تتجه الأزمة اليمنية بقوة للحسم العسكرى، بعد تراجع فرص الحل السلمى، وتعثر جهود المبعوث الدولى إسماعيل ولد الشيخ أحمد فى تقريب المسافات بين الحكومة الشرعية وقوات الحوثيين وأنصار المخلوع على عبد الله صالح، وذلك مع الانتصارات المتتالية التى تحققها قوات التحالف العربى مدعومة بالمقاومة الشعبية والجيش الوطنى الموالى للشرعية، وأصبحوا قاب قوسين من العاصمه صنعاء، فقد حققوا تقدما لافتًا باتجاه العاصمة اليمنية، بعد سيطرتهم على مواقع عسكرية استراتيجية فى مديرية نهم على بعد نحو أربعين كيلومترا شمال شرقى صنعاء، الذى بسقوطه تكون البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء قد فتحت، بعد الالتفاف عليه من الخلف عبر السيطرة على سلسلة جبال الصلب وقرود، كما تمكنت المقاومة من السيطرة على جبل يام، وقرية ملح والتقدم إلى منطقة برّان غرب معسكر الفرضة باتجاه صنعاء. وبالسيطرة على جبال نهم الاستراتيجية والمواقع العسكرية الحصينة، تنفتح للمقاومة الطريق إلى مديرية أرحب شمال العاصمة، التى تتمركز بها معسكرات جبل الصمع التابعة للحرس الجمهورى، المطلة على مطار صنعاء الدولى. وبذلك تصبح الطريق سالكة للمقاومة اليمنية باتجاه مديرية بنى حشيش بعد السيطرة على منطقة حريب نهم، كما ستفتح جبهة مديريات خولان وبنى ضبيان وحتى معقل المخلوع صالح فى مديريات سنحان وبلاد الروس وبنى بهلول، وستتحكم المقاومة بطرق الإمداد باتجاه أهم مداخل صنعاء شمالا وشرقا وجنوبا. واعتبرّ خبراء عسكريون سيطرة قوات الشرعية على معسكر يتبع لقوات الحرس الجمهورى الموالية للرئيس المخلوع على عبد الله صالح بجبال فرضة نهم، إنجازا استراتيجيا وقرعا لأبواب صنعاء، ويمثل أحد أهم القفزات التكتيكية التى سارت عليها خطة الهجوم لقوات الشرعية، ابتداء من التقدم الكبير بتحرير محافظة مأرب، وهى عمليات نوعية محكمة تسلكها قوات الشرعية فى تقدمها نحو العاصمة صنعاء، تخفى وراءها ترتيبات هجومية لا يمكن التكهن بها، معتبرين أن السيطرة على جبال فرضة نهم الشاهقة والوعرة والمطلة على صنعاء أهم الخطوات العسكرية الميدانية التى تحققت لتحرير العاصمة، واستعادة رمزية الدولة اليمنية من الانقلابيين الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح، متوقعين أن تتم عملية تحرير العاصمة صنعاء دون قتال، كما أن انتفاضة القبائل ضد مليشيات صالح والحوثيين ستمنع نقل المعارك داخل صنعاء وتجنيبها الدمار، فضلًا عن تحرير قوات الشرعية لجبال ومواقع فرضة نهم الاستراتيجية سيعزز سرعة انتقال المقاومة والجيش الوطنى إلى مديريتى بنى حشيش وأرحب، وتحريرها ثم الدخول إلى صنعاء واستعادة الدولة ومؤسساتها السيادية وإسقاط الانقلاب نهائيا. وباتت مليشيا الحوثى وقوات الرئيس اليمنى المخلوع على صالح بين فكّى كماشة؛ فمن الشرق أصبح الجيش الوطنى على مقربة من العاصمة صنعاء، ومن الغرب تشكّل سيطرة الموالين للشرعية على مناطق حيوية فى تِهامة، وعلى الطرق الرابطة بين أكثر من محافظة، بداية قوية لمعركة الساحل اليمنى على البحر الأحمر. أهمية هذه التطورات تكمن فى أنها تقطع طرق إمداد قوات الانقلابيين بالسلاح عبر شبكات تهريب نشطة هناك، فضلًا عن فرض واقع عسكرى وجغرافى جديد. من جهه أخرى يسابق الحوثيون الزمن لاستمالة مشايخ وزعماء القبائل فى صنعاء والمناطق المحيطة بها، وضمهم لصفوفهم، بالتزامن مع استمرار تقدم قوات الجيش الوطنى والمقاومة فى مناطق واسعة بمديرية نهم (شرق صنعاء)، واقترابها من مديرية بنى حشيش. ويأمل الحوثيون كسب رجال القبائل لصفوفهم أو تحييدهم عن مواجهتهم والحيلولة دون وقوفهم مع الشرعية، على غرار دخولهم صنعاء فى سبتمبر من العام الماضى دون مواجهة، كما يستهدفون من يعدونهم خصوما لهم، خاصة بمديرية أرحب (شمال العاصمة) بشراء ولاء المشايخ بتعيينات إدارية بأجهزة الدولة. ويرى محللون أن تحركات الحوثيين لكسب ولاء القبائل محاولة خاسرة تعبر عن حالة خوف من انفضاض القبائل التى كانت تواليهم بعد انكشاف حقيقة مشروعهم، وتعرضها للانتهاكات سواء بقتل رجالها أو تهجيرهم أو تفجير المنازل، لاسيما وأن الكثير من هذه القبائل تقف مع الشرعية وتساند المقاومة فى معارك مديرية نهم، وبعضها ينتظر دورها عند انتقال المواجهات إلى مديرياتها، مستبعدين تأييد قبائل حزام صنعاء للحوثيين، على غرار العام الماضى، بعدما ظهروا على حقيقتهم متنكرين لشعارات الشراكة الوطنية بممارسة الإقصاء بحق الآخرين، وتعرض بعض من أيدوهم للأذى، لكن هذا لا يعنى تأييد القبائل لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادى، لشعورهم بخذلانه بعدم مواجهة الحوثيين عند دخولهم صنعاء، ما لم يحصل تغيير يعيد لهم الثقة من قبيل الدفع بشخصيات عسكرية مثل اللواء على محسن الأحمر مستشار الرئيس لشئون الدفاع والأمن، ويرى الخبراء أن اللواء على محسن الأحمر قادر على استمالة قبائل صنعاء ، ويرجع المحللون التحركات الحوثية إلى أمرين: الأول يرتبط بوصول قوات الجيش الوطنى والمقاومة إلى تخوم العاصمة، والثانى أن الحوثيين يعدّون هذه المناطق خزان إمداد لهم بالمقاتلين. كما أن الحوثيين يستنفرون جهودهم تحت عناوين متداخلة، عبر الارتباطات العصبية والقبلية والمذهبية والمناطقية، واستثمار الفقر والأمية فى هذه المناطق، وهو ما يزيد الاندفاع نحو خطاب العصبيات والبحث عن المال، كما حصل عند اجتياح صنعاء، لكن القبائل وزعاماتها براجماتية أكثر، وهى تنحاز لمن تميل الكفة لصالحه، طمعا فى ترتيب وضعها فى المستقبل، وتحقيق مكسب آنى بالحصول على المال.