تخيل أنك اشتريت أرضًا من الحكومة فى مزاد علنى، دفعت فيها حوالى 8 مليارات جنيه، وبعد 15 عامًا يظهر لك من يدعى ملكيتها! هذا بالضبط.. ملخص مشكلة مشروع مراسى السياحى بالساحل الشمالى، والذى تأبى مراكبه الرسو على شاطئ الاستقرار بسبب المفاجآت المتتالية. وبالطبع لا ناقة لنا ولا جمل فى الموضوع، فلسنا من مُلاَّك الساحل ولا من رواده، ولكنى لم أستطع مقاومة الفضول المهنى للوقوف على تفاصيل تلك الحكاية الغريبة. البداية كانت فى عام 2005، عندما تأسست شركة «إعمار مصر» بالمساهمة بين رجل الأعمال المصرى شفيق جبر، وبين شركة إعمار الإمارات، وبنسبة 60% من رأس المال للأول و40% للثانى، وبهدف إقامة منتجع سياحى فى خليج سيدى عبد الرحمن بالساحل الشمالى، وذلك على الأرض المعروضة من الحكومة للاستثمار السياحى فى هذه المنطقة. وفى عام 2006 وفى مزاد علنى تمكنت شركة إعمار مصر من الحصول على 1544 فدانًا، وبسعر 160 جنيهًا للمتر المربع. وبعد الانتهاء من التصميمات، وفتح باب الحجز لوحدات المشروع، دفع الحاجزون – ومن جنسيات مختلفة – أكثر من 700 مليون جنيه فى أقل من شهر، بعد سباق شديد على الحجز، لدرجة أن البعض باع «إيصال الحجز» فى السوق السوداء – وقتها – بحوالى 15 ألف دولار. ثم بدأت أولى المفاجآت فى الخلاف المبكر بين الشريكين، حيث حاول أحدهما الانفراد بالإدارة واعترض الآخر على ذلك، وحدث شد وجذب وتدخلت واسطات متعددة انتهت إلى تخارج شفيق جبر من الشركة بعد حصوله على مليار جنيه، دفع منها 200 مليون ضرائب. انفردت إعمار مصر – المملوكة بالكامل لإعمار الإمارات – بملكية الأرض وبدأت فى تسويتها والبناء عليها مع تدشين حملة إعلامية وإعلانية ضخمة عن مميزات المشروع وعوائده الاستثمارية لمصر والشركة. وبعد الانتهاء من بعض مراحل المشروع، بدأت الشركة فى الإعلان عن السعر النهائى لتمليك وحداته من شقق وشاليهات وفيلات، وفعلا بيعت بعض الفيلات بما يجاوز 115 مليون جنيه، مما دفع البعض للتساؤل عن طبيعة هذه الفيلات وما تحتويه من الداخل؟ ثم ومنذ عدة أيام ظهرت المفاجأة الثانية والتى تمثلت فى البيان الصادر عن المحامى والمذيع بقناة الحياة خالد أبو بكر يحذر فيه مُلاّك وحدات مراسى بعدم قدرتهم على تسجيل ممتلكاتهم فى الشهر العقارى، بدعوى أن وكيله د. وحيد رأفت يمتلك 400 فدان من المساحة الإجمالية للمشروع، وموضحًا أن د. وحيد رأفت وآخرون اشتروا هذه الأرض من ورثة جاد الله مبارك الدغبارى بالعقد رقم 1126 عام 1902، وأن الورثة – الذى هو وكيلهم – كانوا يسعون وراء حقهم منذ أكثر من 35 عاما، ومؤخرًا تمكنوا من الحصول على أحكام «صحة ونفاذ» على العقد المشار إليه، وانتهى باتهام شركة إعمار باغتصاب حيازة تلك الأرض محل النزاع. وبالفعل أقام دعوى لاسترداد الأرض المغتصبة أمام المحكمة المختصة، من المنتظر أن تبدأ فى نظرها قريبا. وبالطبع سارعت الشركة (إعمار) بإصدار بيان مضاد استنكرت فيه ما ورد فى بيان المحامى، وأشارت إلى أنها اشترت الأرض فى مزاد علنى ومنذ 15 عامًا، وأنها سددت كامل ثمنها وسجلت ملكيتها فى الشهر العقارى المختص بالعقد رقم 186 لعام 2019. إذن لا نملك غير انتظار أن يفصل قضاؤنا العادل فى هذا النزاع الجديد، حيث ستضع الأحكام القضائية القائمة على الجزم واليقين النقاط على الحروف تمهيدًا لأن ترسى مراكب مراسى على شاطئ الاستقرار، ولكن الموضوع يثير بعض التساؤلات ويكشف عن مفاجأة! فمن هو د. وحيد رأفت الذى يدعى وكيله ملكيته لحوالى ثلث أرض المشروع؟ ثم من هو الشيخ الدغبارى الذى باع الأرض للدكتور وحيد رأفت والآخرون؟ لقد أعيانى البحث عن مالك الأرض المدعى بها، وكل مرة ينتهى البحث باسم أستاذنا الفقيه الدستورى د.وحيد رأفت القيادى الأسبق بحزب الوفد والذى لعب دورًا وطنيًا مقدرًا فى مفاوضات طابا المصرية. وما أعلمه أن د. وحيد رأفت توفى فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، وأن نجله د. شريف رأفت كان الرئيس الأسبق للبورصة المصرية، ولم نسمع أو نقرأ أن له علاقة بموضوع النزاع المعروض! أما الشيخ الدغبارى.. فما يتوفر عنه من معلومات على شبكة الإنترنت تكشف أنه ليبى الجنسية، وأنه أقام وبعض أفراد قبيلته فترة طويلة فى تلك المنطقة المتنازع عليها وهو فى طريقه لأداء فريضة الحج، وأن المنطقة أعجبته فاشتراها من الحكومة المصرية وكانت مساحتها حوالى 1600 فدان. ولكن بعد عودته سالمًا من أرض الحجاز قرر «وقف» هذه الأرض، وآلت إداراتها لهيئة الأوقاف المصرية، والتى أجرتها فيما بعد لشركة إيجوث للسياحة حيث أحاطتها الأخيرة بسور وأنشأت فيها فندق سيدى عبدالرحمن، ثم ورثت الشركة القابضة للسياحة والفنادق كافة ممتلكات شركة إيجوث، بما فيها هذه الأرض محل النزاع التى يبدو أنها اشترتها من الأوقاف، ثم عرضتها عام 2005 للاستثمار السياحى متضمنة الفندق. وبالطبع بعدما آلت ملكية الأرض لشركة إعمار مصر أعادت تأهيل الفندق ورفعت من مستواه للدرجة أن أسعار الإقامة فيه ليلة واحدة تصل لأكثر من 5 آلاف جنيه!، وذلك بعد إعادة افتتاحه العام الماضى، وهنا تظهر المفاجأة الثالثة، حيث كان المحامى خالد أبوبكر مرافقًا لرجل الأعمال الإماراتى محمد العبار رئيس الشركة فى أغسطس 2018 عند افتتاحه لفندق العالمين الجديد، وسُجل وأُذيع حوار تليفزيونى مطول معه عن منتجع «مراسى» ورؤيته حول الفرص الاستثمارية والخطط التوسعية للشركة، وبما يمثل فى النهاية عنصر جذب جديدًا للسياحة الخارجية لمصر. وأعتقد أنه يجب أن نتوقف عند هذا الحد انتظارًا لما يكشف عنه القضاء المصرى من مفاجأة رابعة!