يتمتع بروح عالية وقدرة على وصف المشهد وكأنه ما زال واقفا على جبهة القتال، حالة حال جيل أكتوبر الذى واصل التدريب ليل نهار لاستعادة الأرض والكرامة، إنه اللواء دكتور طلعت موسى مستشار أكاديمية ناصر العسكرية وأحد أبطال أكتوبر. عندما يتحدث عن المعركة ويدور شريط الذكريات لديه تجده أكثر نشاطا، وأحيانا تملأ عينيه الدموع، وهو يتذكر كيف كان الشعب المصرى يقدم الغالى والنفيس لدعم قواته المسلحة فى معركة استرداد الكرامة عندما وجه الاقتصاد المصرى على مدار 6 سنوات للمجهود الحربى. حرصنا على لقائه لنتعرف منه على الجديد فى خزانة أسراره حول المعركة.فى البداية قال: بدأ التخطيط لحرب أكتوبر 73 يوم 12 يونيو عام 1967 وبعد النكسة مباشرة، وهذا التاريخ يأتى بعد أن تم تغيير قيادات القوات المسلحة، وتم تعين الفريق أول محمد فوزى وزيرًا للدفاع والفريق عبد المنعم رياض رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة، ومنذ ذلك التاريخ تم الإعداد والتخطيط والتجهيز للحرب، ورفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وكانت هناك مراحل كثيرة أثناء حرب الاستنزاف من عام 1967 إلى أكتوبر 1973، ولقد تم تقسيمها إلى 4 مراحل رئيسية وكانت أول مرحلة هى مرحلة الصمود والتحدى ويتم فيها تجهيز النقاط والكمائن، أما المرحلة الثانية فكانت الدفاع النشط وبدأ الضرب بالمدفعيات على العدو وهذا لحرمانه من حرية الحركة فى الضفة الشرقية للقناة والقيام بعمليات الإغارة والكمائن على الطرق داخل سيناء على الضفة الشرقية. فى هذا الوقت بدأ العدو فى بناء خط برليف، ولكن قواتنا قامت بحرمانه من البناء عن طريق التدخل بأسلحة الضرب المباشر وغير المباشر والصواريخ المضادة والمدفعيات والدبابات، أما المرحلة الثالثة فكان يتم فيها استنزاف العدو وإقناعه أنه لا يوجد جدوى من وجوده فى سيناء، وتم فى هذه المرحلة تبادل الضرب بين المدفعيات والدبابات والكمائن والعربات وهذا على طول الجبهة وفى العمق، وانتهت هذه المرحلة بتوقيع اتفاقية روجرز عام 1970 وقبلت إسرائيل وقف القتال فى هذه المرحلة بسبب تأثير حرب الاستنزاف على قواتها فى سيناء، والتى بدأت تأتى ثمارها وبدأ العدو يشعر بها، حيث تم إسقاط 24 طائرة خلال شهر واحد بواسطة الدفاع الجوى والكمائن التى تتوجه إلى خط الجبهة وهو ما يجعل سلاح الجو الإسرائيلى يتآكل اذا واصل المواجهة بهذا الشكل خلال 4 إلى 5 أشهر ولهذا كانت إسرائيل بحاجة إلى هذه الوقفة ونحن كنّا بحاجة إلى الوقفة، لإكمال بناء قواعد صواريخ لتوفير الحماية للقوات، فقد كان العدو متفوقا علينا فى السلاح الجوى ولهذا كنّا فى حاجه إلى هذه الوقفة. وخلال ليلة واحدة يوم 3 أغسطس كانت جميع كتائب الصواريخ احتلت الأماكن على الجبة وأدى إلى رفع الروح المعنوية والثقه فى النفس . كنت فى إحدى كتائب المشاة الميكانيكية فى النسق الثانى للقوات التى عبرت بعد ظهر السادس من أكتوبر وفى يوم 7 أكتوبر صباحا انتقلت كتيبتنا إلى قرب القناة، وفى الساعة 6:45 تمت مشاهدة 4 طائرات على وشك الدخول فكانت إلى جوارنا إحدى كتائب الدفاع الجوى التى اطلقت صواريخها باتجاه طائرات العدو وانفجرت منها طائرتان وفرت طائرتان آخريان، بعدها تم التقاط إشارة لا سلكية من قيادة القوات الجوية للعدو إلى جميع طياريها بعدم الاقتراب لقناة السويس لمسافة 15 كيلو مترًا ولأن وسائل الدفاع الجوى المصرية شكلت غابة للصواريخ. وكانت المرحلة الثالثة مرحلة وقف إطلاق النار وتم فيها استثمار الجهود السياسية وهذا لاستكمال العمل السياسى وتوظيف العمل السياسى وتهيأ الرأى العام والمنظمات العالمية والمحلية والإقليمية لكى تؤيد العملية العسكرية التى سيقام بها