بعد مفاوضات ماراثونية، ولقاءات مكثفة، وسلسلة من حرب التصريحات، جاء توقيع الاتفاق المبدئى بين إيران والدول الغربية بشأن البرنامج النووى الإيرانى ليثير التساؤلات حول إمكانية أن يؤدى إلى اتفاق سلام نهائى فى نهاية يونيو المقبل، كما هو مفترض، وعن المستفيد منه فى المقام الأول، إيران أم الغرب، وهل يعد فرصة العمر لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط كما قال الرئيس الأمريكى؟ وبموجب الاتفاق المبدئى فقد وافقت إيران على تقليص مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب البالغ 10000 كيلوجرامات إلى 300 كيلوجرام، وكذلك عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3% لمدة 15 عاما على الأقل على أن يتواصل التخصيب بموقع «ناطنز» وليس فى «فوردو»،وتستمر عمليات التفتيش المشددة لسلسلة إمداد اليورانيوم فى إيران 25 عاما حسبما ينص الاتفاق. كما تعهدت إيران بعدم تصنيع البلوتونيوم بدرجة تسمح باستخدامه فى صنع الأسلحة النووية فى مفاعل اراك، إضافة إلى خفض عدد أجهزة الطرد المركزى لديها من 19 ألف جهاز إلى 6 آلاف فى موقع فوردو النووى. فى المقابل تعهدت القوى الكبرى والاتحاد الأوروبى برفع العقوبات الاقتصادية والحظر على صادرات النفط الإيرانى بحسب مدى التزام طهران بالاتفاق وهو ما لقى ترحيبا دوليا. وقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نقلا عن مراقبين للشأن الإيرانى أن الاتفاق يثير التساؤلات حول تأثيره ليس فقط فيما يتعلق بالحد من التسلح فى المنطقة بل على سياسة طهران الداخلية، وتساءلت الصحيفة ما إذا كان من الممكن أن يؤدى التوصل إلى اتفاق وتخفيف العقوبات المفروضة على إيران لتمكين الإصلاحيين الراغبين فى إنهاء الحرب الباردة مع الولاياتالمتحدة والتى استمرت 35 عاما أم أنه سيكون سببا لإلقاء اللوم عليهم فى حال ما إذا كانت نتيجة الاتفاق فى سبيل تخفيف العقوبات أو إحراز تقدم اقتصادى أقل مما تم التعهد بتحقيقه. ويرى محللون أن إيران هى المستفيد من الاتفاقية وأن على رأس المكتسبات إزالة العقوبات المفروضة عليها فى الوقت الذى احتفظت فيه بحقها فى تخصيب كمية كبيرة من اليورانيوم، بالإضافة إلى أن الاتفاق سيعطى قدرة لطهران أن تنتقل من العقبة الأساسية الأولى وهى الصدام مع أمريكا إلى هدوء لغة الحوار بينهما وإعداد إيران نفسها فى الفترة المقبلة ليكون لها دور كبير فى المنطقة. على الجانب الآخر يرى البعض أن هذا الاتفاق المبدئى لا يتعدى كونه خطاب نوايا وأنه مجرد إطار عام لاتفاق لم يتم وأنه لا يمثل سوى الخطوط العريضة وأن جل العمل الشاق سيأتى قبل الموعد النهائى فى 30 يونيو، إلا أنهم يرون فى الاتفاق نموذجا محتملا لكيفية منع ظهور جيل جديد من القوى المسلحة نوويا. وعلى الجانب الإيرانى ورغم الفرحة التى عمت الشعب الإيرانى إلا أن البعض لم يبد تحمسه للاتفاق ورأى فيه تراجعا عن العديد من المكتسبات وتجريد بلادهم من حلمها وثقة عمياء فى الغرب الذى، حسب رأيهم، أخذ أكثر مما أعطى، واعتبروا المفاوضات مخيبة للآمال لأن الطرف المقابل أملى على إيران شروطه ورغباته التى طرحها على الطاولة قبل 12 عاما. وفى حين دافع الرئيس الأمريكى باراك أوباما بشدة عن الاتفاق الإطارى الذى تم التوصل إليه مع إيران ووصفه بأنه فرصة العمر لتحقيق استقرار طويل المدى فى منطقة الشرق الأوسط، فقد قوبل الاتفاق بمعارضة شديدة من الجمهوريين فى الكونجرس حيث كثفوا من مطلبهم بالسماح للكونجرس بإجراء تصويت عليه. ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الاتفاق بالخطأ التاريخى وأنه يهدد بقاء إسرائيل وسيضفى شرعية على برنامج طهران النووى وسيعزز اقتصادها ويزيد من عدوانها وإرهابها، واصفا تطمينات الرئيس الأمريكى بشأن أمن إسرائيل بغير الكافية، وطالب بتعديل الاتفاق مع إيران بشكل جذرى وقد قدمت إسرائيل سلسلة مطالب ستجعل من وجهة نظرها الاتفاق النهائى حول نووى إيران أكثر قبولا من الاتفاق المرحلى.