جاءت زيارة الرئيس الجنوب أفريقى جاكوب زوما للقاهرة نهاية الأسبوع الماضى فى إطار مساعى حكومة بريتوريا الحثيثة لرأب الصدع فى العلاقات بين البلدين وخاصة بعد التوتر الذى شهدته العلاقات بين مصر وجنوب إفريقيا فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 مباشرة، بعدما أكدت،وقتها، وزارة العلاقات الدولية والتعاون بجنوب إفريقيا، رفض حكومة بلادها لكافة الإجراءات التى شهدتها مصر والتى أدت لعزل مرسى وتعطيل الدستور، معتبرة أن تلك الإجراءات تخالف مواثيق وأعراف الاتحاد الإفريقى ووصفت جنوب إفريقيا ،وقتها، ما حدث فى مصر ب الانقلاب العسكرى»، داعية إلى إطلاق سراح محمد مرسى وكافة السجناء السياسيين المحتجزين، دون قيد أو شرط، وناشدت كافة الأطراف المعنية نبذ أعمال العنف والأعمال الانتقامية بحسب زعمها. حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، جاكوب زوما، الخميس الماضى وتم عقد جلسة مباحثات مغلقة بين الرئيسين تلتها جلسة موسعة بحضور وفدى البلدين، استهلها الرئيس السيسى باستعراض مجمل تطورات الأوضاع التى شهدتها مصر على مدار العامين الماضيين، والتى جاءت انعكاسًا لإرادة المصريين الحرة ورغبتهم فى الحفاظ على هويتهم وتحقيق آمالهم وطموحاتهم. وصرح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم الرئاسة بأن اللقاء تناول التطورات التى تشهدها المنطقة جراء انتشار الفكر المتطرف والإرهاب وما لهما من تداعيات مدمرة على الدول ومستقبل الشعوب. كما أكد الرئيس على العلاقات الاستراتيجية المستقرة بين البلدين منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما فى مايو 1994، مؤكداً على أهمية العمل على دعمها وتعزيزها فى كافة المجالات، وذلك لتحقيق المصالح المشتركة سواء فى الإطار الثنائى أو الإفريقى. من جانبه، أعرب الرئيس «زوما» عن تقديره للحوار مع الرئيس السيسى وما أتاحه من إيضاحٍ إضافى مهم لحقيقة تطورات الأوضاع فى مصر، فضلاً عما تمر به المنطقة والقارة الإفريقية من تحديات يفرضها التطرف والإرهاب، وهو الأمر الذى يقتضى تدخلاً فعالاً لدحره والقضاء عليه. كما أعرب الرئيس الجنوب إفريقى عن تطلع بلاده لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك مع مصر على كافة المستويات سواء الثنائية من خلال تفعيل عمل اللجنة المشتركة التى أنشئت فى عام 1995 لتحديد مجالات التعاون الواعدة وتشجيع القطاع الخاص فى مصر وجنوب إفريقيا على العمل معاً، أو على الصعيد الإفريقي، لتعزيز التنسيق بين جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي، بغية إحلال السلام والاستقرار ومساندة الدول التى تشهد التوترات والنزاعات، منوهاً إلى أن مصر وجنوب إفريقيا دولتان مهمتان فى إفريقيا ومن الضرورى أن تعملا معاً لتحقيق مصالحهما ومصالح القارة الإفريقية ومواجهة تحدياتها المختلفة. وأعرب الرئيس السيسى عن توافقه بشأن ضرورة إعلاء قيم التعاون والعمل المشترك، والنأى عن أفكار التنافس والخلاف التى أدت إلى نتائج سلبية فى العديد من دول المنطقة. وأشار إلى أهمية عقد اللجنة المشتركة فى المستقبل القريب بالقاهرة وتوسيع مجالات التعاون التى تشملها لتضم الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى غير ذلك من مجالات التعاون الحيوية. وقد أعرب «زوما» عن اتفاقه التام مع الرئيس، مؤكداً حرصه على عقد اللجنة المشتركة فى أقرب وقت. وأضاف المتحدث الرسمى أن الرئيس أولى قضايا السلم والأمن فى إفريقيا اهتماما خاصا أثناء مباحثاته مع الرئيس «زوما»، والذى أشاد بسياسة السيسى فى الانفتاح على القارة الإفريقية. كما تباحث الرئيسان فى عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، حيث أوضح النقاش اتفاق الجانبين حول مختلف الموضوعات. وبالنسبة للقضية الفلسطينية، أكد الرئيس على أهمية العمل على تقديم الضمانات التى تشجع الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى على المضى قدماً على صعيد السلام وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية تنفيذاً لحل