يوم تحرير الأرض، وكانت تنقسم إلى شقين أحدهما سياسى والآخر عسكرى وكانت مهمة الشق العسكرى إعداد القوات لاسترداد الأرض، حيث يتم تعليمهم وتدريبهم على النقط القوية وكيفية التغلب على احتياطيات العدو وكيف سيتم العبور وكيف سيتم فتح الثغرات فى السواتر، وكيف ستتم مواجهة الدبابات، أما من الجهة السياسية فكان الرئيس أنور السادات يقوم بجهود سياسية وعسكرية على المستوى الإقليمى والمستوى العالمى فقام بتهيئة المنظمات الدولية، مثل منظمة الوحدة الأفريقية التى عملت على هذه الفترة لجنة العشر أفارقة، فقام الرؤساء العشرة بزيارة إسرائيل ومصر واقتنعوا بأن إسرائيل رافضة لتنفيذ القرار 242، وتم إفراز منهم لجنة يطلق عليها لجنة الأربعة وقام هؤلاء الأربعة بعمل جولات مكوكية بين الدولتين، لاقناع إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن، وأيضًا جهود دول عدم الانحياز كانت تؤكد على إصدار القرارات والبيانات بضرورة استعادة الأرض، وبماذا تهيئ الدور العربى والدولى على المستوى السياسى لهذه المعركة. وتم تطوير الخطة جرانيت 1و 2 لتصبح الخطة بدر عندما انضمت القوات السورية للتنسيق مع القوات المصرية، وتم عقد اجتماع مع هيئات العمليات المصرية والسورية فى برج العرب وتم الاتفاق على يوم الهجوم وساعة الهجوم وكانت الساعه 2 ظهرًا. مرحلة التخطيط والإعداد كانت تنقسم إلى عسكرى وسياسى، وكانت القوات المسلحة تعمل ليلا ونهارا وتتدرب ليلا ونهارا بأقصى معدلات تدريب والتلاحم بين الشعب وبين الجيش فى أقصى صورة. وكانت المشاة الميكانيكية تتدرب على اُسلوب تطعيم المعركة، بحيث يتم تدريب الفرد المقاتل على نموذج حقيقى للمعركة، يتم فيها النوم بالبندقية تحت الدبابة وأن تمر الدبابة من فوقك، كما تم التدريب على مواجهة حرائق النابالم عندما يشتعل جسم الفرد المقاتل، استعدادا لإمكانية استخدام قوات العدو لهذا السلاح أثناء المعركة، فالطائرات عندما تقوم بإطلاق النابالم يكون بهدف إشعال الحرائق فى مناطق تمركز القوات حيث تقوم بإلقاء خزانات من النابالم فيشتعل، فإذا أصيب الفرد به يجب عليه أن يقوم بإطفاء نفسه وهذا عن طريق الجلوس على الأرض أو النوم عليها من الجزء المشتعل والتحرك شمالًا ويمينًا ينطفئ وكانت كتيبة بالكامل تقف فى طابور وكان هنالك برميل كبير فى نقطة البداية وبجواره نار من الناحية الأخرى ويأتى القائد يقف أول شخص وتدهن ملابسه بالنابلم، ثم يتم تقريب النيران منه فتشتعل ملابسه بالكامل فيندفع على الرمل من أجل أن يُطفئ نفسه، ومن بعده باقى أفراد الكتيبة، وكذا المرور من خلال سلك الكنسرتينا والنزول فى موانع والطلوع منها والطلوع على سلالم والنزول منها والطلاق نيران عليه وكانت بالذخيرة الحية كل هذا من أجل أن يتم إعداده للمعركة، وكان المدنيون يأتون إلى المعسكرات لزيارتنا ويقدمون لنا الدعم المعنوى، وبعض الهدايا، فتجد مواطنًا يقدم كيسًا به فوطه أو كمية صابون أو غيرها كل ذلك رغم أن كل شىء كان يحصل عليه المواطن بالبطاقة. كانت الزيارات تلك تمثل قوة تلاحم الشعب ووقوفه إلى جوار قواته المسلحة، وتم أخذ السائقين من أجل أن يتدربوا على القيادة المائية فى بحيرة قارون والتدريب على الصواريخ الجديدة المضادة للدبابات. حرب أكتوبر أثبتت للعالم كله أن نظريات القتال قد تغيرت وأسس القتال قد تغيرت لقد هاجمنا بإمكانيات دفاعية. وبحسب النظريات العسكرية فلم يكن أبدا من المتوقع أن تقوم مصر بالهجوم رغم إمكانياتها العسكرية من المعدات والذخائر. إذًا كيف أخذ السادات قرار الحرب رغم أن القدرات والحسابات توضح أنه لا يستطيع الهجوم، وكانت قوات الدفاع الجوى الإسرائيلية متفوقة علينا من حيث العدد والنوع. لقد