لم يكن صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر حدثاً هيناً بل كان جلياً رائعاً انتظره القراء بشغف واستقبلوه بفرحة .. لم يكن هذا كل شىء .. فقد أستقطبت المجلة كبار الكتّاب والمحررين والفنانين للمشاركة فى تحريرها وتنفيذها وتصميم الإخراج الفنى لصفحاتها وأغلفتها "أكتوبر" كانت بالنسبة للقارئ رحلة تبدأ من الغلاف الذى كان يصطاد عينه فيأسرها. تميزت مجلة أكتوبر عن غيرها من المطبوعات المصرية والعربية من حيث الشكل والحجم وكذلك بموضوعاتها وإخراجها الفنى مما مكّنها من أن تحقق رقما قياسياً فى التوزيع بعد عام واحد من صدورها عام 1976م.حيث وصل توزيعها إلى 277 ألف نسخة، ولم يكن هذا النجاح وليد الحظ أو الصدفة، بل كان نتاج جهد كتيبة من المبدعين فقد شارك مع أنيس منصور فى إعداد وتجهيز العدد الأول للمجلة نخبة من الفنانين الكبار وهم "شريف رضا " و"محسن عرفة " و"مصطفى البرى" و"ممدوح أنور" و"محمد رضا " و"رؤوف رأفت"، فتميزت أكتوبر بأغلفتها على التوازن الفنى والبصرى والتنوع الجمالى فاجتذبت أعين القراء بجمال غلافها وتفرده، وزيّنت صفحاتها بمختلف أنواع الفنون والتى كان بعضها غير متعارف عند أقرانها من المطبوعات الصحفية آنذاك مثل " فن الكولاج" و"الأليستريشن" وحتى فن النحت أستخدمته أكتوبر على أحد أغلفتها حيث أظهرت صورة لتمثال منحوت للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، كما أن فن الكاريكاتير كان مسيطرا على معظم أغلفة المجلة وله أماكن عدة بين صفحاتها وحمل توقيعات كبار فنانى الكاريكاتير الرواد مثل "محمود" و"تاعب" و"عبدالسميع" و"رؤوف" و"نجيب فرح" ذلك الفنان القدير الذى تعددت مواهبه وأعماله بين الكاريكاتير والأليستريشن والكوميكس وغيرها من الأعمال الفنية، وأيضًا الفنان "سامى بديوى" آخر العنقود فى جيل العظماء قبل أن يحمل الراية اثنان من فنانى جيل الوسط وهما "فوزى مرسى" وكاتب هذه السطور. شريف رضا ولأن سجلات مجلة أكتوبر حافلة بأعمال فنانيها من التشكيليين وفنانى الخط العربى والكاريكاتير. الذين تميّزوا فى مجال إبداعهم الفنى، وأكتظت سيرتهم الذاتية بمئات الصفحات التى ترصد نجاحهم والجوائز التى حصلوا عليها، والتى يحتاج ذكرها مختصرة إلى صفحات العدد كله ولما تبقى فيه مساحة لذكر كتاب أكتوبر العظام ومحرريها وموضوعاتها وتحقيقاتها وانفراداتها، فلا نملك إلا أن نمر مروراً سريعاً على تاريخ "البعض" من هؤلاء الفنانين العظماء وبلا شك أننا لن نوفيهم ما يستحقه قدرهم وتاريخهم الكبير، ويأتى الفنان شريف رضا فى باكورة هذه القائمة المشرفة فهو الذى صمم شعار مجلة أكتوبر بالحروف الهندسية الحرة وهى حروف خاصة به ومسجلة باسمه، كما أن أغلب أغلفة أكتوبر من تصميمه وتميزت أغلفته بالاختلاف عن كافة المجلات فى الوطن العربى، اشترك رضا فى العديد من المعارض الفنية داخل مصر وخارجها منذ عام 1974م، كما أقام معرضًا عام 1992م بمجمع الفنون بالزمالك ومعرضًا خاصًا بقاعة سلامة سنة 1996م، تخرج رضا من مدرسة ليوناردو دافنشى ثم سافر فى منحة إلى إيطاليا على نفقة الخارجية الإيطالية لدراسة الفن بالأكاديمية المصرية بروما وله العديد من المقتنيات داخل مصر وخارجها وفى متحف الفن