تناقلت وسائل الإعلام العالمية البيان الصحفي الذي صدر عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ، و الذي رفض الدعاوي الجنائية التي رفعها الفريق القانوني لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية يطالبون المحكمة بملاحقة و مقاضاة مسئولين كبار في مصر بزعم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية ، من بينها القتل و انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مصر ، و تحديدا بعد ثورة 30 يونيه 2013م . لقد تقدم محامون عن الجماعة بطلبهم للمحكمة الجنائية الدولية زاعمين و مدعين أنهم ينوبوا عن السلطة الشرعية المنتخبة في البلاد ، و أن السلطة الحاكمة الأن في مصر لا تعدو إلا سلطة غاصبة مغتصبة للشرعية و لا تعدو إلا انقلابا عسكريا ، خلع أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد ، و لقد حاول هؤلاء أن يستفيدوا من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية و الذي يرخص للدولة الغير طرف في ذلك النظام – و منها مصر بطبيعة الحال – أن تتقدم بإعلان صريح يقدم للمحكمة يكشف عن موافقة الدولة باختصاص المحكمة في جريمة او جرائم وقعت في هذه الدولة ، و هذا الإعلان لا يعني أيضا الاعتراف أي الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة . لقد حاولت الجماعة الإرهابية أن تنازع في سلطة تمثيل الدولة المصرية في المحافل والمنظمات الدولية ومن بينها المحكمة الجنائية الدولية، ولقد أكدت المحكمة الجنائية الدولية من خلال قرارها المتقدم ، أن هذه المنازعة ضرب من الخيال, ولا تعدو إلا أن تكون مجرد أضغاث أحلام، فالمحكمة الجنائية الدولية مؤسسة قضائية وليست سياسية مثل منظمة الأممالمتحدة ، ولديها سلطة تقدير وتكييف ما إذا كان طالب العضوية والانضمام للمنظمة الدولية يعد دولة بموجب النظام الأساسي للمحكمة و ليس بموجب الأهواء و الاعتبارات السياسية ، و يجب علي المحكمة قبل إن تتخذ أي إجراء من الإجراءات المتعلقة بالدعوي, التأكد من احترام الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص طبقا للمادة 12. ويتضح ذلك من نص الفقرة الأولي لهذه المادة المشار إليها, فالشرط الأساسي لممارسة المحكمة اختصاصها بملاحقة الجرائم التي تحال عليها بناء علي احدي الطرق المشار إليها في المادة 13, هو إن تكون الدولة المعنية طرفا في النظام الأساسي للمحكمة –وهذا أمر ليس محل اختصاص المحكمة في الحالة المصرية- فمثل هذا الشرط يعد نتيجة منطقية بسبب تبني النظام الأساسي في شكل اتفاقية دولية, فالمبدأ العام هو أن التعاقد لا يمكن إن يضر أو يفيد الغير, ويعبر عن ذلك بمبدأ نسبية المعاهدات, أي ان اثر المعاهدات الدولية يقتصر علي إطرافها فقط. والمقصود بالدولة الطرف حسب المادة 2 فقرة 1 من اتفاقية فبينا لقانون المعاهدات لعام م1969 كل دولة وافقت علي إن تلتزم بالمعاهدة وأصبحت المعاهدة نافذة عليها, كأن تصادق علي المعاهدة أو تقبلها أو تقرها أو تنضم إليها, أما الدولة الغير –كما في الحالة المصرية- حسب نفس المادة فهي الدولة التي ليست طرفا في المعاهدة. فسيادة الدولة احد أهم المبادئ المستقرة في كلا من القانون الدولي والعلاقات الدولية منذ إبرام معاهدة "ويستفاليا" عام 1648م. فسيادة الدولة هي السلطة العليا والتي لا تعلوها سلطة, وميزة الدولة الأساسية