الدولتين، وشدد السيد الرئيس أن تلك المسئولية لا تقع فقط على عاتق مصر والدول العربية وإنما يتعين أن يضطلع المجتمع الدولى بمسئولياته إزاءها وأن تتضافر جهود كافة الدول الصديقة والمحبة للسلام لتحقيقها. وقد أعرب الرئيس «زوما» عن اتفاقه مؤكداً على أهمية إسراع المجتمع الدولى فى تنفيذ حل الدولتين قبل أن يكون من الصعب تنفيذه. وعلى الصعيد الليبي، أكد الرئيس أن مصر تحترم إرادة الشعب الليبى الحرة، والتى عبر عنها من خلال انتخابه البرلمان الليبى، منوهاً إلى دعم مصر للجهود الأممية المبذولة لتسوية الأزمة سياسياً وذلك بالتوازى مع جهود وقف إمدادات المال والسلاح للجماعات الإرهابية المتواجدة على الأراضى الليبية. وعلى الصعيد الدولي، تناولت المباحثات موضوع إصلاح الأممالمتحدة وتوسيع مجلس الأمن ليكون أكثر عدالة، لا سيما فى ضوء زيادة عدد الدول أعضاء المنظمة، كما أكد الرئيس أهمية الحفاظ على موقف إفريقى موحد والتحدث ككتلة واحدة إزاء مسألة توسيع وإصلاح المنظمة الأممية بما يعزز الدفاع عن المصالح الإفريقية. وقد اتفق الجانبان على مواصلة التشاور والتنسيق حول هذا الموضوع. وقد اِعتبر الرئيس «زوما» أن لقاءه بالرئيس السيسى يعد بدايةً لصفحة جديدة فى العلاقات بين البلدين، موجهاً الدعوة للسيد الرئيس للقيام بزيارة دولة جنوب إفريقيا وكذا لحضور القمة الإفريقية المقبلة التى ستعقد فى جنوب إفريقيا، وهو الأمر الذى رحب به السيد الرئيس، موجهاً بدوره الدعوة للرئيس الجنوب إفريقى لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، حيث رحب الرئيس «زوما» بذلك مُبدياً تطلعه لحضور هذا الحدث التاريخي، بالإضافة إلى قمة التكتلات الاقتصادية الثلاثة التى ستستضيفها مصر خلال العام الجارى. من جانبها أكدت السفيرة منى عمر المبعوث الشخصى للرئاسة فى أفريقيا ومساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية الأسبق حرص مصر على أن تظل علاقاتها متميزة مع كافة دول القارة. وحرصت مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو على تطوير علاقاتها مع دول الجنوب الإفريقى فى ضوء ما تتمتع به دول الجنوب من استقرار سياسى وتوفر الموارد الطبيعية والثروات المعدنية الهائلة بها، وعضويتها فى العديد من المنظمات الاقتصادية والاقليمية والدولية، وعلى الاستفادة من هذه الإمكانيات لتحقيق المصالح المشتركة، بالسعى لتعزيز العلاقات الثنائية وتفعيل الاتفاقات فى مجالات التعاون المتعددة. وأوضحت عمر أن الدبلوماسية المصرية تولى أهمية خاصة لتعزيز علاقات التعاون مع جنوب افريقيا باعتبارها دولة محورية. من جهته أكد نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السفير حمدى لوزا ل «أكتوبر» أن قدرا من القطيعة بين الجانبين المصرى والجنوب أفريقى كان موجودا بعد 30 يونيو وقدرا من عدم الارتياح من الجانب المصرى من الموقف الذى اتخذته جنوب أفريقيا من الثورة، ولكن أزالت زيارة الرئيس زوما هذا الموقف، وبالتالى فالخطوات التالية هى عقد اللجان المشتركة بين البلدين سواء فى المجالات الاقتصادية والسياسية وفتح كل الملفات التى تدفع باتجاه التعاون الثنائى وعلى مستوى القارة. وشدد لوزا على أن عودة مصر لدورها الطبيعى فى القارة الأفريقية لابديل عنه. تعزيز التعاون من جانبه أكد السفير صبرى مجدى مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية أن الزيارة ستتضمن سبل تعزيز التعاون الثنائى بين البلدين فى شتى المجالات، بالإضافة إلى تبادل الرؤى حول قضايا القارة الأفريقية، والملفات ذات الاهتمام المشترك. وأكد د. أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية جامعة القاهرة، أن زيارة الرئيس الجنوب إفريقى جاكوب زوما للقاهرة بالغة الأهمية، معتبرًا الزيارة بمثابة تحول نوعى فى موقف جنوب أفريقيا. وأوضح شبانة أن الزيارة تكتسب أهميتها من الملفات المطروحة للنقاش والتى تمس مصالح القارة الأفريقية وعلى رأسها المؤتمر الاقتصادى للتجمعات الثلاث الذى ستستضيفه مصر فى يونيو المقبل للتجمعات الاقتصادية فى القارة السمراء.