رغم إعلان كييف عن تمسكها باتفاق مينسك الموقع مع الانفصاليين الموالين لروسيا بمشاركة موسكو ومنظمة الأمن والتعاون بأوروبا فى سبتمبر الماضى، إلا أن تصاعد حدة العنف فى الأيام الأخيرة أحبط الآمال فى إمكانية التوصل إلى حل سلمى للأزمة الأوكرانية فى ظل تمسك كافة أطراف النزاع بمواقفهم بشكل يزيد التوتر بين روسيا والغرب ويثير التساؤلات بشأن مصير الصراع فى شرق أوكرانيا. وبعد أن بلغ العنف فى شرق أوكرانيا أسوأ مستوياته منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار قبل خمسة أشهر، أعلن رئيس الوزراء الأوكرانى أرسينى ياتسينيوك حالة الطوارئ فى منطقتى دونيتسك ولوجانسك الواقعتين تحت سيطرة الانفصاليين وحالة التأهب القصوى فى كامل أراضى البلاد، وذلك فى ظل استمرار الاشتباكات العنيفة بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا إثر الهجوم الصاروخى الذى استهدف مدينة ماريوبول الساحلية شرق البلاد وأسفر عن سقوط عشرات المدنيين والذى نسبته كييف للانفصاليين واعتبرته نقضا لاتفاق وقف إطلاق النار وإعلانا جديدا للحرب التى قتل منذ اندلاعها فى إبريل الماضى أكثر من خمسة آلاف شخص، إلا أن الرئيس الأوكرانى بيترو بوروشينكو أعلن فى الوقت نفسه أن حكومة كييف تعطى الأولوية لبدء عملية سياسية لتهدئة التصعيد مؤكدا أنه لا بديل لاتفاقيات مينسك، فى حين استبعد الانفصاليون إجراء المزيد من محادثات السلام متوعدين بالسيطرة على مزيد من الأراضى فى شرق أوكرانيا. ومن جانبه، توعد الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بزيادة الضغوط على روسيا بالتشاور مع المسئولين الغربيين مؤكدا أنه ينظر فى كافة الخيارات باستثناء الخيار العسكرى، بينما حذرت مسئولة الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبى فيديريكا موجيرينى من أن التصعيد فى شرق أوكرانيا «سيثير ولا شك تدهورا خطيرا فى العلاقات» بين الاتحاد الأوروبى وروسيا على خلفية دعمها للانفصاليين سياسيا وعسكريا. من جهتها، حذرت روسيا الغرب من فرض عقوبات جديدة بسبب الصراع الأوكرانى، وقال المتحدث باسم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، دميترى بيسكوف إن «أى محاولة لزيادة الضغط الاقتصادى على روسيا على خلفية القتال فى أوكرانيا سيكون أمرا مدمرا تماما وغير مبرر ويفتقر للرؤيا»، بينما أعلن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف عن استعداد بلاده لبذل كل الجهود الرامية إلى تشجيع الأطراف الأوكرانية المتصارعة على التوصل إلى حل سلمى للأزمة الأوكرانية مؤكدا على صعوبة التوصل إلى نتائج عملية ملموسة من دون الحوار المباشر مع قيادات لوجانسك ودونيتسك وهو ما ترفضه كييف. وفى تحليله لأسباب استمرار دعم موسكو للانفصاليين بالرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب، يقول المحلل السياسى الروسى المقرب من الكرملين إن ذلك ليس مستغربا لأن شدة المواجهة بين موسكو والغرب قد أضعفت نفوذ المستشارين الاقتصاديين الليبراليين فى الحكومة الروسية مما أخرس أصواتهم تقريبا فى المناقشات حول أوكرانيا. ويتفق معه فى الرأى قنسطنطين سونين، الأستاذ فى المدرسة العليا للاقتصاد فى موسكو، والذى أكد لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن «نفوذ الاقتصاديين ككل قد اختفى تماما» مضيفا أن «البلاد فى مهمة مقدسة. إنها فى حالة حرب مع الولاياتالمتحدة، وبالتالى لماذا تشغل نفسك بالمعركة الأصغر ألا وهى الاقتصاد؟». وتشير نيويورك تايمز إلى أن شعبية بوتين ارتفت ارتفاعا كبيرا فى الآونة الأخيرة مع ضم شبه جزيرة القرم واحتدام التوتر مع الغرب بشأن شرق أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، يرى مارك جاليوتى، الخبير بالشئون العسكرية الروسية فى جامعة نيويورك، أن امتداد المعركة لمدينة ماريوبول الاستراتيجية يمثل انتصارا لبوتين وقد يوفر له سبيلا لإجبار كييف على تقديم التنازلات اللازمة التى تسمح لبوتين ب «إعلان السلام بشرف والتفاوض لإنهاء العقوبات المفروضة على روسيا مع الاحتفاظ بالهيمنة على أوكرانيا».