فى ظل احتدام المنافسة بين «دونالد ترامب» و «كامالا هاريس» على رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، خلال السنوات الأربع المقبلة.. ترى من هو الرئيس الأمريكى الذى تفضله الصين من بين ترامب وهاريس؟ وكيف سيتعامل كلا المرشحين مع القضايا والملفات الشائكة بين واشنطنوبكين حال فوزه بالانتخابات؟.. أسئلة مهمة بدأت تُطرح فى ظل استمرار الصراع الأمريكى الصينى، وهو ما تناولته وسائل الإعلام والمحللون الدوليون، ومنهم مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية التى نشرت تحليلًا مطولًا لثلاثة من المحللين الاستراتيجيين، هم: الباحث الصينى فى العلاقات الدولية والأكاديمية «وانج جيسى»، والباحث المشارك فى معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية بجامعة بكين «هو ران»، والباحث المشارك فى معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، بجامعة بكين «تشاو جيانوى»، وقد تناول الباحثون الثلاثة آفاق العلاقة المحتملة بين واشنطنوبكين فى ظل رئاسة كلا المرشحين بشكل مفصل. روضة فؤاد فى البداية، ذكرت المجلة الأمريكية أنه على مدى الأسابيع القليلة الماضية، جذبت الاضطرابات التى شهدتها الانتخابات الرئاسية الأمريكية قدرًا هائلًا من الاهتمام العالمى، ففى منتصف شهر يوليو الماضى، كاد ترامب أن يُغتال وأعلن بايدن فجأة أنه لن يسعى لإعادة انتخابه، وقد قلبت هذه الأحداث السباق الرئاسى الأمريكى لكلا الحزبين، وخلقت المزيد من عدم اليقين بشأن الاتجاه القادم للولايات المتحدة. وحسب المجلة الأمريكية، لا تتوقع الصين حدوث تغيرات كبيرة فى السياسة الأمريكية تجاهها فى جميع الأحوال، وقالت إن بكين تحاول مع ذلك فهم تيارات التفكير الحالية فى واشنطن التى قد تهيمن على سياستها فى نهاية المطاف، وأشارت «فورين أفيرز» إلى أن هناك إجماعًا لدى كلا الحزبين الجمهورى والديمقراطى على ضرورة التعامل مع الصين باعتبارها خصمًا رئيسيًا، وقالت إنه بدلاً من التعامل مع الصين باعتبارها شريكًا تجاريًا ومنافسًا فى بعض الأحيان، فإن الولاياتالمتحدة اعتبرتها قوة رجعية، ومنافسًا إستراتيجيًا، بل وحتى تهديدًا. وترى المجلة، أن إدارة الرئيس بايدن قامت بتعزيز هذا التحول تجاه الصين، بل وذهبت به إلى أبعد من ذلك فى عدد من القضايا، كما أن إدارة ترامب الأولى اتبعت نهجًا أكثر تصادمية فى العلاقات مع بكين. وبحسب «فورين أفيرز»، يرى مراقبون صينيون أن النهج العام الأمريكى لكلا الحزبين تجاه الصين، الذى ظهر خلال السنوات الأخيرة، هو انعكاس للمخاوف السياسية الداخلية فى الولاياتالمتحدة، وتابعت المجلة بالقول إن شعار ترامب «أمريكا أولا»، وعبارة بايدن «السياسة الخارجية للطبقة المتوسطة» يُظهران بوضوح العلاقة الوثيقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية فى الولاياتالمتحدة وخاصة تجاه الصين، مضيفة أن نهج «أمريكا أولا» كان إلى حد كبير استجابة لمخاوف الناخبين الأمريكيين بشأن العولمة والهجرة، ونتيجة لذلك، قامت إدارة ترامب برفع الحواجز التجارية، وتقييد الهجرة. وفى المقابل، فإن سياسة بايدن الخارجية تشترك فى اعتبارات سياسية مماثلة مع سياسة ترامب، حيث تهدف إلى إعادة