الحديث، كما أن رضا اهتم بالدراسات الفنية فكانت له دراسات فى الفن الكوفى المصحفى وأخرى فى حياة الموالد وثالثة عن الوشم ولهذا يمكن القول إن أعماله مستوحاة من القصص والأساطير الشعبية مثل السيرة الهلالية وغيرها من القصص ومن أبرز هذه الأعمال " البيوت الإسلامية القديمة، السبوع، الزار، الحصان، المولد "وله مقولات رائعة عن الفن والإبداع مثل انه قال "اخترت أن أترك لوحاتى بلا عنوان تركت هذا لخيال كل من رآها " وأيضا عن معرضه "إسلاميات" قال: "أؤمن أنه لا تضاد بين الفن الراقى والإيمان بل على العكس تماما فكلاهما يدعم الآخر". محمد إبراهيم حصل على جائزة عيد الفن سنة 1976م فى التصوير الزيتى بحضور الرئيس أنور السادات واشتهر بتكويناته الفنية المبدعة فى فن "الكولاج" والتى كانت تصاحب القصص وبعض المقالات، حيث كانت أكتوبر أول مجلة تستخدم هذا الفن فى إخراجها الفنى، وكان مهتما بالحارة المصرية بشكل كبير ومدركًا لعبق وقيمة القاهرة التاريخية فاستطاع أن يجسد حارة نجيب محفوظ فرسم بوابات القاهرة القديمة وحى النحاسين وشارع الخيامية وصاحبت رسوماته حلقات رواية "الحرافيش" والتى نشرت مسلسلة فى أعداد أكتوبر على مدار ثلاثين أسبوعا. محسن عرفة شارك فى العديد من المعارض المحلية والدولية منها بينالى القاهرة الدولى للخزف ومعرض فن الخط العربى، واهتم بالتراث الإسلامى وعشق الحروف العربية والتى تعد هى المكوّن الأساسى للوحاته الفنية والتى كانت تتميز بنهج جديد فى تكوين التشكيل تتداخل فيه الكتابات المزخرفة والحروف مع تدرجات الألوان بشكل خاصم ومتناغم وبديع. مصطفى البرى فنان تشكيلى وناقد فنى حصل على الجائزة الأولى لمعرض الطلائع فى فن التصوير سنة 1978م، والعديد من شهادات التقدير من المركز الثقافى الفرنسى وجامعة عين شمس، وأقام معارض فى دول عديدة منها رومانيا والمكسيك وكينيا، وله مقتنيات فى متحف الفن الحديث بالقاهرة، وأخرى فى أمريكا وفرنسا وتونس والسعودية. كتيبة العمالقة يقولون:" الفن ليس محاكاة للواقع.. الفن إعادة صياغة الواقع برؤية أكثر جمالًا وابتكارًا "ولم تكن هذه الكلمات مجرد عبارة بديعة بل كانت واقعًا حيا يتنفس حققته كتيبة كبيرة من الفنانين العظماء الذين تعاقبوا أجيالاً تلو الأخرى على إبداع الصفحات والأغلفة، ولأن الحديث عن فنانى أكتوبر يتسع دوما ويمتد ويتعاظم مهما اجتهدنا فى اختصاره، فلا يمكننا أن نترك القلم ونتوقف عن السرد قبل أن نذكر فنان الخط العربى الكبير "محمد حمام" الذى تميزت خطوطه وأعماله الفنية بنفاذها الى القلب والوجدان واتساقها مع الروح الإنسانية حتى تلك التى تدرك دلالات هذه الأحرف، لكن جماليات اللون والتشكيل الرشيق المبنى على أسس فنية راقية فوق أساس من الخلفيات اللونية الرائعة التى تبث فى النفس الهدوء والراحة والسكينة عند كل من يراها، وهذه السمات أيضا تميز بها فنان الخط العربى القدير "الحاج يوسف الشاذلى" الذى تواجدت أعماله فى جو مشحون بالفن والإبداع والمبدعين المتميزين، منهم "جودة خليفة" و"عبد الحميد فاضل" و"حسن عبد العليم" و"محمود مصطفى"وغيرهم من العظماء الكثير، فلهم من مجلتهم العريقة كل الشكر والتقدير والعرفان بما قدموه وأثابهم الله عنه كل الخير.