي الأباطيل و الافتراءات التي لم نسمعها منذ أكثر من قرن من الزمان – الا من الجماعة الإرهابية – و تحديدا منذ إنشاء المحاكم الدولية المختلفة, و مفادها أن المحكمة الجنائية الدولية قد تلقت رشاوى مالية من دول معينة حتي تصدر المحكمة قراراها المتقدم، فقد أكد مكتب المدعي العام, أنه يتصرف في جميع الأوقات, بشكل صارم وفقا للنطاق القانوني لنظام روما الأساسي, وهو المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية. ولا مكان للسياسة أو الاعتبارات السياسية أي دور في القرارات التي يتخذها المكتب وفي تنفيذ ولايته المستقلة والنزيهة. لقد عكس قرار المحكمة المتقدم, المبادئ الدستورية و القانونية المستقرة منذ عهد الإغريق, و هي أن الديمقراطية الشعبية المباشرة – التفويض الشعبي – هي التعبير الأمثل و الأصدق و الأصح عن الإرادة الشعبية, بل هي أصل الديمقراطيات قاطبة. فالشعوب هي فقط التي تمنح و تمنع, و هي التي تنصب الحكام علي عروشهم و تخلعهم عنها, إن استبدوا أو خانوا الأمانة و الوديعة التي أودعت فيهم و هي إرادة الشعب, و إذا كان الصندوق الأصم هو التعبير الجامد عن إرادة الشعوب, فحناجر الملايين من غالبية الشعب في 30 يونيه عام 2013 هي الإرادة الحية التي لا تموت. لقد دحض قرار المحكمة المتقدم ادعاء الجماعة الإرهابية وعلى الرغم من أن محامي مقدمي الطلب احتجوا بأن قرار الاتحاد الأفريقي بتعليق مشاركة مصر في أنشطته يشير إلى وجود رفض جماعي للاعتراف بالحكومة الجديدة, التي وصلت إلى سدة الحكم في 3 يوليه 2013, فإن مكتب المدعي العام خلص إلى أن هذا لا يعدل الاستمرار في الاعتراف بالدكتور مرسي كرئيس للدولة المصرية. و ختاما, ووفق كل هذه الأسانيد القانونية و الوقائع المادية التي ساقتها الهيئة القضائية الجنائية الدولية المستقلة الوحيدة في العالم, فإننا نجزم أن هذه الهيئة لم تتوصل إلي هذه الحقيقة القانونية, و القرار المتقدم بناءا علي رأي انفرادي عن هيئة, أو مكتب واحد من هيئات المحكمة , بل شاركت فيه سائر الهيئات المختصة في المحكمة بمثل هذه الأمور, و نجزم أيضا في ذات الصدد إن المحكمة استشارت لجنة محايدة مستقلة من خبراء القانون الدولي كي تتوصل لقرار قانوني سديد, و إن كان تاريخي أيضا لثورة 30 يونيه المجيدة. .