حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على توضيح رسائله المحددة وهى أن القوة العربية المشتركة للدفاع عن الأمة العربية والوطن أى أنها درع للأوطان وردع للعدوان، وشدد على أهمية تشكيل هذه القوة مؤكدًا بأنها ستكون فى إطار القانون الدولى ودون التدخل فى شئون أحد أو انتقاصا من سيادته ورحب بمشروع القرار الذى اعتمده وزراء الخارجية كى يكون نواة وأداة لمواجهة تحديات الامن القومى العربى. وفيما يلى ملخص لكلمة الرئيس السيسى.استشعر عظم المسئولية لتزامن مشاركتى الأولى فى قمة عربية كرئيس لمصر بيت العرب مع تشرفها باستضافة ورئاسة الدورة الحالية فلا يخفى عليكم أن خطورة العديد من القضايا التى تواجهنا فى هذه المرحلة فى أنحاء الوطن العربى. قد بلغت حدا جسيما، بل وغير مسبوق من حيث عمق بعض الأزمات واتساع نطاقها وسوء العواقب المترتبة عليها فى الحاضر والمستقبل فانعقاد قمتنا تحت عنوان التحديات التى تواجه الأمن القومى العربى، إنما يمثل تعبيرًا عن إدراكنا لضرورة أن نتصدى لتلك القضايا دون إبطاء أو تأجيل من خلال منهج يتسم بالتوازن والمصداقية وعبر أدوات ذات تأثير وفاعلية. عانت أمتنا العربية من المحن والنوازل منذ إنشاء جامعتها ما بين الكفاح من أجل تحرير الإرادة الوطنية أو للتخلص من الاستعمار أو الحروب التى خاضتها دفاعًا عن حقوقها وبين تداعيات المشكلات الاقتصادية الخارجية والداخلية، لكن هذه الأمة وفى أحلك الظروف لم يسبق أن استشعرت تحديًا لوجودها وتهديداً لهويتها العربية كالذى تواجهه اليوم على نحو يستهدف الروابط بين دولها وشعوبها، ويعمل على تفكيك نسيج المجتمعات فى داخل هذه الدول ذاتها، والسعى إلى التفرقة ما بين مواطنيها، وإلى استقطاب بعضهم وإقصاء البعض الآخر على أساس من الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق تلك المجتمعات التى استقرت منذ مئات السنين.. وصهرها التاريخ فى بوتقته ووحدتها الآمال والآلام المشتركة، وسواء اكتسى ذلك التهديد رداء الطائفة أو الدين أو حتى العرق وسواء روجت له فئة من داخل الأمة أو أقحمته عليها أطراف من خارجها بدعاوى مختلفة، فإن انتشاره سوف يكسر شوكة هذه الأمة وسوف يفرق جمعها حتى تغدو فى أمد قصير متشرذمة فيما بينها ومستضعفة ممن حولها بسبب انهيار دولها وشدة انقسامها على ذاتها. إن ذلك التحدى الجسيم لهوية الأمة ولاستقرار مجتمعاتها ولطبيعتها العربية الجامعة يجلب معه تحديًا آخر لا يقل خطورة، لأنه يمس الأمن المباشر لكل مواطنيها وهو الإرهاب والترويع. ويقتضى الإنصاف منا أن نواجه أيضاً وبكل ثقة وإصرار المشكلات التى يمثل تراكمها تحديًا لمجتمعاتنا على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى لاسيما فى مجالات مثل بطالة الشباب والأمية والفقر وعدم كفاية الخدمات الاجتماعية وأن نعمل على تعظيم الاستفادة من وعينا بأهمية تلك المشكلات. محاولات الاستقطاب إن بعض الأطراف الخارجية تستغل الظروف التى تمر بها الدول العربية للتدخل فى شئونها أو لاستقطاب قسم من مواطنيها بما يهدد أمننا القومى بشكل لا يمكننا إغفال تبعاته على الهوية العربية وكيان الأمة.. فلقد أغرت تلك الظروف أطرافاً فى الإقليم وأثارت مطامعها إزاء دول عربية بعينها.. فاستباحت سيادتها واستحلت مواردها واستهدفت شعوبها. إن المسئولية الملقاة على عاتقنا لمواجهة كل تلك التحديات تتطلب منا. كما ذكرت منهجًا للمعالجة يتميز بالمصداقية والفعالية.. الأمر الذى ينبغى أن يدعونا للتفكير فى اتخاذ إجراءات عملية جماعية. القوة العربية المشتركة لقد مرت بأمتنا مراحل لم تزد فى أخطارها عما تعايشه اليوم فرأى قادة الأمة العربية معها أنه لا مناص من توحيد الجهود لمواجهتها وأنه لابد من أدوات للعمل العربى العسكرى المشترك للتغلب عليها لكنه ومهما كان تقييمنا لمدى نجاح كل تلك الجهود وإزاء إمكانية تفاقم الأوضاع والتحديات الراهنة من إرهاب يداهم ويروع ومن تدخلات خارجية شرسة نحتاج إلى التفكير بعمق وبثقة فى النفس فى كيفية الاستعداد للتعامل مع تلك المستجدات من خلال تأسيس «قوة عربية مشتركة» دونما انتقاص من سيادة أى من الدول العربية واستقلالها وبما يتسق وأحكام ميثاقى الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية وفى إطار من الاحترام الكامل لقواعد القانون الدولى ودون أدنى تدخل فى الشئون الداخلية لأى طرف فبنفس قدر رفضنا لأى تدخل فى شئوننا لا نسعى