بينما كان العالم يترقب زيارة وزير الخارجية الأمريكى انتونى بلينكن إلى الصين، التى كانت مقررة فى الخامس من الشهر الجارى، وينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها فرصة لمعالجة عدد من نقاط التوتر بين الدولتين، وفى مقدمتها مسألة تايوان، جاءت واقعة اختراق المنطاد الصينى للأجواء الأمريكية واستخدام الولاياتالمتحدة القوة لإسقاطه؛ ليتفاقم التوتر بين البلدين، وتثار التساؤلات حول الرد الصينى المتوقع بعد إسقاط المنطاد، وماذا بشأن مستقبل العلاقات المتدهورة أصلا بين القوتين العظمتين . داليا كامل كان الجيش الأمريكى، قد أسقط بتوجيه من الرئيس جو بايدن، المنطاد الصينى قبالة سواحل ولاية كارولاينا الجنوبية فى جنوب شرق البلاد، بعدما اعتبر البنتاجون أن المنطاد الذى كان يحلق على ارتفاع شاهق فوق الأراضى الأمريكية، مخصصا لأغراض التجسّس وجمع معلومات حساسة، بينما تصر بكين من جانبها على أن المنطاد « آلية مدنية تستخدم لأغراض البحث وخصوصا الرصد الجوى»، وأنه انحرف عن مساره، متهمة الولاياتالمتحدة ب «المبالغة فى رد فعلها»، الذى تمثّل فى استخدام القوة. وأدى رصد المنطاد إلى إرجاء زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن للصين فى اللحظة الأخيرة، التى كان مقررا القيام بها خلال الفترة من الخامس إلى السادس من فبراير الحالى لإجراء محادثات حول عدد من القضايا، فى زيارة كانت ستعد الأولى على مستوى عال منذ عام 2018. وبلغت العلاقات الأمريكية – الصينية أدنى مستوياتها على الإطلاق قبل واقعة المنطاد، لدرجة أن مجرد سير الزيارة وفق المقرر فى المقام الأول كانت مدعاة للاحتفال، وهو ما أشارت إليه شبكة «بى بى سى» فى تقرير مطول، مؤكدة أن « ما بقى الآن هو إحساس بضياع فرصة كبيرة». وأوضحت «بى بى سى»، أن الحرب التجارية خلال حقبة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والتوترات بشأن تايوان ورغبة الصين فى إظهار القوة بشكل متزايد تحت قيادة الرئيس شى جينبينج، حرفت العلاقة عن مسارها فى السنوات الأخيرة، وتدهورت العلاقة أكثر مع رفض الصين إدانة روسيا على غزوها لأوكرانيا. جاء الاجتماع بين الرئيسين جو بايدن وشى جينبينج على هامش قمة مجموعة العشرين، التى عقدت فى بالى خلال نوفمبر الماضى، وأعرب الزعيمان عن رغبتهما بتجنب الصراع وخففا من سخونة نبرة الحديث لدى كليهما وبالتالى أراد بلينكن أن يبنى على هذا الموقف. وحسب «بى بى سى»، حتى قبل أن يحلق المنطاد، كان التغير فى النبرة أكثر مما هو فى المضمون، فالأمريكيون واصلوا المضى قدماً فى فرض القيود الاقتصادية وفى التوسع العسكرى فى المنطقة، الأمر الذى أثار حنق بكين. وأفادت تقارير نشرت مؤخرا أن اليابان وهولندا توصلتا لاتفاق مع واشنطن على فرض قيود على الصادرات من المعدات المتقدمة؛ لتصنيع الرقائق الإلكترونية إلى الصين، وكانت هذه هى الخطوة الأخيرة من قبل الولاياتالمتحدة للحد من وصول بكين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات الحساسة، بقطعها عن سلاسل التوريد الخاصة بالرقائق