التوازن بين السياسات الصناعية المحلية والقواعد الاقتصادية الدولية لتعزيز المصالح المحلية، وعلى الرغم من أنها تنافست بشدة مع الصين، فإن إدارة بايدن حافظت على قنوات اتصال منتظمة رفيعة المستوى، وواصلت استكشاف مجالات التعاون مع الصين. وشددت المجلة على أن كلا الحزبين يتنافسان على إنتاج أقوى خطاب سياسى حول التعامل الصارم مع بكين وتقييد دورها العالمى، مشيرة إلى أن هناك إجماعا واسع النطاق بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى على أن الصين تشكل تحديًا كبيرًا. ماوتسى تونج وقالت «فورين أفيرز»، إن الأمريكيين قد يتساءلون عما إذا كانت الصين تفضل إدارة هاريس أو إدارة ترامب الثانية، أو ما إذا كانت تفضل الديمقراطيين أم الجمهوريين، مشيرة إلى أنه فى عام 1972، أخبر الرئيس ماوتسى تونج الرئيس ريتشارد نيكسون أنه يحب اليمين السياسى فى الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الغربية، ورغم أن «ماو» لم يقدم سببًا لهذا التفضيل، فمن المرجح أنه رأى أن نيكسون وغيره من الزعماء الغربيين ذوى الميول اليمينية يولون اهتمامًا أكبر للمصالح الاقتصادية والأمنية لبلدانهم، فى حين كان الساسة على اليسار يميلون إلى تأسيس سياساتهم على الأيديولوجية والقيم السياسية. ولكن من الصعب الحكم على ما إذا كان الديمقراطيون أو الجمهوريون هم من قدموا إسهامًا أكبر فى العلاقات الأمريكيةالصينية. وعلى سبيل المثال، أن الرئيس نيكسون الجمهورى كان أول من كسر الجليد مع الصين، ومع ذلك فإن الرئيس «جيمى كارتر» الديمقراطى هو الذى قرر إقامة علاقات دبلوماسية مع بكين، ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية فى عام 1949، كان هناك سبعة رؤساء ديمقراطيين وسبعة رؤساء جمهوريين فى الولاياتالمتحدة، وحدثت اختراقات وأزمات كبرى فى العلاقات الثنائية فى عهد كل منهما. وينطبق الأمر نفسه على التقييمات الصينية للحزبين الأمريكيين اليوم، فعندما تولى ترامب منصبه فى 2017، كان اهتمامه الأول بالصين هو العجز التجارى الهائل للولايات المتحدة، وللمرة الأولى فى تاريخ الولاياتالمتحدة، تم التعامل مع العجز فضلًا عن التفوق التكنولوجى للصين باعتباره قضية أمن قومى. فى إطار هذه السياسة، بدأت إدارة ترامب بفرض تعريفات جمركية عقابية على الواردات الصينية، ثم وسعت حملتها لتشمل زيادة التدقيق والقيود على الاستثمارات الصينية، وتشديد ضوابط تصدير التكنولوجيا العالية، كما فرضت إجراءات مستهدفة ضد شركات صينية محددة ذات وجود كبير فى الخارج مثل هواوى. وفيما يتصل بقضايا الأمن، قدمت إدارة ترامب لتايوان ضمانات أمنية خاصة وقللت من أهمية سياسة الصين الواحدة القائمة منذ فترة طويلة، وكثفت واشنطن الأنشطة العسكرية الأمريكية فى غرب المحيط الهادئ لتحدى المطالبات الإقليمية للصين. وفى عام 2020 فى خضم عام انتخابى معقد فى الولاياتالمتحدة، أدى انتشار جائحة كوفيد-19 إلى تسريع تدهور العلاقات بين واشنطنوبكين، وألقت إدارة ترامب باللوم فى أزمة الصحة العامة على الحكومة الصينية، وعلُقت معظم الحوارات الثنائية، وتبنت موقفًا عدائيًّا تجاه الصين نفسها، وفى يوليو 2020، أمرت الحكومة الأمريكية حتى القنصلية العامة الصينية