للافتئات على حق أية دولة فى تقرير مستقبلها وفق الإرادة الحرة لشعبها. لقد أكدنا مرارًا على أهمية دور المؤسسات الدينية فى التصدى للفكر المتطرف لأن من يسير فى طريقه الوعر سينزلق حتمًا إلى هاوية الإرهاب.. ما لم يجد سبيلاً ممهدًا لصحيح الدين.. إننا فى أمس الحاجة إلى تفعيل دور مؤسساتنا الدينية بما يعزز الفهم السليم لمقاصد الدين الحقيقية من سماحة ورحمة. خطر جديد وفى هذا الإطار أود أن أشير إلى خطر إرهابى جديد غير تقليدى يستغل التقنيات الحديثة وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ويسىء استخدام شبكة المعلومات والإنترنت بغرض التحريض والترهيب ونشر الفكر المتطرف وتدعو مصر لتضافر كافة الجهود لوضع مبادئ عامة للاستخدام الآمن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتفعيل الاتفاقات الدولية المنظمة لهذا الشأن. إن كل تلك التحديات أفرزت أزمات ألقت ومازالت تلقى بظلالها الوخيمة على عالمنا العربى وليس أكثر الحاحاً اليوم ولا أشد تجسيدًا للمدى الذى بلغته تلك التحديات من الأوضاع فى اليمن، حيث وصلت إلى حد النيل من أمننا المشترك وليس المساس به فحسب فما بين استقواء فئة بالسلاح وبالترويع لنقض شرعية التوافق والحوار وبين انتهازية حفنة أخرى طامعة للاستئثار باليمن وإقصاء باقى أبنائه وبين تدخلات خارجية تستغل ما أصاب اليمن لنشر عدواها فى الجسم العربى. المشكلة الليبية إن ما آلت إليه أوضاع ليبيا الشقيقة لا يمكن السكوت عليه ولا يخفى عليكم أن استعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا لا يحتل فقط أهمية قصوى بالنسبة لمصر لاعتبارات الجوار الجغرافى والصلات التاريخية القديمة، ولكن للإقليم والمنطقة العربية ككل على ضوء تشابك التهديدات ووحدة الهدف والمصير، فضلًا عن الاعتبارات المتصلة بصون السلم والأمن الدوليين الذى بات يتأثر بما تشهده الساحة الليبية من تطورات وتنام لخطر الإرهاب وفى الوقت ذاته فإن تأييدنا لمجلس النواب الليبى المُنتخب وللحكومة المنبثقة عنه، إنما يرجع بشكل أساسى لاحترامنا التام لإرادة الشعب الليبى ولحقه فى تقرير مستقبله بنفسه. إن مصر لا تزال تتعامل مع الأزمة السورية من زاويتين رئيسيتين.. الأولى دعم تطلعات الشعب السورى لبناء دولة مدنية ديمقراطية، والثانية هى التصدى للتنظيمات الإرهابية التى باتت منتشرة، والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة السورية، وانطلاقًا من مسئولية مصر التاريخية تجاه سوريا فإن مصر بادرت بدعم من أشقائها العرب إلى العمل مع القوى الوطنية السورية المُعارضة المُعتدلة وصولًا إلى طرح الحل السياسى المنشود، حيث استضافت القاهرة فى يناير الماضى اجتماعًا ضم طيفاً عريضًا من قوى المعارضة الوطنية السورية ونعكف حاليًا على الإعداد لاجتماع أكثر اتساعًا لتلك القوى السياسية إن الدفع بطرح سياسى يتبناه السوريون وتتوافق عليه دول المنطقة والمجتمع الدولى هو خطوة مهمة على طريق الوصول لحل سياسى يضع نهاية لمحنة الشعب السورى ويُحقق آماله وفقاً لإرادته الحرة المستقلة فى بناء دولة وطنية ديمقراطية. قضية العرب على الرغم من جسامة التحديات والتهديدات التى تواجهها أمتنا العربية سيظل اهتمام مصر بالقضية الفلسطينية راسخًا إدراكًا منها لأن حلَّ هذه القضية هو أحدُ المفاتيح الرئيسية لاستقرار المنطقة التى لن تهدأ أبدًا طالما ظلت حقوق الشعب الفلسطينى مهدرة على الرغم من اعتراف المجتمع الدولى بحقه فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسُالشرقية. لا يمكن الحديث عن التحديات التى تواجه الأمن القومى العربى دون التأكيد مجددًا وبقوة على ثوابت الموقف العربى حيال مسألة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى وأسلحة الدمار الشامل فسوف ينعقد مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار خلال شهرى أبريل ومايو المقبلين ويُمثل انعقاد المؤتمر فرصة حقيقية للدول العربية لمطالبة المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته والإسراع باتخاذ خطوات عملية ومحددة لتنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة عام 1995 حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل الأخرى فى الشرق الأوسط. أختتم كلمتى بالتأكيد على أن مستقبل هذه الأمة مرهون بما نتخذه من قرارات . تحيا الأمة العربية .. تحيا الأمة العربية .. تحيا الأمة العربية.