« لم تمنعنى إصابتى بشظايا بمختلف جسدى واستمرار نزيف الدم من استكمال الحرب» .. بتلك الكلمات تحدث المجند إسماعيل جاب الله بيومى ابن الإسماعيلية الفدائى وأحد أبطال أكتوبر المجيدة الحاصل على نوط الشجاعة أثناء معركة العبور فى حرب أكتوبر 1973 والملقب بقاهر خط بارليف..? من هو البطل إسماعيل بيومى؟ ?? إسماعيل بيومى، مواليد 1948 من أهالى منطقة شارع البحرى بمحافظة الإسماعيلية، عشت طفولتى فى بيت جدى الذى يطلق عليه (راعى الفدائيين)، حيث كان مأوى لأبطال المقاومة الشعبية والفدائيين ضد الاحتلال الانجليزى المتمركز على القناة وشاركت فى حرب أكتوبر الفرقة 19 مشاة - قطاع الجيش الثالث الميدانى.. وتابع إسماعيل وقد جاورنى أيضا شقيقى (محمد – طلعت) أثناء المعركة حيث كان طلعت جاب الله بيومى، مجند بالقوات البحرية وشارك فى معركة المدمرة " إيلات " ، ومحمد جاب الله بيومى مجند بالدفاع الجوى فى ذلك الوقت. ? كيف كان الاستعداد ليوم العبور وما مهمتك فى اليوم الأول؟ ?? دربتنا قوات الصاعقة طوال 4 سنوات قبل العبور بالفرقة 19 بسلاح المهندسين تحت قيادة الشهيد العميد أحمد حمدى، قائد سلاح الكبارى بسلاح المهندسين، وتم نقلنا إلى السويس منطقة العبور«الروبيكى» قبل العبور بعدة أيام.. ومنها لمعسكر الشلوفة، ونقلت المعدات والقوارب المطاطية والفلنكات وماكينات المياه، ومع أول أيام رمضان تحركنا لحراسة المعدات حتى يوم 10 من رمضان وعندما فوجئنا بالطائرات المصرية تتجه نحو سيناء وبدأت المدفعية تطلق قذائفها على عمق سيناء، بعدها بنصف ساعة تحركت قوات المشاة والقوات الخاصة بدأت تعبر بالقوارب، ومن هنا كان دورنا لفتح الثغرات فى ساتر بارليف المنيع وسط صيحات التكبير. فى تلك اللحظة خرجت من داخل قلوبنا جميعا قوة ونداء للحرب إيمان بالله فى النصر، مشددًا على أن «الصول» عطية القبطى قائد المجموعة قام بالنداء: «الله أكبر الله أكبر يالا يا ولاد» فرددنا وراءه: «الله أكبر الله أكبر» وجاءت أوامر بفتح ثغرات فى الساتر الترابى. ويكمل: «كنا نفتح ثغرات بحجم 6:10 أمتار حسب المكان الذى نفتح فيه وكان يصل وقت فتح الثغرة الواحدة نحو 3 ساعات، وبعد فتح العديد من الثغرات، أصبحت مهمتنا تأمين الكبارى فى عيون موسى ولسان بور توفيق وتأمين عبور فرقتين من فرق الجيش وكانت القوات المعادية تقصف وحدتنا بصورة «هستيرية»، وكان يتقدمنا دائمًا فى تأمين العبور والمشاريع القادة وهنا أذكر الشهيد أحمد حمدى الذى استشهد أمام عينى أثناء تأمين المواقع وفى 7 أكتوبر وأثناء التأمين ضرب اللنش الذى كنا فيه بصاروخ أدى إلى إصابتى بجرح فى الرأس، وبجوار عينى، وفى الحال أمرنى القائد إلى الرجوع ولكننى رفضت حتى استكمل الحرب مع زملائى. ? كيف استكملت قتالك على الجبهة رغم إصابتك؟ ?? هذا ليس غريبا على روح أكتوبر ولم تكن تلك فقط هى المعجزة فكثيرًا من زملائنا كانوا ينزفون ولا يشعرون بإصاباتهم ويستمرون فى القتال ودون راحة أو طعام أو نوم ودون تعب أو شعور بجوع أو عطش وكأن الله عز وجل أعطاهم قوة وصبرا من عنده ويستطرد البطل لم أترك الميدان منذ 6 أكتوبر، وحتى وقف إطلاق النار فى 17 نوفمبر رغم إصابتى يوم 7 أكتوبر بشظايا صاروخ إسرائيلى أصابت وجهى وأنحاء متفرقة بجسمى، واستشهد 2 من زملائى ورفضت التحويل للكتيبة الطبية حتى لا تفوتنى الفرصة فى أن أرى النصر يكتمل ملامحه أمام عينى. ? ماذا كانت مهمتك بعد تدمير خط بارليف.. وكيف استكملت قتالك بذراع واحدة؟ ?? استكملت مهمتى مع الكتيبة حتى جاءت الثغرة وكنت مكلفا وقتها وزملائى بحماية المواقع الخاصة للتصدى للقوات المتجهة إلى " الدفرسوار"، اشتبكنا معهم يوم 23 أكتوبر بالجنانين مدخل السويس حتى يوم 24 أكتوبر، وأصبت وقتها بشظايا صاروخ فى ذراعى اليمنى أدت الى فقدى لزراعى. ورفضت انشغال زملائى بإصابتى وواصلت أكثر من 3 ساعات والدم ينزف من أنحاء جسدى، ورفضت الانتقال إلى المستشفى، وعبرت القناة إلى الضفة الشرقية للعرض على كتيبة طبية داخل سيناء حتى أكمل المعركة، وعند الوصول كان الطيران الإسرائيلى آن ذاك يطلق قذائف ولم أشعر بأى شىء وقتها بعد أن أغشى علىَّ. ? ما أصعب اللحظات التى مرت بك أثناء الحرب؟ ?? رغم إصابتى الشديدة قررت الاستمرار مع زملائى وأصبت بعد ساعات بنزيف حاد فى ذراعى، وتوجهت إلى قناة السويس وسبحت إلى الضفة الشرقية بذراع واحدة بهدف الوصول إلى كتيبة طبية فى الشرق، وأثناء السباحة شعرت بتعب شديد واقتراب الموت منى، وبعدها بلحظات أمطر العدو القناة بالقذائف، وشعرت بأن مياه القناة تغلى، وشاهدت جثث الشهداء تطفو على سطح القناة، وفوجئت بنفسى على الضفة الشرقية للقناة، وبقيت على الشاطئ حتى صباح اليوم التالى (25 أكتوبر)، وعندما شاهدنى زملائى، اصطحبونى إلى المستشفى الميدانى، وتولى علاجى نفس الطبيب الذى عالجنى من الحروق فى الواقعة الأولى وتعجب من تحملى للألم وقال لى «مرحب يا بطل» بعد أن علم رفضى ترك الجبهة والقتال رغم إصابتى. ? موقف لا ينساه البطل إسماعيل بيومى؟ ?? لا أنسى أبدًا هذا الموقف أثناء مقابلتى للسيدة جيهان السادات وشعورنا جميعا بحب تراب الوطن وتضحياتنا من أجل شبر من أرضه، فلم تبدأ رحلة علاجى إلا بعد قرار وقف إطلاق النار على الجبهة تم نقلى بعدها إلى مستشفى ألماظة العسكرى واستغرقت رحلة العلاج الخاصة بى عام كامل حتى عام 1974 قامت خلالها السيدة جيهان السادات وعدد من قادة القوات المسلحة بزيارتى فى المستشفى ولم أنس كيف وجهت التحية لى وسألتنى وقتها تطلب إيه من مصر يا بطل؟.. فقلت لها من كل قلبى والدموع تملأ عينى « كل اللى أنا عايزه خدته « يكفينى النصر وعودة أرضنا. ? البطل إسماعيل بيومى بعد نصر أكتوبر؟ ?? حصلت على نوط الشجاعة من الدرجة الثانية، ودرع الجيش الثانى الميدانى ودرع الجيش الثالث ودرع نقابة العاملين بهيئة قناة السويس، وفى الثمانينيات تم تعيينى بمحافظة الإسماعيلية إلا أننى تقدمت بعدها باستقالتى وفضلت العمل الحر ولا زلت حتى اليوم أعمل متطوعًا بجمعية المحاربين القدامى لخدمة زملائى وأسرهم ممن فقدوا حياتهم وقدموا أرواحهم فداءً للوطن. ? كيف ترى افتتاح قناة السويس الجديدة؟ ?? الرئيس عبدالفتاح السيسى وضع سيناء على طريق التنمية، من خلال القناة الجديدة، ما يمثل انتصارًا حقيقيا يضاهى حرب أكتوبر 1973 وتعد القناة الجديدة بمثابة عبور ثان، ويؤكد حفرها خلال عام واحد قدرة المصريين على صناعة المستحيل، كما صنعنا المستحيل خلال حرب أكتوبر باقتحام خط بارليف المنيع، ليسطر شهادة تاريخية على قدرة المصريين ووحدتهم.