فى هيوستن بإغلاق أبوابها، متهمة إياها بأنها «مركز للتجسس وسرقة الملكية الفكرية». أما بايدن فقد عزز التوجه العدائى بشكل عام لسياسات حقبة ترامب من خلال طرق أكثر منهجية، وفى أول خطاب له عن السياسة الخارجية، وصف بايدن الصين بأنها «المنافس الأكثر جدية» للولايات المتحدة». وعلى الرغم من المنافسة الشرسة التى خاضتها إدارة بايدن مع الصين، فقد حافظت على قنوات اتصال منتظمة رفيعة المستوى واستمرت فى استكشاف مجالات التعاون، وعقد بايدن اجتماعات مباشرة مع الرئيس الصينى «شى جين بينج» فى بالى بأندونيسيا فى نوفمبر 2022، وفى سان فرانسيسكو فى نوفمبر 2023، حيث تعهد الزعيمان بالحفاظ على علاقة ثنائية مستقرة وصحية. منافسة استراتيجية ورأت المجلة الأمريكية، أن الخبراء الاستراتيجيين الصينيين لا يتصورون أن سياسة واشنطن تجاه الصين قد تتغير على مدى العقد المقبل، وحسب استطلاعات الرأى العام الأمريكية والإجماع الحزبى بشأن الصين فى واشنطن، فإنهم يفترضون أن أى شخص سيتم انتخابه فى نوفمبر 2024 سوف يستمر فى إعطاء الأولوية للمنافسة الاستراتيجية وحتى الاحتواء فى أسلوب واشنطن تجاه بكين، مع تراجع التعاون والتبادلات إلى المرتبة الثانية. وفى حال عودة ترامب، ستسعى إدارته إلى اتباع سياسة تجارية أكثر عدوانية تجاه الصين. وقد اقترح ترامب بالفعل فرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على جميع السلع المصنّعة فى الصين، فضلًا عن إلغاء وضع العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة للصين، والذى منحها شروطًا تجارية مواتية غير تمييزية، وسمح لها بالوصول إلى السوق منذ عام 2000. ولكن نظرًا لميل ترامب إلى عقد الصفقات، فقد يقرر السعى إلى إبرام اتفاقيات ثنائية مع بكين بشأن السلع الاستهلاكية والطاقة والتكنولوجيا، وقد يحاول أيضا استخدام قضية تايوان كورقة مساومة لكسب النفوذ فى مجالات أخرى، مثل عرض كبح جماح تصرفات تايوان الاستفزازية مقابل تنازل بكين عن التجارة، ولكن من غير المرجح إلى حد كبير أن توافق الصين على مثل هذه الصفقة، وقد يعارضها مستشارو ترامب فى السياسة الخارجية أيضا. من جانبها، من المرجح أن تعمل إدارة هاريس، على افتراض أنها ستحتفظ بالكثير من نهج بايدن، على تكثيف المنافسة الاستراتيجية مع بكين وتعزيز جهود بايدن لبناء تحالف من الدول الغربية والآسيوية لموازنة الصين. وبالمقارنة مع السياسات التعسفية والمتقلبة لترامب، من المرجح أن تظل هذه الاستراتيجيات أكثر تنظيمًا ويمكن التنبؤ بها. ومن منظور صينى، من المرجح أن تكون سياسات إدارة ترامب الجديدة وإدارة هاريس تجاه الصين متسقة استراتيجيًّا. أما كرئيسين، سيقدم كلا المرشحين تحديات للصين، ولا يبدو من المرجح أن يرغب أى منهما فى صراع عسكرى كبير أو قطع جميع الاتصالات الاقتصادية والمجتمعية، لذلك، من غير المرجح أن يكون لدى بكين تفضيل واضح، علاوة على ذلك، لدى الصين رغبة قوية للحفاظ على علاقة مستقرة مع الولاياتالمتحدة وتجنب المواجهة أو الاضطرابات الكبرى. كابوس للصين على جانب آخر، ركزت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية على استراتيجية ترامب تجاه الصين حال عودته مرة أخرى للبيت الأبيض، فذكرت