مر عام على تغيير الحكم فى أوكرانيا، وما يزال المستقبل ملبدا بالغيوم، فى ظل استمرار القتال فى شرق البلاد بين قوات كييف والانفصاليين الموالين لروسيا على الرغم من المحاولات المتكررة للتوصل إلى حل سلمى للأزمة، كان آخرها «اتفاق مينسك 2» لوقف إطلاق النار والذى تم التوصل إليه فى 12 فبراير الماضى فى عاصمة روسيا البيضاء بعد مباحثات جرت بين قادة روسيا وفرنسا وألمانياوأوكرانيا، بالإضافة إلى قادة من الانفصاليين. ومنذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ فى 14 فبراير، خفت حدة القتال بالعديد من المناطق ونفذ الطرفان عملية لتبادل الأسرى، إلا أنه تم خرق الهدنة عدة مرات وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين. وفى غضون ذلك سيطر الانفصاليون على بلدة ديبالتسيف الاستراتيجية شرق أوكرانيا بعد انسحاب القوات الأوكرانية منها أثر تكبدها خسائر فادحة فى صفوفها خلال صدها للهجوم على المدينة. من جانبه، طالب الرئيس الأوكرانى بترو بوروشينكو بإرسال قوة شرطة تابعة للاتحاد الأوروبى بتفويض من الأممالمتحدة لحفظ السلام فى شرق البلاد، وهو ما ترفضه روسيا والانفصاليون الموالون لها. وبعد اجتماع مع نظيره البريطانى فيليب هاموند فى لندن، أكد وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا تفكران فى فرض عقوبات جديدة على روسيا لدعمها للانفصاليين شرق أوكرانيا، متوقعًا أن يقيّم الرئيس الأمريكى خلال الأيام القليلة القادمة الخيارات التى أمامه بشأن الأزمة، بما فى ذلك تسليح القوات الأوكرانية. وفى موسكو، خرج عشرات الآلاف من الروس فى مظاهرات حاشدة للتعبير عن تأييدهم للرئيس فلاديمير بوتين، ورفضهم لأى ثورة شعبية وفق النموذج الأوكرانى الذى أدى فى 23 فبراير من العام الماضى إلى الإطاحة بالرئيس الأوكرانى السابق الموالى لروسيا فيكتور يانوكوفيتش وهو ما اعتبره المتظاهرون الروس انقلابًا على الحكم. وعن سبل الخروج من الأزمة الأوكرانية، يرى الكثير من المحللين أن أفضل حل للأزمة فى الوقت الحالى هو تجميد الوضع فى شرق أوكرانيا، وفى هذا السياق كتب ديمترى ترينين، مدير مركز كارنيجى بموسكو، فى مقال بصحيفة الجارديان البريطانية، أن التوصل لاتفاقية سلام، حتى بعد الاتفاق على وقف النار، يظل أمرًا بعيد المنال، حيث إن معظم النقاط فى الاتفاق، بما فيها الإصلاح الدستورى فى أوكرانيا واستعادة كييف السيطرة على كامل الحدود مع روسيا، لن يتم تنفيذها أبدا. كما استبعد ترينين إمكانية أن يؤثر انخفاض أسعار النفط أو العقوبات الغربية على سياسات الكرملين تجاه أوكرانيا، ذلك أن النخبة مازالت تساند الرئيس الروسى، وشعبيته بين الجزء الأكبر من الشعب الروسى بلغت مستويات قياسية، حيث إنهم يعتبرونه بطلا سواء كان زعيم حرب أو صانع سلام. ولفت ترينين كذلك إلى أن بوتين عمل خلال الفترة الماضية على زيادة التقارب مع شركاء أقوياء وعلى أهمية كبيرة فى النظام الدولى مثل الصين والهند ودول مجموعة بريكس الأخرى وكذلك مصر والسعودية وإيران. ويرى ترينين أن أقصى ما يمكن أن نأمله فى أوكرانيا، هو تجميد الصراع ووقف القتال، وحتى ذلك لا يمكن ضمانه تماما مع خرق الاتفاق من جانب الطرفين. وفى نفس السياق، قالت افتتاحية صحيفة «ذا برس» النيوزيلندية، إنه بعد خرق اتفاق وقف النار وسيطرة الانفصاليين على مدينة ديبالتسيف أصبح واضحا أن أوكرانيا لا يمكنها كسب الحرب الدامية المستمرة على أراضيها، على الأقل ليس من دون الكثير من المساعدة الخارجية، وهو ما من شأنه أن يدفع هذا الصراع الخطير إلى نوع من التصعيد لا يريده أحد، وهو ما تدركه ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبالتالى تأتى معارضة الدول الثلاث لتسليح أوكرانيا. وترى الصحيفة أن تجميد الصراع فى شرق أوكرانيا ربما يكون أفضل فرصة لوقف سفك الدماء على الفور، وأنه قد يفسح الطريق لبدء رحلة طويلة نحو إيجاد حل دبلوماسى للأزمة شرق أوكرانيا والتى أسفرت منذ اندلاعها فى إبريل الماضى عن مقتل نحو 5700 شخص ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون أوكرانى.