قام السادات بطرد الخبراء الروس ولأن الأسلحة التى كانت تأتى إلينا كانت أسلحة دفاع فقط ولا تنفع للهجوم ولهذا قام بطردهم وأيضًا لأنهم كأنو يتأخرون، والاتحاد السوفيتى كان هو الوحيد الذى قام بإمدادنا بالأسلحة وهو يدل على الفرق الشاسع بين وضعنا سنة 67 و73، كانت هذه هى الفجوة التى استطعنا أن نحقق فيها الفوز بالرغم من أسلحتنا الدفاعية كانت بسبب المواطن المصرى ومساندة الشعب للقوات المسلحة، وكان الإنسان المصرى هو المفاجأة فى حرب أكتوبر وكان الفارق الحقيقى لما يمتلكه من الشجاعه والرجولة والروح العالية واللياقة البدنية والعقيدة القتالية والشهادة والإيمان بالله وهذا يدل على أن له هدفًا وعقيدة يرغب فى تحقيقها، وبهذا تم التغلب على الساتر الترابى وانشاء المعديات والكبارى والتغلب على النابلم. وهذا يدل على أن الجندى المصرى ليس له مثيل فى العالم . فى سنة 73 كان كل شىء مهيأ ومخططًا له . فى الساعة 1:55 كانت الكتيبة منتشرة فى موقعها وكل فرد يعلم مهمته بدقه عالية ومرت الطائرات المشاركة فى الضربة الجوية من فوق رءوسنا باتجاه سيناء ونظرا لاقترابها من الأرض كدنا نمسكها بأيدينا. بدأت المدفعية بعد الضربة الجوية التى قامت بها وكان أكبر قصف تم تحقيقه على نقاط العدو القوية وتم تحقيق أكبر خسائر للعدو ومراكز القيادة والشوشرة ولقد استمرت لمدة 53 دقيقة. وبدأت قوات المشاة تعبر بالقوارب مع استمرار أسلحة الضرب المباشر على النقط القوية للعدو وأيضًا المدفعية وفى الوقت نفسه كان المهندسون يقومون بعمل الكبارى وأيضًا خراطيم الماء وكانوا يقومون بعمل فتحات فى الساتر الترابى وهذا يدل على أن كل فرد يعمل فى مكانه المخصص له وكانت منظومة متكاملة ومتناغمة. وفى الوقت نفسة قامت كتائب المشاة بالهجوم على النقط القوية، وأدى توالى سقوط النقط القوية للعدو إلى رفع الروح المعنوية لنا. وخلال يومى 6 و7 أكتوبر تم تدمير205 دبابات للعدو وتم إفقادها الاتزان الاستراتيجى والتعبوى، وصرخت مائير يوم 8 أكتوبر بأن إسرائيل على وشك الانتهاء وتم إصدار أوامر بجمع السلاح النووى، وقامت بالاستعانة بأمريكا وأدى ذلك إلى فتح الجسر الجوى لإمداد إسرائيل بمراحل القتال تم تقسيمها إلى عدة مراحل ومنها الوقفة التعبوية التى تم فيها تحقيق مهام الكتائب والكبارى، ويمكن تقسيم الحرب إلى عدة أقسام. المرحلة الأولية كانت تحقيق الجيوش الميدانية لمهامها المباشرة وهذا من 5 إلى 9 أكتوبر، ومن 9 إلى 14 أكتوبر تم عمل وقفة تعبوية لمدة 4 أيام لاستكمال الوقود وتحقيق الاكتفاء الذاتى للقوات واستعراض الأفراد والتحقق من الذخيرة والمعدات وعمل وقاية ثم يتم الاستكمال، وهذه كانت الأهداف الأساسية. واستكملت إسرائيل دفاعاتها وأعادت ترتيب قواتها بعد ان أتت اليها صواريخ حرارية وكانت أول مرة يتم استخدامها. ففى يوم 13 أكتوبر مرت طائرة استطلاع أمريكية على الدلتا والقاهرة وأسوان حتى تكتشف مدى الأسلحة والدفاع الجوى، ولقد وصلت هذه المعلومات إلى إسرائيل يوم 14 أكتوبر. وتم وضع خطة شاملة للقضاء على الثغرة وانعقدت محادثات الكيلو 101 بقيادة الجمسى وتم عمل اتفاقية النقاط الست وكانت تدعو إلى إيقاف النار وتبادل الأسرى بين الطرفين والسماح لمرور الإمدادات المدنية والسلاح والذخيرة للجيش الثالث الميدانى وبُحث المفاوضات لتنفيذ قرار 242 وتم تنفيذ كل بنود الاتفاقية عدا قرار مجلس الأمن، وفى هذا الوقت كان يتم التجهيز من أجل استكمال الخطة شامل ومحاصرة القوات الإسرائيلية والقضاء عليها بالكامل فى الثغرة. وعندما علمت إسرائيل من خلال الولاياتالمتحدة بذلك وافقت على تنفيذ القرار والعودة إلى حدود ما قبل 1967 وحتى خط الحدود الدولية على عدة مراحل.