أن فوز ترامب بانتخابات الرئاسة سيكون بمثابة «كابوس للصين»، التى تستعد لجولة ثانية أكثر صعوبة من الحرب التجارية إذا عاد الرئيس السابق للبيت الأبيض. واندلعت حرب تجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين عام 2018 عندما فرض ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى رسومًا جمركية تصل إلى 25 بالمئة على واردات بقيمة 350 مليار دولار من الصين، تمثل 65 بالمئة من إجمالى واردات العام فيما ردت بكين بفرض رسوم جمركية على السلع الأمريكية، لكن إذا فاز ترامب بالسباق الرئاسى، فسوف تكون الجولة الثانية أكثر صعوبة، لأن الرسوم الجمركية ستكون أعلى فى ظل المخاطر المرتفعة التى تحيط بالاقتصاد الصينى. ونقلت الصحيفة عن «ماثيو جيرتكين» كبير الاستراتيجيين الجيوسياسيين بشركة «بى سى إيه» للأبحاث قوله إن «ترامب يضغط على الاقتصاد الصينى أثناء انكماشه. إنهم أكثر عرضة للخطر». لا للانفصال وإذا كان ترامب يمثل كابوسًا للصين بحسب الصحيفة الأمريكية، فماذا تمثل هاريس، وكيف ستبدو استراتيجيتها تجاه بكين؟ فى تقرير لقناة الحرة الأمريكية، ذكرت القناة أن هاريس صاحبة الخلفية القانونية بوصفها مدعية عامة سابقة فى كاليفورنيا، والتى انتقلت إلى ميدان السياسة من بوابة الكونجرس، وصولا إلى منصب نائبة الرئيس، الذى صاحبت فيه الرئيس بايدن، المخضرم فى السياسية الدولية، باتت تعرف كيف يمكن لواشنطن التعامل مع تعقيدات التنافس الصينى. وعلى مدى سنوات خدمتها كنائبة للرئيس الأمريكى، زارت هاريس أكثر من 19 دولة، والتقت بأكثر من 150 زعيمًا أجنبيًا، وهو ما مكنها من تكوين فهم تفصيلى لتعقيدات المشهد الدولى، وتحديد أدوار اللاعبين الأساسيين الصين وروسيا. وفى حديث سابق عن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالصين، قالت هاريس فى حلقة من برنامج «Face the Nation» على شبكة «سى بى أس»، العام الماضى: «فى سياستنا، لا يتعلق الأمر بالانفصال، بل يتعلق بتقليل المخاطر، ويتعلق بالفهم أيضا»، وأضافت «لا يتعلق الأمر بالانسحاب، بل بضمان حماية المصالح الأمريكية، وإننا رواد فى ما يتعلق بقواعد الطريق، بدلا من اتباع قواعد الآخرين». هذه التصريحات تشير إلى قناعة هاريس بأن أفضل استراتيجية لدرء خطر الصين، هو الانخراط أكثر مع بكين على كافة الأصعدة، وتحديد خارطة الطريق لكلا الطرفين، مؤكدة أنها تعارض انسحاب وانكفاء أمريكا. وقد يدعم ذلك وجود تيم والز المرشح الديمقراطى فى موقع نائب الرئيس، حيث قضى عامًا كاملًا فى التدريس فى الصين بعد تخرجه من الكلية، لينظم بعد ذلك رحلات طلابية سنوية إلى البلاد كمدرس فى مدرسة ثانوية فى الولاياتالمتحدة، وقد زار «والز» الصين حوالى 30 مرة، وقد ذكرت وكالة «بلومبرج» الأمريكية أن العلاقات التعليمية بين الولاياتالمتحدةوالصين واجهت تحديات كبيرة فى السنوات الأخيرة، مما أثر على التبادل الثقافى، والبرامج الطلابية، وتوظيف المعلمين الأجانب، مشيرة إلى أنه على الرغم من هذه العقبات، يواصل أفراد مثل والز الاستفادة من خبراتهم فى الصين للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، مما يساهم فى فهم أكثر دقة للتعقيدات فى العلاقات الأمريكيةالصينية.