الإلكترونية. وفى الأيام القليلة الماضية، أعلن الجيش الأمريكى عن توسيع وجوده فى الفلبين، وهى واحدة من خطوات عديدة ترمى إلى تعزيز التحالفات الإقليمية لمواجهة نفوذ الصين المتزايد وسط تنامى القلق حول صراع محتمل مع تايوان. ولكن على الرغم من ذلك، كانت إدارة بايدن لا تزال تريد الحوار، حسب «بى بى سى». وأثارت أزمة المنطاد، التساؤلات حول المسار المتوقع للعلاقات الأمريكيةالصينية المتدهورة من الأساس؟ وهو ما دفع كثير من وسائل الإعلام العالمية لمحاولة الإجابة عليها، خاصة بعدما نددت بكين بعملية إسقاط المنطاد الخاص بها فوق الأراضى الأمريكية وأكدت أنها تحتفظ ب «حق الرد». فى هذا السياق، ذكرت وكالة أنباء « بلومبيرج» الأمريكية، أن «تحول» بكين المفاجئ من الإعراب عن الأسف لاختراق المنطاد المجال الجوى الأمريكى إلى التوعد بالرد يعكس الضغوط المحلية التى يواجهها الزعيم الصينى، شى جين بينج، لإظهار أنه يدافع عن بلاده فى مواجهة الضغوط الخارجية، الأمر الذى يطيح بآمال إحياء العلاقات مع واشنطن قبل بدء موسم الانتخابات الأمريكية. ونقلت الوكالة الأمريكية عن وانج ييوى، مدير معهد الشئون الدولية فى جامعة رنمين، ودبلوماسى صينى سابق، أن ما سببه حادث المنطاد يعكس الطبيعة « الهشة» للعلاقات الأمريكيةالصينية. وتابع وانج: « وجدت الولاياتالمتحدة عذراً لتأجيل رحلة بلينكن، وكذلك الجانب الصينى قال إنهم لم يدعوه.. وهذا لأنهما لم يتوصلا بعد لاتفاق حول الكثير من الأمور، ولا تغير الولاياتالمتحدة سياستها تجاه الصين، لذا وجد الطرفان عذراً لتأجيل الرحلة». وأشارت «بلومبيرج» إلى أنه يمكن اختبار العلاقات بين الجانبين مرة أخرى إذا قرر رئيس مجلس النواب الجديد، كيفن مكارثى، الوفاء بتعهده السابق بالقيام بزيارة إلى تايوان فى وقت لاحق من العام الجارى. وأضافت أنه يمكن أن تؤدى أيضا الانتخابات الرئاسية فى الولاياتالمتحدةوتايوان إلى زيادة التوترات بشكل أكبر، حيث يواجه الرئيس، جو بايدن، دعوات من الحزبين لإظهار القوة تجاه بكين. فى المقابل، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الصين ليس أمامها سوى «خيارات محدودة للغاية» للرد على عملية إسقاط المنطاد فوق الأراضى الأمريكية، وذلك على الرغم من تلويحها ب «الانتقام». وذكرت الصحيفة الأمريكية أن رد فعل بكين «الغاضب والحذر أيضًا»، أوضح التحديات التى تواجه الزعيم الصينى وهو يحاول تحقيق الاستقرار فى العلاقات من جهة، وتهدئة الرأى العام الصينى من جهة أخرى. ونقلت عن محللين صينيين قولهم، إنه حتى مع رد الفعل الغاضب من قبل القوميين ومعظم الرأى العام فى البلاد، فمن غير المرجح أن تصعد بكين التوترات بشأن حادثة المنطاد، موضحين أن السياسة الخارجية الصينية مدفوعة حاليًا ب «الرغبة فى الاستقرار». ومع ذلك، يتعلّق مصير العلاقات الآن، حسبما أشار خبراء، بما يمكن أن تستخرجه الإدارة الأمريكيّة من المنطاد الصينى، فإذا وضعت واشنطن يدها على معدّات مرتبطة بالتجسّس لا برصد الأحوال الجوّيّة، فإن الأمور ستتّخذ منحى تنازليّاً يرجّح أن يطول