والملازمة لها والتي تتميز بها عن كل ما عاداها من تنظيمات داخل المجتمع السياسي المنظم, فالدولة هي مصدر إصدار القوانين والتشريعات, والجهة الوحيدة المخولة بمهمة حفظ النظام والأمن, وفرض القانون عن طريق الإكراه والجزاء والقوة في حالة الضرورة, وإقامة وحماية علاقاتها الخارجية, وبالتالي المحتكرة للشرعية الوحيدة ، ولوسائل القوة وحسن استخدامها لتطبيق القوانين. ويترتب علي ما سبق حقيقة قانونية مهمة: وهي "وحدانية السيادة", أي عدم إمكانية نقلها أو تفويضها فالتفويض بالمعني القانوني يعني تفويض المفوض شخص آخر لممارسة جزء من الصلاحيات. أما التفويض في سيادة الدولة فلا يمكن أن يتناول أساس الحق بل تطبيقاته ونتائجه العملية. ذلك أن كل تفويض موضوعه الإرادة, وبموجبه تتنازل الدولة عن سيادتها, هو باطل ومستحيل لأن السيادة لا يمكن تفويضها ولأن التفويض كالتنازل يفقد المتنازل إرادته وشخصيته, وما يمكن تفويضه في هذا الإطار هو الممارسة فقط لا أساس السيادة. فالسيادة أيضا هي تعبير عن الإرادة العامة, لذلك فانه من المستحيل أن يتنازل الشعب عن إرادته, كما يستحيل علي الأفراد ذلك لأن هذا التنازل يؤدي إلي زوال الإرادة ، وانعدام الشخصية التي تتولد عنها, وبالتالي انعدام السيادة. غني عن البيان ان سائر السلطات والمؤسسات والهيئات العامة في مصر بعد ثورة 30 يونيو عام 2013 هي التي تعبر عن إرادة الشعب المصري الأبي الذي ثار من فوره ضد حاكم مستبد طاغ، ونظام سلطوي غير ديمقراطي, توسل بوسائل الإقصاء، وتشبث بممارسات المغالبة, وعدم الحوار, وهدم كل ثقافة التسامح وقبول الأخر وهي جل القيم والمبادئ الديمقراطية التي لطالما تشدق بها ذلك النظام, فضلا عن أن ذلك النظام الذي خلعه الشعب -ومن أسف- كان أول نظام سياسي ديمقراطي من حيث الشكل والصورة, بيد أنه كان أيضا أول نظام سياسي استعدائي تمييزي فرز الشعب وصنفه فئتين اثنتين, واحدة منها وصمها بالأهل والعشيرة وهم أهل الحظوة فنعموا بالنعم. أما الفئة الثانية فكانت فئة المنبوذين من جموع الشعب الذين رفضوا الهوان وامتهان كرامة الإنسان فحظوا بالنقم ، إلا أنهم صبروا وشحذوا الهمم حتى كان يوم الخلاص الذي شاهدة العالم بأسره دون استثناء أو إقصاءفي 30 يونيه عام 2013 م ، وعلي المستوي الدولي فان الحكومة المصرية بمؤسساتها وهيئاتها وأجهزتها العامة هي التي تمثل مصر وتنوب عنها في منظمة الأممالمتحدة وسائر وكالاتها وهيئاتها المتخصصة, وهي التي تمارس أيضا علاقاتها الدبلوماسية والقنصلية مع سائر الدول أعضاء منظمة الأممالمتحدة منذ ثورة 30 يونيو عام 2013م ، ولا يستطيع اثنان أن يتنازعان في هذه الحقيقة القانونية إلا إذا أنكرا الواقع، أو نكلا عن شهادة الحق. إن الرفض الحاسم من المحكمة الجنائية الدولية ، و هي الهيئة الجنائية الدولية الدائمة الوحيدة في العالم لسائر الدعاوي الوهمية للجماعة الإرهابية ضد المسئولين المصريين يؤكد من جديد مدي التخبط و البؤس و المصير البائس الذي لا محالة ينتظر الجماعة في سائر المحافل الدولية ، فالجماعة الدولية التي أعلنت تضامنها و تعاونها الدولي لمكافحة الإرهاب لن تنطلي عليها الأباطيل التي ما فتئت تبثها الجماعة ، و إن قرار المحكمة المتقدم يدحض كل هذه الأراجيف ضد السلطة الشرعية في مصر التي ارتضاها الشعب المصري. الدكتور أيمن سلامة خبير القانون الدولي