نعم.. إنها الليلة المباركة، خير الليالى، ليلة اختصها الله بتنزيل كتابه الحكيم، ليلة العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، إنها ليلة القدر، هى ليلة من أفضل النعم التى وهبنا الله إياها، فهى فضل لا يوازيه فضل، ليلة قدرها جليل وليس لها مثيل، ويضاعف الله فيها العمل القليل، من حرم خيرها فقد حرم الخير الكثير، ومن أحيا ليلة القدر نال الثواب العظيم، وإحياؤها بالصلاة والقرآن والذكر والاستغفار والدعاء. وفضائل ليلة القدر كثيرة أولها أنها ليلة أنزل فيها القرآن، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ). وأنها ليلة مباركة لقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) الدخان 3. ويكتب الله فيها الآجال والأرزاق خلال العام لقوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان 4. والعبادة فيها أفضل من غيرها من الليالى، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). كما تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ).. وهى ليلة خالية من الشر، وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب، فهى ليلة سلام، قال تعالى: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، وفيها غفران للذنوب لمن قامها، واحتسب فى ذلك الأجر عند الله، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وليلة القدر خاصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تشاركها أمة من الأمم فيها. qqq وقد سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف، وأنه يقدر فيها ما يكون فى تلك السنة، وقيل لأن للعبادة فيها قدرًا عظيمًا، ولليلة القدر علامات، أولها قوة الإضاءة والنور فى تلك الليلة. وينشرح فيها الصدر ويطمئن القلب فيزداد الشعور بالراحة والطمأنينة والسكينة أكثر من غيرها من الليالى، وتسكن فيها الرياح، ويجد الإنسان فى القيام متعة أكثر مما يجد فى غيرها. أيضًا فإن الشمس تطلع فى صبيحتها صافية ليس لها شعاع، ويدل على ذلك حديث أبى بن كعب أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها» رواه مسلم. كما أنها ليلة تغيب الشهب فيها. qqq وموعد ليلة القدر غير محدد بدقة، لكنه يأتى فى الليالى الفردية من العشر الأواخر فى رمضان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان». فمن أعظم الفرص لكل مسلم ومسلمة الحرص على ليالى العشر الأواخر من رمضان، أو على الأقل ليالى 21، 23، 25، 27، 29 لأن ليلة القدر لن تتعدى إحدى هذه الليالى كما قال صلى الله عليه وسلم. ولمن لا يعلم فإن ليلة واحدة تعدل أكثر من ثلاث وثمانين سنة، فهل منا من يضمن عمره لثانية واحدة، وهل منا من يقضى عمره كاملاً فى عبادة، لنغتنم الفرصة التى قد تكون آخر فرصة، وينتظر المسلمون ليلة القدر من كل عام لإحيائها بالصلاة وقراءة القرآن، وقيام الليل دعاء وتضرعًا، مبتهلين إلى الله طلبًا للمغفرة والعتق من النار. ودعاء ليلة القدر: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا»، وهو دعاء عظيم يشمل فى طياته الكثير من المسائل، حيث إن من عفا الله عنه وغفر له وتاب عليه رُزق الفلاح والتوفيق فى جميع أموره فى الدنيا والآخرة، ولربما حرص النبى على هذا الدعاء بالذات فى هذه الليلة لأن الأقدار تكتب للعباد فيها، فكان هذا الدعاء شاملاً لكل حوائج الدنيا والآخرة. ولا يوجد عدد ركعات معينة للصلاة فى ليلة القدر، فكلما زاد العبد أخذ المزيد من الأجر والثواب، ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل فى كبكبة (أى جماعة) من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله فينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر». ومن الأعمال المستحبة فى هذه الليلة المباركة كثرة الذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن، والصلاة، حيث يعد المصلي قائم الليل كله. والإكثار من الصلاة على النبى، والدعاء بخيرى الدنيا والآخرة للنفس ولجميع المسلمين، والتوسل والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بما يتمناه العبد بالخير، والدعاء للوالدين بالرحمة والمغفرة، والشفاء وغير ذلك من مسائل الدنيا، وتيسير كل عسير بإذن الله، والصدقة والقيام بكل عمل صالح يُرضى الله. qqq وقد تقرأ هذه الكلمات مع أول ليلة من العشر الأواخر من رمضان، وهذه بعض الوصايا قد تعينك على حسن العبادة فى ليلة القدر، فلابد من العزم على التوبة عند إحياء هذه الليلة المباركة، والإكثار من الدعاء والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والإقبال على الله بكل جوارحك حتى يصفو عقلك وقلبك من كل شىء سوى الله. حاول أن تعف عن كل من أخطأ فى حقك، ضرورة الإخلاص فى الدعاء والقيام أهم من عدد الركعات التى قد يكون قلبك فيها مشغولاً بغير الله، وكن على يقين من أن الله سيستجيب دعاءك ويتقبل منك، أكثر من دعاء النبى وردد: « اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا» وأكثر من طلب العتق من النار، وأكثر من الدعاء حال سجودك، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. واشكر الله على أن وفقك لإحياء ليلة القدر وغيرك محروم من هذه النعمة، ولا تنس أن تتصدق فى هذه الليلة بما تستطع فالصدقة لها أجر عظيم. qqq إن ليلة القدر ليلة لا يعادلها شىء، ففيها النور والرحمة تغشى كل قائم لها، وفيها تفتح أبواب السماء لنزول وصعود الملائكة يشهدون قيام المسلمين بالليلة المباركة، فيها يسجد كل شىء لله، فما أحوجنا إلى بركة هذه الليلة، فنحن سنموت ونسأل ونحاسب عما قدمناه فى حياتنا، فيجب أن نتزود من الطاعات بقدر المستطاع لنيل الأجر والثواب فى الدنيا والآخرة. وإذا كنا ندعو اللهم بلغنا رمضان، فقد جاء رمضان، وإذا كنا ندعو اللهم بلغنا ليلة القدر، فقد جاءت ليلة القدر.. فاغتنموا الفرصة، الثواب العظيم بين أيدينا نعمة من الله العلى القدير، فلا نضيعها فنصبح من النادمين.