أفخر أن أكون صحفيًا رغم دراستى للإعلام بكافة شعبه.. لأننى لا أقدم نفسى كإعلامى مقدرا علميا ومنهجيا أن هناك فارقا جوهريا بين ما درسته علميًا وما انتهجته مهنيًا.. فأنا إعلامى الدراسة.. صحفى المهنة ولا أتفق مع الزملاء الصحفيين الذين يصفون أنفسهم بأنهم إعلاميون أو أنهم يتنصلون من صفتهم كصحفيين.. ولا أعتبر ما يحدث حاليًا على شاشات الفضائيات بأنها صحافة تليفزيونية.. لأن الصحافة لها مدلول ومعايير ومنهج وتعريف علمى مستقر عليه العالم.. وحسب هذا المصطلح على الصحافة ظلمًا وبهتانًا.. وما يجرى على الفضائيات حاليا يحاول أن يرسخ أو يدعى أننا فى عصر ربيع الحريات.. والغريب أن يتزامن مع ما تتعرض له الصحافة من أزمات.. وما يعرف حاليًا بخريف الصحافة.. حيث يروجون لها - للأسف أبناء المهنة - بأنها عاجزة بوسائلها البدائية الحالية عن تشكيل الرأى العام والوصول لوجدان الشعب.. خاصة بعد ما أضافوا ظلما مصطلح الصحافة الإلكترونية.. المواطن الصحفى.. وهكذا أصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له.. أصبحت مهنة القلم تتأرحج بين خريف الصحافة وما يتبع هذا الخريف من توابع أهمها «الزهايمر والتخاريف».. وهو ما نلاحظه فى عدد كبير من الصحف حاليًا ويقال إن الصحافة لم تعد قادرة على «إنجاب النجوم».. الذين كانت شهرتهم تفوق نجوم السينما وكان هؤلاء العمالقة يقف على أعتابهم الوزراء والحكام وكل القوى بما فيهم النجوم.. ولكن هذه النجومية انحسرت بعد أن كبلت الصحافة بالقيود وتسرب اليأس فى نفوس أبناء المهنة وأصبحوا لا يعتبرون أنفسهم أصحاب رسالة بل موظفين فى الدرجة السابعة نصف عقولهم فى الوظيفة والنصف الآخر احتله أصحاب القرار الذين تختارهم الدولة. كنا نفاخر ونحن شباب بأن الصحافة هى «لسان الشعب» فإذا بالدخلاء على المهنة يقطعون هذا اللسان.. وكنا نفاخر بأن الصحافة «عين الشعب» فإذا بهم يفقأون تلك العين وتصاب المهنة بالعمى.. وهذا ما يفعله رجال الأعمال ملاك الصحف الذين يريدون أن تكون الصحافة لسانهم وتنظر من خلال أعينهم لمصالحهم فقط لا غير.. كانت الصحافة هى صوت الشعب الحقيقى بصرف النظر عن هويتها لأن أصحاب القلم لم تكن تحكمهم الجهة التى أصدرت تلك الصحيفة.. ومع الأسف فإن أبناء المهنة ساهموا إلى حد كبير فى الموقف المتردى والمشهد البأس للصحافة.. فلم تقتصر عمليات القهر على الحكومة أو على الرقابة.. لكن أبناء المهنة حاولوا لمجرد الحصول على ثقة الحكومة.. وذهبها.. سلموا الأقلام لأصحاب النفوذ والفلوس.. وأصبحوا يكتبون حسب اتجاه الريح متجاهلين ملايين القراء.. وهكذا فى الربيع الديمقراطى المزعوم.. بدأنا نرى التراجع الصحفى بشكل مخيف.. بينما انتعشت الفضائيات بصرف النظر.. عما تبثه ولنافيه موقف.. لكن لا نتجاوز الحقيقة «وندفن رءوسنا فى الرمال».. نحن نعيش توابع أزمة الصحافة التى أصبحت «لقمة سائغة» فى فم الأدعياء والمتحولين وأصحاب رءوس الأموال والنخبة والمحللين السياسيين وكل من له غرض ومرض وأصبح الطبل والزمر والزغاريد سيد الموقف فى الصباح والمساء.. وجاءت لحظة الحقيقة الآن.. ولم تظهر الأقلام التى تعلى كلمة الشعب وتنقل نبضه وتؤثر فيه وتتأثر منه.. فلازالت العلاقات بين الكلمة المكتوبة والرأى العام تحكمها علاقة مثلجة باهتة ليست لها مضمون.. أما الإعلام المرئى وما يجرى باسمه من ممارسات وصلت إلى استخدام البرامج لغسيل سمعة الفاسدين.. فلنا فيه موقف قادم.. إن شاء الله!!