لم ينج الجيش اللبناني هو الآخر من التراشق السياسي والنيران الكلامية الصديقة وذلك بعد أحداث عبرا بصيدا بجنوب البلاد والتي قام خلالها الجيش بالقضاء على المجموعة المسلحة التابعة للشيخ السلفي أحمد الأسير. وفقد الجيش اللبناني في العملية وما سبقها من اعتداء على حاجز عسكري نفذه مسلحو الشيخ الأسير نحو 20 شهيدا وأكثر من 150 جريحاً. تحالف 8 آذار ولاسيما حزب الله يرى أن الجيش اللبناني أنقذ البلاد من فتنة حقيقية بقضائه على المجموعة التابعة للأسير لأن هذه الظاهرة كان يمكن أن تستفحل في صيدا ( ذات الأغلبية السنية) عاصمة الجنوب وبوابته إلى بيروت ، مما كان سيؤدي إلى إغلاق الطريق أمام أهل الجنوب (وأغلبهم من الشيعة ) وبالتالي سيكون هناك ردة فعل من أهل الجنوب قد تستغل لتوريط سلاح حزب الله في فتنة داخلية سنية شيعية. في المقابل ، فإن قوى 14 آذار وخاصة تيار المستقبل تتبنى خطابا مختلفا تماما إذ ترى أن حزب الله شارك في المواجهة إلى جانب الجيش ضد الأسير ، كما تتحدث عن انتهاكات ارتكبها الحزب والجيش على السواء ضد السنة في عبرا، أدت إلى وفاة شخص جراء التعذيب في مخابرات الجيش ، وأن الأمر برمته جزء من استهداف للطائفة السنية في البلاد. ويؤكد التيار أيضا أن منزل نائبة صيدا بهية الحريري القيادية في تيار المستقبل وشقيقة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري تعرض لإطلاق نار أثناء الأحداث ، كما ترى قيادات تيار المستقبل و14 آذار أن ظاهرة الأسير هي ردة فعل على سلاح حزب الله غير الشرعي وعلى الاستقطاب الناشئ من مشاركة الحزب في الصراع بسوريا. ويصل خطاب تيار المستقبل في هذه القضية إلى حد تلميح رئيس كتلة التيار النيابية فؤاد السنيورة إلى أن الشيخ أحمد الأسير قد استدرج إلى فخ. إشكالية خطاب تيار المستقبل في هذه القضية إنه لايشتبك هذه المرة فقط مع خصومه التقليديين ممثلين في حزب الله وحركة أمل وحلفائهما، بل أيضا مع قوى سياسية ينظر لها تقليديا أنها ليست بعيدة عنه أو محايدة مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي حذر من الاستمرار فيما وصفه ب"التحريض على الجيش وتشويه ما حققه من انجاز أمني نوعي في منطقة عبرا". كما أن الرئيس اللبناني العماد يشال سليمان(الذي كان قائد الجيش السابق) وهو شخصية يمكن وصفها بأنها وسطية وغير استقطابية ولها مواقف ناقدة للجانبين في لبنان ( مثل دعوته لحزب الله للانسحاب من سوريا) أكد على دور الجيش الوطني وطالب بعدم المبالغة في أخطائه. حدة الخطاب المتبادل حول دور الجيش في عبرا انعكس بشكل واضح على اجتماع لجنة الدفاع بمجلس النواب اللبناني التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي حيث رفض وزير الدفاع فايز غصن طريقة أسئلة نواب 14 آذار وقال " إن الجيش لايساءل" وعرض فيديوهات تظهر الإساءات والاعتداءات التي وجهها أحمد الأسير ورجاله إلى الجيش اللبناني، مشددا على عدم مشاركة حزب الله في القتال. في المقابل ، فإن النائب خالد الضاهر عضو كتلة تيار المستقبل في مجلس النواب اللبناني وصف العملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني ضد ظاهرة الشيخ السلفي المتطرف أحمد الأسير بجريمة موصوفة ارتكبها حزب الله . وأكد أن المجلس النيابي هو سلطة التشريع وسلطة المحاسبة لكل المؤسسات في هذا البلد ، قائلا "لا يمكننا أن نقبل بأن يكون أحد فوق القانون والحق والدستور. وتساءل: "كيف يقتل مواطنون في مراكز المخابرات التابعة للجيش اللبناني؟ وهل يريدوننا الا نحاسب من يرتكب جرما. هل هناك أحد فوق القانون؟. واعتبر أن هنالك مناطق في البلاد لا تخضع لحزب الله ويريدون من الجيش اللبناني أن يكون العصا الغليظة التي تضرب المناطق السنية والمناطق المسيحية . على حد قوله. وتعهد نواب المستقبل بأن يأتوا خلال الجلسة القادمة للجنة بتسجيلات مصورة وأدلة تصبح صحة كلامهم على الانتهاكات التي وقعت ومشاركة حزب الله في الأحداث. وبهذا فإن الاستقطاب السياسي الطائفي في البلاد امتد ليطول المؤسسة العسكرية ، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد فراغا سياسيا بسبب استقالة الحكومة منذ أربعة أشهر، كما أنها مهددة بفراغ في الجيش مع اقتراب انتهاء مدة خدمة قائده العماد جان قهوجي، دون وضوح كيف سيتم التمديد له في ظل الاستقطاب الذي شل المؤسسات السياسية في البلاد وخاصة مجلس النواب، كما أن حكومة تصريف الأعمال ليس من سلطاتها تعيين قائد جديد لأنها مستقيلة بحكم القانون والدستور.